Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 41-65)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لم ذكر تعالى " قصة مريم " واختلاف النصارى في شأن عيسى حتى عبدوه من دون الله ، أعقبها بذكر " قصة إبراهيم " وتحطيمه الأصنام لتذكير الناس بما كان عليه خليل الرحمن من توحيد الربّ الديّان ، وسواء في الضلال من عبد بشراً أو عبد حجراً ، فالنصارى عبدوا المسيح ، ومشركو العرب عبدوا الأوثان . اللغَة : { صِدِّيقاً } من أبنية المبالغة ومعناه كثير الصدق { مَلِيّاً } دهراً طويلاً من قولهم أمليتُ لفلان في الأمر إِذا أطلت له قال الشاعر : @ فتصدَّعت شُمُّ الجبال لموته وَبكتْ عليه المُرْملاتُ مليّاً @@ { حَفِيّاً } الحفيُّ : المبالغ في البر واللطف به { خَلْفٌ } الخلف : بسكون اللام الذي يخلف سلفه بالشر وبفتحها الذي يخلفه بالخير يقال جعلك الله خير خلفٍ لخير سلف وقال الشاعر : @ ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبقيتُ في خَلْف كجلد الأجرب @@ { غَيّاً } : شراً وضلالاً قال أهل اللغة : كل شر عند العرب فهو غي ، وكل خير فهو رشاد . سَبَبُ النّزول : عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا ؟ فنزلت الآية { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ … } الآية " . التفسِير : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ } أي اذكر يا محمد في الكتاب العزيز خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } أي ملازماً للصدق مبالغاً فيه ، جامعاً بين الصّديقية والنبوة والغرضُ تنبيه العرب إلى فضل إبراهيم الذي يزعمون الانتساب إليه ثم يعبدون الأوثان مع أنه إمام الحنفاء وقد جاء بالتوحيد الصافي الذي دعاهم إليه خاتم المرسلين { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } أي ناداه متلطفاً بخطابه ، مستميلاً له نحو الهداية والإِيمان ، يا أبتِ لم تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر ، ولا يجلب لك نفعاً أو يدفع عنك ضراً ؟ { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ } كرَّر النصح باللطف ولم يصف أباه بالجهل الشنيع في عبادته للأصنام وإِنما ترفق وتلطف في كلامه أي جاءني من العلم بالله ومعرفة صفاته القدسية ما لا تعلمه أنت { فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } أي اقبل نصيحتي وأطعني أرشدك إلى طريق مستقيم فيه النجاة من المهالك وهو دين الله الذي لا عوج فيه { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } أي لا تطع أمر الشيطان في الكفر وعبادة الأوثان { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } أي إن الشيطان عاصٍ للرحمن ، مستكبر على عبادة ربه ، فمن أطاعه أغواه ، قال القرطبي : وإِنما عبّر بالعبادة عن الطاعة لأن من أطاع شيئاً في معصية الله فقد عبده { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } تحذيرٌ من سوء العاقبة والمعنى أخاف أن تموت على كفرك فيحل بك عذاب الله الأليم وتكون قريناً للشيطان بالخلود في النيران قال الإِمام الفخر : وإِيراد الكلام بلفظ { يٰأَبَتِ } في كل خطاب دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب ، وإِرشاده إلى الصواب ، وقد رتَّب إبراهيم الكلام في غاية الحسن ، لأنه نبَّهه أولاً إلى بطلان عبادة الأوثان ، ثم أمره باتباعه في الاستدلال وترك التقليد الأعمى ، ثم ذكَّره بأن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول ، ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإِقدام مع رعاية الأدب والرفق ، وقوله { إِنِّيۤ أَخَافُ } دليلٌ على شدة تعلق قلبه بمصالحه قضاءً لحق الأبوَّة { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } أي قال له أبوه آزر : أتارك يا إبراهيم عبادة آلهتي ومنصرفٌ عنها ؟ استفهامٌ فيه معنى التعجب والإِنكار لإِعراضه عن عبادة الأوثان كأن ترك عبادتها لا يصدر عن عاقل قال البيضاوي : قابل أبوه استعطافه ولطفه في الإِرشاد بالفظاظه وغلظة العناد ، فناداه باسمه ولم يقابل قوله { يٰأَبَتِ } بـ " يا ابني " وقدَّم الخبر وصدَّره بالهمزة لإِنكار نفس الرغبة كأنها مما لا يرغب عنها عاقل ، ثم هدَّده بقوله { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ } أي لئن لم تترك شتم وعيب آلهتي لأرجمنك بالحجارة { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } أي اهجرني دهراً طويلاً قال السديُّ : أبداً . . بهذه الجهالة تلقى " آزر " الدعوة إلى الهدى ، وبهذه القسوة قابل القول المؤدَّب المهذَّب ، وكذلك شأن الكفر مع الإِيمان ، وشأن القلب الذي هذَّبه الإِيمان ، والقلب الذي أفسده الطغيان { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } أي قال إبراهيم في جوابه : أمَّا أنا فلا ينالك مني أذى ولا مكروه ، ولا أقول لك بعدُ ما يؤذيك لحرمة الأبوَّة ، وسأسأل الله أن يهديك ويغفر لك ذنبك { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } أي مبالغاً في اللطف بي والاعتناء بشأني { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أترككم وما تعبدون من الأوثان وأرتحل عن دياركم { وَأَدْعُو رَبِّي } أي وأعبد ربي وحده مخلصاً له العبادة { عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } أي راجياً بسبب إخلاصي العبادة له ألاَّ يجعلني شقياً ، وفيه تعريضٌ بشقاوتهم بدعاء آلهتم … وهكذا اعتزل إبراهيم أباه وقومه وعبادتهم للأوثان ، وهجر الأهل والأوطان ، فلم يتركه الله وحيداً بل وهب له ذريةً وعوَّضه خيراً { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } قال المفسرون : لما هاجر إبراهيم إلى أرض الشام ، واعتزل أباه وقومه في الله ، أبدله الله من هو خيرٌ منهم ، فوهب له إسحاق ويعقوب أولاداً أنبياء ، فآنس الله بهما وحشته عن فراق قومه بأولئك الأولاد الأطهار ، ويعقوبُ ابن اسحاق ، وهما شجرتا الأنبياء فقد جاء من نسلهما أنبياء بني إِسرائيل قال ابن كثير : المعنى جعلنا له نسلاً وعقباً أنبياء ، أقرَّ الله بهم عينه في حياته بالنبوة ولهذا قال { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } أي كل واحدٍ منهما جعلناه نبياً { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا } أي أعطينا الجميعَ - إبراهيم وإِسحاق ويعقوب - كل الخير الديني والدنيوي ، من المال والولد والعلم والعمل { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } أي جعلنا لهم ذكراً حسناً في الناس ، لأن جميع أهل الملل والأديان يثنون عليهم لما لهم من الخصال المرضية ، ويُصلون على إِبراهيم وعلى آله إلى قيام الساعة ، قال الطبري : أي رزقناهم الثناء الحسن ، والذكر الجميل في الناس { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ } أي اذكر يا محمد لقومك في القرآن العظيم خبر موسى الكليم { إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } أي استخلصه الله لنفسه ، واصطفاه من بين الخلق لكلامه { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أي من الرسل الكبار ، والأنبياء الأطهار ، جمع الله له بين الوصفين الجليلين ، وإِنما أعاد لفظ " كان " لتفخيم شأن النبي المذكور { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } أي نادينا موسى من جهة جبل الطور من ناحية اليمين حين كلمناه بلا واسطة { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } أي أدنْيناه للمناجاة حين كلمناه قال ابن عباس : أُدني موسى من الملكوت ورُفعت له الحُجُب حتى سمع صريف الأقلام قال الزمخشري : شبّهه بمن قرَّبه بعض العظماء للمناجاة حيث كلَّمه بغير واسطة ملك { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } أي وهبنا له من نعمتنا عليه أخاه هارون فجعلناه نبياً إجابة لدعائه حين قال { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } [ طه : 29 - 30 ] جعلناه له عضُداً وناصراً ومعيناً { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ } أي اذكر يا محمد في القرآن العظيم خبر جدّك " إسماعيل " الذبيح ابن إبراهيم ، وهو أبو العرب جميعاً { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } أي كان صادقاً في وعده ، لا يعد بوعدٍ إلا وفى به قال المفسرون : وذُكر بصدق الوعد وإِن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً وإِكراماً ، ولأنه عانى في الوفاء بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء ، فمن مواعيده الصبر وتسليم نفسه للذبح فلذلك أثنى الله عليه { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أي جمع الله له بين الرسالة والنبوة قال ابن كثير : وفي الآية دليل على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق لأنه إِنما وُصف بالنبوة فقط ، وإِسماعيل وصف بالنبوة والرسالة ، ومن إسماعيل جاء خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } أي كان يحث أهله على طاعة الله ، وبخاصة الصلاة التي هي عماد الدين ، والزكاة التي بها تتحقق سعادة المجتمع { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } أي نال رضى الله قال الرازي : وهذا نهاية المدح لأن المرضيَّ عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } أي اذكر يا محمد في الكتاب الجليل خبر إدريس إنه كان ملازماً للصدق في جميع أحواله ، موحىً إليه من الله قال المفسرون : إدريس هو جدُّ نوح ، وأول مرسل بعد بعد آدم ، وأول من خطَّ بالقلم ولبس المخيط ، وكانوا من قبل يلبسون الجلود ، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } أي رفعنا ذكره وأعلينا قدره ، بشرف النبوة والزلفى عند الله { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } أي أولئك المذكورون هم أنبياء الله ورسله الكرام ، الذين قصصنا عليك خبرهم في هذه السورة - وهم عشرة أولهم زكريا وآخرهم إدريس - وهم الذين أنعم الله عليهم بشرف النبوة { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } أي من نسل آدم كإِدريس { وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } كإِبراهيم فإِنه من ذرية سام بن نوح { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ } كإِسماعيل وإِسحاق ويعقوب { وَإِسْرَائِيلَ } أي ومن ذرية إسرائيل وهو " يعقوب " كموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ } أي وممن هديناهم للإيمان واصطفيناهم لرسالتنا ووحينا { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } أي إذا سمعوا كلام الله سجدوا وبكوا من خشية الله مع ما لهم من علو الرتبة ، وسموِّ النفس ، والزلفى من الله تعالى ، قال القرطبي : وفي الآية دلالة على أن لآياتِ الرحمن تأثيراً في القلوب { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ } أي جاء من بعد هؤلاء الأتقياء قومٌ أشقياء ، تركوا الصلوات وسلكوا طريق الشهوات { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } أي سوف يلقون كل شرٍّ وخسارٍ ودمار ، قال ابن عباس : غيٌّ وادٍ في جهنم ، وإِن أودية جهنم لتستعيذ بالله من حره { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } أي إلا من تاب وأناب وأصلح عمله { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي فأولئك يُسعدون في الجنة ولا يُنقصون من جزاء أعمالهم شيئاً { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي هي جنات إقامة التي وعدهم بها ربهم فآمنوا بها بالغيب قبل أن يروها تصديقاً بوعده تعالى { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أي إن وعده تعالى بالجنة آتٍ وحاصلٌ لا يُخلف { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } أي لا يسمعون في الجنة شيئاً من فضول الكلام ، لكنْ يسمعون تسليم الملائكة عليهم على وجه التحية والإِكرام ، والاستثناء منقطع { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي ولهم ما يشتهون في الجنة من أنواع المطاعم والمشارب بدون كدٍّ ولا تعب ، ولا تنغصٍ ولا انقطاع { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } أي هذه الجنة التي وصفنا أحوال أهلها هي التي نورثها لعبادنا المتقين { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } هذا من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين احتبس عنه فترةً من الزمن والمعنى : ما نتنزَّل إلى الدنيا إلا بأمر الله وإِذنه { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } أي لله جل وعلا جميع الأمر ، أمر الدنيا والآخرة ، وهو المحيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة ، فكيف نقدم على فعل شيء إلا بأمره وإِذنه ؟ { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أي لا ينسى شيئاً من أعمال العباد { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ } أي هو ربُّ العوالم علويها وسفليها فاعبده وحده { وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } أي اصبر على تكاليف العبادة { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } أي هل تعلم له شبيهاً ونظيراً ؟ البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الكناية اللطيفة { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } كنَّى عن الذكر الحسن والثناء الجميل باللسان لأن الثناء يكون باللسان فلذلك قال { لِسَانَ صِدْقٍ } كما يكنى عن العطاء باليد . 2 - الاستعارة { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } شبَّه المكانة العظيمة والمنزلة السامية بالمكان العالي بطريق الاستعارة . 3 - المبالغة { صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } أي مبالغاً في الصدق . 4 - الإِشارة بالبعيد لعلو الرتبة { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ } فما فيه من معنى البعد للإِشادة بعلو رتبهم وبُعد منزلتهم في الفضل . 5 - الجناس الناقص { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } لتغير الحركات والشكل . 6 - الطباق { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا } وبين { بُكْرَةً … وَعَشِيّاً } . 7 - السجع الحسن الرصين { عَلِيّاً ، حَفِيّاً ، نَّبِيَّاً } . فائِدَة : في قول إبراهيم عليه السلام " يا أبتِ " تلطفٌ واستدعاء ، والتاء عوضٌ عن ياء الإِضافة لأن أصله " يا أبي " ولهذا لا يُجمع بينهما . تنبيه : ذكر السيوطي في التحبير أن إبراهيم عليه السلام عاش من العمر مائة وخمساً وسبعين سنة ، وبينه وبين آدم ألفا سنة ، وبينه وبين نوح ألف سنة ، ومنه تفرعت شجرة الأنبياء .