Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 40-43)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : من بداية هذه الآية إِلى آية / 142 / ورد الكلام عن بني إِسرائيل ، وقد تحدث القرآن الكريم بالإِسهاب عنهم فيما يقرب من جزءٍ كامل ، وذلك يدل على عناية القرآن بكشف حقائق اليهود ، وإِظهار ما انطوت عليه نفوسهم الشريرة من خبثٍ وكيد وتدمير حتى يحذرهم المسلمون ، أما وجه المناسبة فإِن الله تعالى لمّا دعا البشر إِلى عبادته وتوحيده ، وأقام للناس الحجج الواضحة على وحدانيته ووجوده ، ثم ذكّرهم بما أنعم به على أبيهم آدم عليه السلام ، دعا بني إِسرائيل خصوصاً - وهم اليهود - إِلى الإِيمان بخاتم الرسل وتصديقه فيما جاء به عن الله ، لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة ، وقد تفنّن في مخاطبتهم ، فتارة دعاهم بالملاطفة ، وتارة بالتخويف ، وتارة بالتذكير بالنعم عليهم وعلى آبائهم ، وأخرى بإِقامة الحجة والتوبيخ على سوء أعمالهم وهكذا انتقل من التذكير بالنعم العامة على البشرية في تكريم أبي الإِنسانية ، إلى التذكير بالنعم الخاصة على بني إسرائيل . اللغَة : { إِسْرَائِيلَ } اسم أعجمي ومعناه : عبد الله وهو اسم { يعقوب } عليه السلام ، وقد صرَّح به في آل عمران { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [ الآية : 93 ] { أَوْفُواْ } الوفاء : الإِتيان بالشيء على التمام والكمال ، يقال أوفى ووفّى أي أداه وافياً تاماً . { تَلْبِسُواْ } اللَّبْس : الخلط تقول العرب : لبَسْتُ الشيء بالشيء خلطته ، والتبس به اختلطَ ، قال تعالى { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] وفي المصباح : لَبِسَ الثوب من باب تعب لُبْساً بضم اللام ، ولَبَسْتُ عليه الأمر لَبْساً من باب ضرب خلطته ، والتبس الأمر : أشكل . { ٱلزَّكَاةَ } مشتقة من زكا الزرع يزكو أي نما لأن إِخراجها يجلب البركة ، أو هي من الزكاة أي الطهارة لأنها تطهر المال قال تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [ التوبة : 106 ] . التفسِير : { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ } أي يا أولاد النبي الصالح يعقوب { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } اذكروا ما أنعمت به عليكم وعلى آبائكم من نعم لا تعد ولا تحصى { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } أي أدّوا ما عاهدتموني عليه من الإِيمان والطاعة { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أي اخشوني دون غيري { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ } من القرآن العظيم { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } أي من التوراة في أمور التوحيد والنبوة { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } أي أول من كفر من أهل الكتاب فحقكم أن تكونوا أول من آمن { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } أي لا تستبدلوا بآياتي البينات التي أنزلتها عليكم حطام الدنيا الفانية { وَإِيَّايَ فَٱتَّقُونِ } أي خافون دون غيري { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } أي لا تخلطوا الحق المنزل من الله بالباطل الذي تخترعونه ، ولا تحرفوا ما في التوراة بالبهتان الذي تفترونه { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } أي ولا تخفوا ما في كتابكم من أوصاف محمد عليه السلام { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه حق أو حال كونكم عالمين بضرر الكتمان { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } أي أدوا ما وجب عليكم من الصلاة والزكاة ، وصلوا مع المصلين بالجماعة ، أو مع أصحاب محمد عليه السلام . البَلاَغَة : أولاً : في إِضافة النعمة إِليه سبحانه { نِعْمَتِيَ } إِشارة إِلى عظم قدرها ، وسعة بِرّها ، وحسن موقعها لأن الإِضافة تفيد التشريف كقوله ( بيت الله ) و { نَاقَةُ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 73 ] . ثانياً : قوله { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي } الشراء هنا ليس حقيقياً بل هو على سبيل الاستعارة كما تقدم في قوله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } [ البقرة : 16 ] . ثالثاً : تكرير الحق في قوله { تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ } وقوله { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } لزيادة تقبيح المنهي عنه إِذ في التصريح ما ليس في الضمير من التأكيد ويسمى هذا الإِطناب أضعف من سواه . رابعاً : قوله { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } هو من باب تسمية الكل باسم الجزء أي صلوا مع المصلين أطلق الركوع وأراد به الصلاة ففيه مجاز مرسل . خامساً : { وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } و { إِيَّايَ فَٱتَّقُونِ } يفيد الاختصاص . فَائِدَة : قال بعض العارفين : عبيد النّعم كثيرون ، وعبيد المنعم قليلون ، فالله تعالى ذكّر بني إِسرائيل بنعمه عليهم ، حتى يعرفوا نعمة المنعم فقال { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ذكّرهم بالمنعم فقال { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ليتعرفوا من المنعم على النعمة وشتان بين الأمرين .