Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 151-157)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : بدأت الآيات الكريمة بمخاطبة المؤمنين ، وتذكيرهم بنعمة الله العظمى عليهم ، ببعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ، بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن بني إِسرائيل ، وذكرت بالتفصيل نعم الله عليهم التي قابلوها بالجحود والكفران فيما يزيد على ثلث السورة الكريمة ، وقد عدّد القرآن الكريم جرائمهم ليعتبر ويتعظ بها المؤمنون ، ولما انتهى الحديث عن اليهود بعد ذلك البيان الواضح جاء دور التذكير للمؤمنين بالنعم الجليلة والتشريعات الحكيمة التي بها سعادتهم في الدارين . اللغَة : { ٱلْكِتَابَ } القرآن العظيم { ٱلْحِكْمَةَ } السنّة النبوية { فَٱذْكُرُونِيۤ } أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور ، وسُمّي الذكر باللسان ذكراً لأنه علامة على الذكر القلبي { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } أصل البلاء المحنة ، ثم قد يكون بالخير أو بالشر { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْر فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] { مُّصِيبَةٌ } المصيبة : كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو ولده { صَلَوَاتٌ } الأصل في الصلاة الدعاء وهي من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار . التفسِير : { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ } الكلام متعلق بما سبق في قوله { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي } [ البقرة : 150 ] والمعنى كما أتممت عليكم نعمتي كذلك أرسلت فيكم رسولاً منكم { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } أي يقرأ عليكم القرآن { وَيُزَكِّيكُمْ } أي يطهركم من الشرك وقبيح الفعال { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي يعلمكم أحكام الكتاب المجيد ، والسنة النبوية المطهرة { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي يعلمكم من أمور الدنيا والدين الشيء الكثير الذي لم تكونوا تعلمونه { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي اذكروني بالعبادة والطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } أي اشكروا نعمتي عليكم ولا تكفروها بالجحود والعصيان ، روي أن موسى عليه السلام قال : يا رب كيف أشكرك ؟ قال له ربه : " تذكرني ولا تنساني ، فإِذا ذكرتني فقد شكرتني ، وإِذا نسيتني فقد كفرتني " ثم نادى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بلفظ الإِيمان ليستنهض هممهم إِلى امتثال الأوامر الإِلهية ، وهو النداء الثاني الذي جاء في هذه السورة الكريمة فقال { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة ، فبالصبر تنالون كل فضيلة ، وبالصلاة تنتهون عن كل رذيلة { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } أي معهم بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } أي لا تقولوا للشهداء إنهم أموات { بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون ولكن لا تشعرون بذلك لأنهم في حياةٍ برزخية أسمى من هذه الحياة { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } أي ولنختبرنكم بشيءٍ يسير من ألوان البلاء مثل الخوف والجوع ، وذهاب بعض الأموال ، وموت بعض الأحباب ، وضياع بعض الزروع والثمار { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } أي بشر الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم ثم بيّن تعالى تعريف الصابرين بقوله { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } أي نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد لله يفعل بهم ما يشاء { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله ، وهم المهتدون إِلى طريق السعادة . البَلاَغَة : 1 - بين كلمتي { أَرْسَلْنَا } و { رَسُولاً } جناس الاشتقاق وهو من المحسنات البديعية . 2 - قوله { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } بعد قوله { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } هو من باب ذكر العام بعد الخاص لإِفادة الشمول ويسمى هذا في البلاغة بـ ( الإِطناب ) . 3 - { أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } فيه إِيجاز بالحذف أي لا تقولوا هم أموات بل هم أحياء ( وبينهما طباق ) . 4 - التنكير في قوله { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } للتقليل أي بشيء قليل . 5 - { صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } التنوين فيهما للتفخيم ، والتعرض بعنوان الربوبية مع الإِضافة إِلى ضميرهم { رَّبِّهِمْ } لإِظهار مزيد العناية بهم . 6 - { هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } صيغة قصر وهو من نوع قصر الصفة على الموصوف . الفوَائِد : الأولى : روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " ما أصابتني مصيبة إِلا وجدتُ فيها ثلاث نعم : الأولى : أنها لم تكن في ديني ، الثانية : أنها لم تكن أعظم مما كانت ، الثالثة : أن الله يجازي عليها الجزاء الكبير ثم تلا قوله تعالى : { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } " . الثانية : قال صلى الله عليه وسلم " إِذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم ، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون نعم ، فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون حَمِدك واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيتَ الحمد " .