Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-33)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لما امتنَّ تعالى على العباد بنعمة الخلق والإِيجاد وأنه سخر لهم ما في الأرض جميعاً ، وأخرجهم من العدم إِلى الوجود ، أتبع ذلك ببدء خلقهم ، وامتنَّ عليهم بتشريف أبيهم وتكريمه ، بجعله خليفة ، وإِسكانه دار الكرامة ، وإِسجاد الملائكة تعظيماً لشأنه ، ولا شك أن الإِحسان إِلى الأصل إِحسان إِلى الفرع ، والنعمة على الآباء نعمة على الأبناء ، ولهذا ناسب أن يذكّرهم بذلك ، لأنه من وجوه النعم التي أنعم بها عليهم . اللغَة : { إِذْ } ظرف زمان منصوب بفعل محذوف تقديره : اذكر حين أو اذكر وقت ، وقد يصرح بالمحذوف كقوله تعالى { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } [ الأنفال : 26 ] قال المبرد : إذا جاء " إِذْ " مع مستقبل كان معناه ماضياً نحو قوله { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ } [ الأنفال : 30 ] معناه إِذْ مكروا ، وإِذا جاء " إِذا " مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ } [ النازعات : 34 ] و { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } [ النصر : 1 ] أي يجيء . { خَلِيفَةً } الخليفة : من يخلف غيره وينوب منابه ، فعيل بمعنى فاعل والتاء للمبالغة ، سمي خليفة لأنه مستخلف عن الله عز وجل في إِجراء الأحكام وتنفيذ الأوامر الربانية قال تعالى { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ } [ ص : 26 ] الآية { يَسْفِكُ } السفك : الصب والإِراقة ولا يستعمل إِلا في الدم قال في المصباح : وسفك الدم : أراقه وبابه ضرب { نُسَبِّحُ } التسبيح : تنزيه الله وتبرئته عن السوء ، وأصله من السَّبْح وهو الجري والذهاب قال تعالى { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } [ المزمل : 7 ] فَالمسَبِّح جارٍ في تنزيه الله تعالى { وَنُقَدِّسُ } التقديس : التطهير ومنه الأرض المقدسة ، وروح القدس ، وضده التنجيس ، وتقديس الله معناه : تمجيده وتعظيمه وتطهير ذكره عما لا يليق به وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده " سبُّوحٌ قدُّوس ربُّ الملائكةِ والرُّوح " { أَنْبِئُونِي } أخبروني والنبأ : الخبر الهام ذو الفائدة العظيمة قال تعالى { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } [ ص : 67 ] و { تُبْدُونَ } تظهرون { تَكْتُمُونَ } تخفون ومنه كتم العلم أي اخفاؤه . التفسِيْر : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ } أي اذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } أي خالق في الأرض ومتخذ فيها خليفة يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم أو قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن ، وجيلاً بعد جيل { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } أي قالوا على سبيل التعجب والاستعلام : كيف تستخلف هؤلاء ، وفيهم من يفسد في الأرض بالمعاصي { وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } أي يريق الدماء بالبغي والاعتداء ! ! { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } أي ننزهك عما لا يليق بك متلبسين بحمدك { وَنُقَدِّسُ لَكَ } أي نعظّم أمرك ونطهّر ذكرك مما نسبه إِليك الملحدون { قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي أعلم من المصالح ما هو خفيٌ عليكم ، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } أي أسماء المسمّيات كلها قال ابن عباس : علّمه اسم كل شيء حتى القصعة والمغرفة { ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلاَئِكَةِ } أي عرض المسميات على الملائكة وسألهم على سبيل التبكيت { فَقَالَ أَنْبِئُونِي } أي أخبروني { بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ } أي بأسماء هذه المخلوقات التي ترونها { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي في زعمكم أنكم أحق بالخلافة ممن استخلفته ، والحاصل أن الله تعالى أظهر فضل آدم للملائكة بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة ، وخصّه بالمعرفة التامة دونهم ، من معرفة الأسماء والأشياء ، والأجناس ، واللغات ، ولهذا اعترفوا بالعجز والقصور { قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } أي ننزهك يا ألله عن النقص ونحن لا علم لنا إلا ما علمتنا إِياه { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ } أي الذي لا تخفى عليه خافية { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } أي أعلمهم بالأسماء التي عجزوا عن علمها ، واعترفوا بتقاصر هممهم عن بلوغ مرتبتها { فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } أي أخبرهم بكل الأشياء ، وسمَّى كل شيء باسمه ، وذكر حكمته التي خلق لها { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي قال تعالى للملائكة : ألم أنبئكم بأني أعلم ما غاب في السماوات والأرض عنكم { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } أي ما تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي تسرون من دعواكم أن الله لا يخلق خلقاً أفضل منكم . روي أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام رأت الملائكة فطرته العجيبة ، وقالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقاً إِلا كنا أكرم عليه منه . البَلاَغَة : 1 - التعرض بعنوان الربوبية { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } مع الإِضافة إِلى الرسول عليه السلام للتشريف والتكريم لمقامه العظيم وتقديم الجار والمجرور { لِلْمَلاَئِكَةِ } للاهتمام بما قُدّم ، والتشويق إِلى ما أُخّر . 2 - الأمر في قوله تعالى { أَنْبِئُونِي } خرج عن حقيقته إِلى التعجيز والتبكيت . 3 - { فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } فيه مجاز بالحذف والتقدير : فأنبأهم بها فلما أنبأهم حذف لفهم المعنى . 4 - { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } هو من باب التغليب لأن الميم علامة الجمع للعقلاء الذكور ، ولو لم يغلّب لقال { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أو عرضهن . 5 - إِبراز الفعل في قوله { إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } ثم قال { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } للإِهتمام بالخبر والتنبيه على إِحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء ، ويسمى هذا بالإِطناب . 6 - تضمنت آخر هذه الآية من علم البديع ما يسمى بـ " الطباق " وذلك في كلمتي { تُبْدُونَ } و { تَكْتُمُونَ } . الفوَائِد : الأولى : قال بعض العلماء : في إِخبار الله تعالى للملائكة عن خلق آدم واستخلافه في الأرض ، تعليمٌ لعباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها . الثانية : الحكمة من جعل آدم عليه السلام خليفة هي الرحمة بالعباد - لا لافتقار الله - وذلك أن العباد لا طاقة لهم على تلقي الأوامر والنواهي من الله بلا واسطة ، ولا بواسطة مَلَك ، فمن رحمته ولطفه وإِحسانه إِرسال الرسل من البشر . الثالثة : قال الحافظ ابن كثير : وقول الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } الآية ليس هذا على وجه الاعتراض على الله ، ولا على وجه الحسد لبني آدم ، وإِنما هو سؤال استعلام واستكشاف عين الحكمة في ذلك ، يقولون : ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ؟ وقال في التسهيل : وإِنما علمت الملائكة أن بني آدم يفسدون بإِعلام الله إِياهم بذلك ، وقيل : كان في الأرض جنٌ فأفسدوا ، فبعث الله إِليهم ملائكة فقتلتهم ، فقاس الملائكة بني آدم عليهم . الرابعة : سئل الشعبي : هل لإِبليس زوجة ؟ قال : ذلك عرسٌ لم أشهده ؟ قال : ثم قرأتُ قوله تعالى : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي } [ الكهف : 50 ] فعلمت أنه لا يكون له ذرية إِلا من زوجة ، فقلت : نعم .