Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-29)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { نُّطْفَةٍ } النطفة الماء المهين الذي يتكون منه الإِنسان ، مِن نطَف إذا قطر { دِفْءٌ } الدفء : ما يستدفئ به الإِنسان من البرد { تُرِيحُونَ } الرَّواح : رجوع المواشي بالعشي من المرعى { تَسْرَحُونَ } السَّراح : الخروج بها صباحاً إلى المرعى { أَثْقَالَكُمْ } الأثقال : الأمتعة جمع ثقل سميت أثقالاً لأنها ثقيلة الحمل { جَآئِرٌ } مائل عن الحق { تُسِيمُونَ } أسام الماشية تركها ترعى ، وسامت هي إذا رعت حيث شاءت فهي سائمة { ذَرَأَ } خلق وأبدع { مَوَاخِرَ } أصل المخْر شقُّ الماء عن يمين وشمال يقال : مخرت السفينةُ إِذا جرت تشق الماء مع صوت { تَمِيدَ } تضطرب . سَبَبُ النّزول : قال ابن عباس : لما نزل قوله تعالى { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] قال الكفار بعضهم لبعض : إنَّ محمداً يزعم أن القيامة قد اقتربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ، فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد : ما نرى شيئاً مما تُخَوِّفنا به فأنزل الله تعالى { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ … } الآية . التفسِير : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } أي قرب قيام الساعة فلا تستعجلوا العذاب الذي أوعدكم به محمد ، وإِنما أتى بصيغة الماضي لتحقق وقوع الأمر وقربه ، قال الرازي : لما كان واجب الوقوع لا محالة عبّر عنه بالماضي كما يقال للمستغيث : جاءك الغوثُ فلا تجزع { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزَّه الله عما يصفه به الظالمون ، وتقدس عن إشراكهم به غيره من الأنداد والأوثان { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } أي يُنزّل الملائكة بالوحي والنبوة بإِرادته وأمره { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي على الأنبياء والمرسلين ، وسمَّى الوحي روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } أي بأن أنذروا أهل الكفر أنه لا معبود إلا الله فخافوا عذابي وانتقامي ، ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي خلقهما بالحق الثابت ، والحكمة الفائقة ، لا عبثاً ولا جُزافاً { تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تمجَّد وتقدَّس عن الشريك والنظير { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ } أي خلق هذا الجنس البشري من نطفةٍ مهينة ضعيفة هي المنيُّ { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي فإِذا به بعد تكامله بشراً مخاصمٌ لخالقه ، واضح الخصومة ، يكابر ويعاند ، وقد خُلق ليكون عبداً لا ضداً قال ابن الجوزي : لقد خُلق من نطفة وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث ، أفلا يستدل بأوله على آخره ، وبأن من قدر على إِيجاده أولاً قادرٌ على إِعادته ثانياً ؟ { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا } أي وخلق الأنعام لمصالحكم وهي الإِبل والبقر والغنم { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } أي لكم فيها ما تستدفئون به من البرد مما تلبسون وتفترشون من الأصواف والأوبار { وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي ولكم فيها منافع عديدة من النسل والدر وركوب الظهر ، ومن لحومها تأكلون وهو من أعظم المنافع لكم { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } أي ولكم في هذه الأنعام والمواشي زينةٌ وجمالٌ حين رجوعها عشياً من المرعى ، وحين غُدوّها صباحاً لترعى ، جمال الاستمتاع بمنظرها صحيحةً سمينةً فارهة { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } أي وتحمل أحمالكم الثقيلة وأمتعتكم التي تعجزون عن حملها إلى بلدٍ بعيد لم تكونوا لتصلوا إليه إلا بجهدٍ ومشقة { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } أي إنَّ ربكم أيها الناس الذي سخَّر لكم هذه الأنعام لعظيمُ الرأفة والرحمة بكم { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } أي وخلق الخيل والبغال والحمير للحمل والركوب وهي كذلك زينة وجمال { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي ويخلق في المستقبل ما لا تعلمونه الآن كوسائل النقل الحديث : القاطرات ، والسيارات ، والطائرات النفاثة وغيرها مما يجدُّ به الزمان وهو من تعليم الله للإِنسان { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي وعلى الله جل وعلا بيانُ الطريق المستقيم ، الموصلِ لمن يسلكه إلى جنات النعيم { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } أي ومن هذه السبيل طريقٌ مائلٌ عن الحق منحرفٌ عنه ، لا يوصل سالكه إلى الله وهو طريق الضلال ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي لو شاء أن يهديكم إلى الإِيمان لهداكم جميعاً ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن يدع للإِنسان حرية الاختيار { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] ليترتب عليه الثواب والعقاب ، ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم من الأنعام ، شرع في ذكر سائر النعم العظام وآياته المنبثة في الكائنات فقال { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً } أي أنزل المطر بقدرته القاهرة من السحاب { لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ } أي أنزله عذباً فراتاً لتشربوه فتسكن حرارة العطش { وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } أي وأخرج لكم منه شجراً ترعون فيه أنعامكم { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ } أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } أي ومن كل الفواكه والثمار يخرج لكم أطايب الطعام { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي إن في إنزال الماء وإِخراج الثمار لدلالة واضحة على قدرة الله ووحدانيته لقومٍ يتدبرون في صنعه فيؤمنون قال أبو حيان : ختم الآية بقوله : { يَتَفَكَّرُونَ } لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل ، واستعمال فكر ، ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وُضعت في الأرض ومرَّ عليها زمن معيَّن لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به فيُشق أعلاها فتصعد منه شجرة إلى الهواء ، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرةٌ أخرى وهي العروق ، ثم ينمو الأعلى ويقوى وتخرج الأوراق والأزهار ، والأكمام والثمار ، المشتملة على أجسامٍ مختلفة الطبائع والألوان والأشكال والمنافع وذلك بتقدير قادرٍ مختار وهو الله تعالى { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذلّل الليل والنهار يتعاقبان لمنامكم ومعاشكم ، والشمس والقمر يدوران لمصالحكم ومنافعكم { وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ } أي والنجومُ تجري في فلكها بأمره تعالى لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي إن في ذلك الخلق والتسخير لدلائل باهرة عظيمة ، لأصحاب العقول السليمة { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } أي وما خلق لكم في الأرض من الأمور العجيبة ، من الحيوانات والنباتات ، والمعادن والجمادات ، على اختلاف ألوانها وأشكالها ، وخواصها ومنافعها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } أي لعبرةً لقومٍ يتعظون { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ } أي وهو تعالى - بقدرته ورحمته - ذلّل لكم البحر المتلاطم الأمواج للركوب فيه والغوص في أعماقه { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } أي لتأكلوا من البحر السمك الطريَّ الذي تصطادونه { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } أي وتستخرجوا منه الجواهر النفيسة كاللؤلؤ والمرجان { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } أي وترى السفن العظيمة تشق عُباب البحر جاريةً فيه وهي تحمل الأمتعة والأقوات { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي سخر لكم البحر لتنتفعوا بما ذُكر ولتطلبوا من فضل الله ورزقه سبل معايشكم بالتجارة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي ولتشكروا ربكم على عظيم إنعامه وجليل إفضاله { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } أي نصب فيها جبالاً ثوابت راسيات لئلا تضطرب بكم وتميل قال أبو السعود : إن الأرض كانت كرةً خفيفة قبل أن تُخلق فيها الجبال ، وكان من حقها أن تتحرك كالأفلاك بأدنى سبب فلما خُلقت الجبال توجهت بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد لها { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي وجعل فيها أنهاراً وطرقاً ومسالك لكي تهتدوا إلى مقاصدكم { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أي وعلامات يستدلون بها على الطرق كالجبال والأنهار ، وبالنجوم يهتدون ليلاً في البراري والبحار قال ابن عباس : العلامات معالمُ الطرق بالنهار وبالنجم هم يهتدون بالليل { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } الاستفهام إِنكاري أي أتسوّون بين الخالق لتلك الأشياء العظيمة والنعم الجليلة ، وبين من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيره ؟ أتشركون هذا الصنم الحقير مع الخالق الجليل ؟ وهو تبكيت للكفرة وإِبطالٌ لعبادتهم الأصنام { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } أي أفلا تتذكرون فتعرفون خطأ ما أنتم فيه من عبادة غير الله ؟ وهو توبيخٌ آخر { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } أي إِن تعدوا نعم الله الفائضة عليكم لا تضبطوا عددها فضلاً عن أن تطيقوا شكرها { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي غفور لما صدر منكم من تقصير رحيم بالعباد حيث ينعم عليهم مع تقصيرهم وعصيانهم { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي يعلم ما تخفونه وما تظهرونه من النوايا والأعمال وسيجازيكم عليها { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } أي والذين يعبدونهم من دون الله كالأوثان والأصنام لا يقدرون على خلق كل شيء أصلاً والحال أنهم مخلوقون صنعهم البشر بأيديهم ، فكيف يكونون آلهة تعبد من دون الله ؟ { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } أي وتلك الأصنام أمواتٌ لا أرواح فيها ، لا تسمع ولا تبصر لأنها جمادات لا حياة فيها ، فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها لما فيكم من الحياة ؟ { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي ما تشعر هذه الأصنام متى يبعث عابدوها ، وفيه تهكم بالمشركين لأنهم عبدوا جماداً لا يحس ولا يشعر { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ } أي إلهكم المستحق للعبادة إله واحدٌ لا شريك له { فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } أي فالذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء قلوبهم تنكر وحدانية الله عز وجل { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق بعدما سطعت دلائله { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أي حقاً إن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من أحوالهم يعلم ما يخفون وما يظهرون { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } أي المتكبرين عن التوحيد والإِيمان { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } أي وإِذا سئل هؤلاء الجاحدون أيَّ شيء أنزل ربكم على رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ { قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي قالوا على سبيل الاستهزاء : ما أنزله ليس إلا خرافات وأباطيل الأمم السابقين ليس بكلام رب العالمين قال المفسرون : كان المشركون يجلسون على مداخل مكة يُنفّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج ماذا أُنزل على محمد ؟ قالوا أباطيل وأحاديث الأولين { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي قالوا ذلك البهتان ليحملوا ذنوبهم كاملةً من غير أن يُكفَّر منها شيء { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي وليحملوا ذنوب الأتباع الذين أضلوهم بغير دليلٍ أو برهان ، فقد كانوا رؤساء يُقتدى بهم في الضلالة ولذلك حملوا أوزارهم وأوزار من أضلوهم { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } ألاَ للتنبيه أي فانتبهوا أيها القوم بئس الحمل الذي حملوه على ظهورهم ، والمقصودُ المبالغة في الزجر { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي مكر المجرمون بأنبيائهم وأرادوا إطفاء نور الله من قبل كفار مكة ، وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي قلع بنيانهم من قواعده وأسسه ، وهذا تمثيلٌ لإِفساد ما أبرموه من المكر بالرسل { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } أي فسقط عليهم سقف بنيانهم فتهدّم البناء وماتوا { وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي جاءهم الهلاك والدمار من حيث لا يخطر على بالهم ، والآية مشهد كاملٌ للدمار والهلاك ، وللسخرية من مكر الماكرين ، وتدبير المدبرين ، الذين يقفون لدعوة الله ويحسبون مكرهم لا يُردّ ، وتدبيرهم لا يخيب ، والله من ورائهم محيط { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } أي يفضحهم بالعذاب ويذلهم ويهينهم { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } أي يقول تعالى لهم على سبيل التقريع والتوبيخ : أين هؤلاء الشركاء الذين كنتم تخاصمون وتعادون من أجلهم الأنبياء ؟ أحضروهم ليشفعوا لكم ، والأسلوب استهزاءٌ وتهكم { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } أي يقول الدعاة والعلماء شماتةً بأولئك الأشقياء إن الذلَّ والهوان والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } أي تقبض الملائكة أرواحهم الخبيثة حال كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والإِشراك بالله { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } أي استسلموا وانقادوا عند الموت على خلاف عادتهم في الدنيا من العناد والمكابرة ، وقالوا ما أشركنا ولا عصينا كما يقولون يوم المعاد { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يكذبهم الله ويقول : بلى قد كذبتم وعصيتم وكنتم مجرمين { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } أي أدخلوا جهنم ماكثين فيها أبداً { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } أي بئست جهنم مقراً ومقاماً للمتكبرين عن طاعة الله . البَلاَغة : تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي : 1 - الالتفات في { فَٱتَّقُونِ } فهو خطاب للمستعجلين بطريق الالتفات . 2 - أسلوب الإِطناب في { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } تأكيداً لسفاهة من عبد الأصنام ومثله { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } . 3 - الطباق بين { يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ } وبين { تُرِيحُونَ وتَسْرَحُونَ } . 4 - صيغة المبالغة في { خَصِيمٌ مُّبِينٌ } وفي { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . 5 - طباق السلب في { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } . 6 - الجناس الناقص في { لاَ يَخْلُقُونَ … وَهُمْ يُخْلَقُونَ } . 7 - الاستعارة التمثيلية في { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ … فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } شبهت حال أولئك الماكرين بحال قومٍ بنوا بنياناً شديد الدعائم فانهدم ذلك البنيان وسقط عليهم فأهلكهم بطريق الاستعارة التمثيلية ، ووجه الشبه أن ما عدوه سبباً لبقائهم ، عاد سبباً لفنائهم كقولهم " من حفر حفرة لأخيه سقط فيها " . فَائِدَة : قال القرطبي : تسمى سورة النحل سورة النِّعم لكثرة ما عدَّد الله فيها من نعمه على عباده .