Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 111-115)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : في هذه الآيات الكريمة بيان آخر لأباطيل أهل الكتاب ، حيث ادعى كل من الفريقين اليهود والنصارى أن الجنة خاصة به وطعن في دين الآخر ، فاليهود يعتقدون بكفر النصارى وضلالهم ، ويكفرون بعيسى وبالإِنجيل ، والنصارى يعتقدون بكفر اليهود لعدم إِيمانهم بالمسيح وقد جاء لإتمام شريعتهم ، ونشأ عن هذا النزاع عداوة اشتدت بها الأهواء حتى صار كل فريق يطعن في دين الآخر ويزعم أن الجنة وقفٌ عليه ، فأكذب الله الفريقين ، وبيّن أن الجنة إنما يفوز بها المؤمن التقي الذي عمل الصالحات . اللغَة : { هُوداً } أي يهوداً جمع هائد ، والهائد : التائب الراجع مشتق من هاد إِذا تاب { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 156 ] ، { أَمَانِيُّهُمْ } جمع أمنية وهي ما يتمناه الإِنسان ويشتهيه ، { بُرْهَانَكُمْ } البرهان : الدليل والحجة الموصلان إلى اليقين ، { أَسْلَمَ } استسلم وخضع ، { خَرَابِهَآ } الخراب : الهدم والتدمير وهو حسّيٌ كتخريب بيوت الله ، ومعنوي كتعطيل إقامة الشعائر فيها ، { خِزْيٌ } هوانٌ وذلة ، { ثَمَّ } بفتح الثاء أي هناك ظرفٌ للمكان ، { وَجْهُ ٱللَّهِ } الوجه : الجهة والمراد بوجه الله : الجهة التي ارتضاها وأمر بالتوجه إليها . سَبَبُ النّزول : عن ابن عباس قال : لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حرملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى وبالإنجيل ، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ } الآية . التفسِير : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } أي قال اليهود لن يدخل الجنة إِلا من كان يهودياً ، وقال النصارى لن يدخل الجنة إِلا من كان نصرانياً { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } أي تلك خيالاتهم وأحلامهم { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي قل لهم يا محمد أئتوني بالحجة الساطعة على ما تزعمون إِن كنتم صادقين في دعواكم { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } أي بلى يدخل الجنة من استسلم وخضع وأخلص نفسه لله { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي وهو مؤمن مصدّقٌ متبعٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم { فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي فله ثواب عمله ولا خوف عليهم في الآخرة ولا يعتريهم حزنٌ أو كدر بل هم في نعيم مقيم { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ } أي كفر اليهود بعيسى وقالوا ليس النصارى على دين صحيح معتدٍّ به فدينهم باطل { وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ } أي وقال النصارى في اليهود مثل ذلك وكفروا بموسى { وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } أي والحال أن اليهود يقرءون التوراة والنصارى يقرءون الإِنجيل فقد كفروا عن علمٍ { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } أي كذلك قال مشركو العرب مثل قول أهل الكتاب قالوا : ليس محمد على شيء { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي يحكم بين اليهود والنصارى ويفصل بينهم بقضائه العادل فيما اختلفوا فيه من أمر الدين { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } استنكار واستبعاد لأن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك أي لا أحد أظلم ممن منع الناس من عبادة الله في بيوت الله ، وعمل لخرابها بالهدم كما فعل الرومان ببيت المقدس ، أو بتعطيلها من العبادة كما فعل كفار قريش { أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } أي ما ينبغي لأولئك أن يدخلوها إِلا وهم في خشية وخضوع فضلاً عن التجرؤ على تخريبها أو تعطيلها { لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي لأولئك المذكورين هوانٌ وذلة في الدنيا { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو عذاب النار . { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } أي لله مكان شروق الشمس ومكان غروبها والمراد جميع الأرض { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } أي إلى أي جهة توجهتم بأمره فهناك قبلته التي رضيها لكم ، وقد نزلت الآية فيمن أضاع جهة القبلة { إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } أي يسع الخلق بالجود والإِفضال ، عليم بتدبير شئونهم ، لا تخفى عليه خافية من أحوالهم . البَلاَغَة : 1 - { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } الجملة اعتراضية وفائدتها بيان بطلان الدعوى وأنها دعوى كاذبة . 2 - { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } الأمر هنا للتبكيت والتقريع . 3 - { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } خص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء والوجه هٰهنا ( استعارة ) أي من أقبل على عبادة الله وجعل توجهه إِليه بجملته . 4 - { عِندَ رَبِّهِ } العندية للتشريف ووضع اسم الرب مضافاً إِلى ضمير من أسلم موضع ضمير الجلالة لإِظهار مزيد اللطف به . 5 - { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } فيه توبيخ عظيم لأهل الكتاب لأنهم نظموا أنفسهم - مع علمهم - في سلك من لا يعلم أصلاً . 6 - { وَمَنْ أَظْلَمُ } الاستفهام بمعنى النفي أي لا أحد أظلم منه . 7 - { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } التنكير للتهويل أي خزي هائل فظيع لا يكاد يوصف لهوله . 8 - { عَلِيمٌ } صيغة فعيل للمبالغة . أي واسع العلم . فَائِدَة : قال الإِمام الفخر : إِسلام الوجه لله يعني إِسلام النفس لطاعة الله وقد يكنى بالوجه عن النفس كما قال تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] وقال زيد بن نفيل :