Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 145-150)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى ما قاله السفهاء من اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إِلى الكعبة المعظمة ، وأمر رسوله بأن يتوجه في صلاته نحو البيت العتيق ، ذكر في هذه الآيات أن أهل الكتاب قد انتهوا في العناد والمكابرة إِلى درجة اليأس من إِسلامهم ، فإِنهم ما تركوا قبلتك لشبهة عارضة تزيلها الحجة ، وإنما خالفوك عناداً واستكباراً ، وفي ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم من جحود وتكذيب أهل الكتاب . اللغَة : { آيَةٍ } الآية : الحجة والعلامة { أَهْوَاءَهُم } جمع هوى مقصور ، وهوى النفس : ما تحبه وتميل إليه { ٱلْمُمْتَرِينَ } الامتراء : الشك ، امترى في الشيء شك فيه ومنه المراء والمرْية { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } [ الحج : 55 ] أي شك { وِجْهَةٌ } قال الفراء : وِجهة وجِهَة ووجه بمعنى واحد والمراد بها القِبلة { هُوَ مُوَلِّيهَا } أي هو مولّيها وجهه فاستغنى عن ذكر الوجه قال الفراء : أي مستقبلها { فَٱسْتَبِقُواْ } أي بادروا وسارعوا { ٱلْخَيْرَاتِ } الأعمال الصالحة جمع خيْرة { تَخْشَوْهُمْ } تخافوهم والخشية : الخوف . التفسِير : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } أي والله لئن جئت اليهود والنصارى بكل معجزة على صدقك في أمر القبلة ما اتبعوك يا محمد ولا صلّوا إِلى قبلتك { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } أي ولست أنت بمتبع قبلتهم بعد أن حوّلك الله عنها ، وهذا لقطع أطماعهم الفارغة حيث قالت اليهود : لو ثبتَّ على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره تغريراً له عليه السلام { وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } أي إِن النصارى لا يتبعون قبلة اليهود ، كما أن اليهود لا يتبعون قبلة النصارى ، لما بينهم من العداوة والخلاف الشديد مع أن الكل من بني إِسرائيل { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي ولئن فرض وقدّر أنك سايرتهم على أهوائهم ، واتبعت ما يهوونه ويحبونه بعد وضوح البرهان الذي جاءك بطريق الوحي { إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي تكون ممن ارتكب أفحش الظلم ، والكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير وإِلا فحاشاه صلى الله عليه وسلم من اتباع أهواء الكفرة المجرمين ، وهو من باب التهييج للثبات على الحق . { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } أي اليهود والنصارى { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } أي يعرفون محمداً معرفة لا امتراء فيها كما يعرف الواحد منهم ولده معرفة يقين { وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي وإِن جماعة منهم - وهم رؤساؤهم وأحبارهم - ليخفون الحق ولا يعلنونه ويخفون صفة النبي مع أنه منعوت لديهم بأظهر النعوت { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 157 ] فهم يكتمون أوصافه عن علم وعرفان { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي ما أوحاه الله إِليك يا محمد من أمر القبلة والدين هو الحق فلا تكوننَّ من الشاكّين ، والخطاب للرسول والمراد أمته { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ } أي لكل أمة من الأمم قبلةٌ هو مولّيها وجهه أي مائل إِليها بوجهه فبادروا وسارعوا أيها المؤمنون إِلى فعل الخيرات { أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً } أي في أي موضع تكونوا من أعماق الأرض أو قمم الجبال يجمعكم الله للحساب فيفصل بين المحق والمبطل { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإِن تفرقت أجسامكم وأبدانكم { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي من أيّ مكان خرجت إِليه للسفر فتوجه بوجهك في صلاتك جهة الكعبة { وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } تقدم تفسيره وكرّره لبيان تساوي حكم السفر والحضر { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } هذا أمر ثالث باستقبال الكعبة المشرفة ، وفائدة هذا التكرار أن القبلة كان أول ما نسخ من الأحكام الشرعية ، فدعت الحاجة إِلى التكرار لأجل التأكيد والتقرير وإِزالة الشبهة قال تعالى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } أي عرّفكم أمر القبلة لئلا يحتج عليكم اليهود فيقولوا : يجحد ديننا ويتبع قبلتنا فتكون لهم حجة عليكم أو كقول المشركين : يدعى محمد ملة إِبراهيم ويخالف قبلته { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي } أي إِلا الظلمة المعاندين الذين لا يقبلون أيّ تعليل فلا تخافوهم وخافوني { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي أتمّ فضلي عليكم بالهداية إِلى قبلة أبيكم إبراهيم والتوفيق لسعادة الدارين . البَلاَغَة : 1 - وضع اسم الموصول موضع الضمير في قوله { أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } للإِيذان بكمال سوء حالهم من العناد . 2 - { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم } هذا من باب التهييج والإِلهاب للثبات على الحق . 3 - { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } هذه الجملة أبلغ في النفي من قوله { مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } لأنها جملة اسمية أولاً ولتأكيد نفيها بالباء ثانياً ذكره صاحب الفتوحات الإِلهية . 4 - { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } فيه تشبيه " مرسل مفصل " أي يعرفون محمداً معرفةً واضحة كمعرفة أبنائهم الذين من أصلابهم . الفوَائِد : الأولى : روي أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمداً كما تعرف ولدك ؟ قال وأكثر ، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته ولست أشك فيه أنه نبيٌّ ، وأما ولدي فلا أدري ما كان من أمه فلعلها خانت ، فقبّل عمر رأسه . الثانية : توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم ، ولهذا زاد الله في ذم أهل الكتاب بقوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فإِنه ليس المرتكب ذنباً عن جهلٍ كمن يرتكبه عن علم . الثالثة : تكرر الأمر باستقبال الكعبة ثلاث مرات قال القرطبي : والحكمة في هذا التكرار أن الأول لمن هو بمكة ، والثاني لمن هو ببقية الأمصار ، والثالث لمن خرج في الأسفار .