Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 44-48)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { بِٱلْبِرِّ } البِرُّ : سعة الخير والمعروف ومنه البرُّ والبِّرية للسعة ، وهو اسم جامع لأعمال الخير ، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما وفي الحديث " البِرُّ لا يبلى والذنب لا ينسى " { وَتَنْسَوْنَ } : تتركون والنسيان يأتي بمعنى الترك كقوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] وهو المراد هنا ويأتي بمعنى ذهاب الشيء من الذاكرة كقوله { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] { تَتْلُونَ } : تقرءون وتدرسون { ٱلْخَاشِعِينَ } الخاشع : المتواضع وأصله من الاستكانة والذل قال الزجاج : الخاشع الذي يُرى أثر الذل والخشوع عليه ، وخشعت الأصوات : سكنت { يَظُنُّونَ } الظنُّ هنا بمعنى اليقين لا الشك ، وهو من الأضداد قال أبو عبيدة : العرب تقول لليقين ظنٌّ ، وللشك ظن وقد كثر استعمال الظن بمعنى اليقين ومنه { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] { فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } [ الكهف : 53 ] ، { شَفَاعَةٌ } الشفاعة مأخوذة من الشَّفع ضد الوتر ، وهي ضم غيرك إِلى جاهك ووسيلتك ولهذا سميت شفاعة ، فهي إِذاً إِظهارٌ لمنزلة الشفيع عند المشفّع { عَدْلٌ } بفتح العين فداء وبكسرها معناه : المِثْل يقال : عِدْل وعديل للذي يماثلك . المنَاسَبَة : لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل ، وفي هذه الآيات ذمٌ وتوبيخ لهم على سوء صنيعهم ، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه ، ويدعون الناس إِلى الهدى والرشاد ولا يتبعونه . سَبَبُ النّزول : نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود ، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا : اثبتوا على دين محمد فإِنه حق ، فكانوا يأمرون الناس بالإِيمان ولا يفعلونه . التفسِير : يخاطب الله أحبار اليهود فيقول لهم على سبيل التقريع والتوبيخ { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ } أي أتدعون الناس إِلى الخير وإِلى الإِيمان بمحمد { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } أي حال كونكم تقرءون التوراة وفيها صفة ونعت محمد عليه السلام { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أفلا تفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح فترجعون عنه ؟ ! ثم بيَّن لهم تعالى طريق التغلب على الأهواء والشهوات ، والتخلص من حب الرياسة وسلطان المال فقال { وَٱسْتَعِينُواْ } أي اطلبوا المعونة على أموركم كلها { بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أي بتحمل ما يشق على النفس من تكاليف شرعية ، وبالصلاة التي هي عماد الدين { وَإِنَّهَا } أي الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي شاقة وثقيلة { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } أي المتواضعين المستكينين الذين صفت نفوسهم لله { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي يعتقدون اعتقاداً جازماً لا يخالجه شك { أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } أي سيلقون ربهم يوم البعث فيحاسبهم على أعمالهم { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي معادهم إِليه يوم الدين . ثم ذكّرهم تعالى بنعمه وآلائه العديدة مرة أخرى فقال { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } بالشكر عليها بطاعتي { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ } أي فضلت آباءكم { عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } أي عالمي زمانهم بإِرسال الرسل ، وإِنزال الكتب ، وجعلهم سادة وملوكاً ، وتفضيل الآباء شرفٌ للأبناء { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أي خافوا ذلك اليوم الرهيب الذي لا تقضي فيه نفسٌ عن أخرى شيئاً من الحقوق { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } أي لا تقبل شفاعة في نفس كافرة بالله أبداً { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي لا يقبل منها فداء { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } أي ليس لهم من يمنعهم وينجيهم من عذاب الله . البَلاَغَة : أولاً : { أَتَأْمُرُونَ } الاستفهام خرج عن حقيقته إِلى معنى التوبيخ والتقريع . ثانياً : أتى بالمضارع { أَتَأْمُرُونَ } وإِن كان قد وقع ذلك منهم لأن صيغة المضارع تفيد التجدد والحدوث ، وعبّر عن ترك فعلهم بالنسيان { وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } مبالغة في الترك فكأنه لا يجري لهم على بال ، وعلقه بالأنفس توكيداً للمبالغة في الغفلة المفرطة ، ولا يخفى ما في الجملة الحالية { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } من التبكيت والتقريع والتوبيخ . ثالثاً : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } هو من باب عطف الخاص على العام لبيان الكمال ، لأن النعمة اندرج تحتها التفضيل المذكور ، فلما قال { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } [ البقرة : 40 ] عمَّ جميع النعم فلما عطف { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ } كان من باب عطف الخاص على العام . رابعاً : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } التنكير للتهويل أي يوماً شديد الهول ، وتنكير النفس { نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ } ليفيد العموم والاقناط الكلي . الفوَائِدَ : الفائدة الأولى : قال القرطبي : إِنما خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويهاً بذكرها وقد كان عليه السلام إِذ حزبه ( أغمّه ) أمرٌ فَزَع إلى الصلاة ، وكان يقول : " أرحنا بها يا بلال " الثانية : قال علي كرم الله وجهه : " قصم ظهري رجلان : عالم متهتك ، وجاهل متنسك " ومن دعا غيره إِلى الهدى ولم يعمل به كان كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه قال الشاعر : @ ابدأْ بنفسك فانهها عن غيّها فإِذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل إِن وعظتَ ويقتدى بالرأي منك وينفع التعليم @@ وقال أبو العتاهية : @ وصفتَ التُّقَى حتَّى كأَنَّك ذو تُقَى وريحُ الخطايا من ثيابك تَسْطَع @@ وقال آخر :