Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-54)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لما قدّم تعالى ذكر نعمه على بني إِسرائيل إِجمالاً ، بيَّن بعد ذلك أقسام تلك النعم على سبيل التفصيل ، ليكون أبلغ في التذكير وأدعى إِلى الشكر ، فكأنه قال : اذكروا نعمتي ، واذكروا إِذ نجيناكم من آل فرعون ، واذكروا إِذ فرقنا بكم البحر … إِلى آخره وكل هذه النعم تستدعي شكر المنعم جل وعلا لا كفرانه وعصيانه . اللغَة : { آلِ فِرْعَوْنَ } أصل " آل " أهل ولذلك يصغّر بأهيل فأبدلت هاؤه ألفاً ، وخُصَّ استعماله بأولي الخطر والشأن كالملوك وأشباههم ، فلا يقال آل الإِسكاف والحجام ، و { فِرْعَوْنَ } علمٌ لمن ملك العمالقة كقيصر لملك الروم وكسرى لملك الفرس ، ولعتو الفراعنة اشتقوا تفرعن إِذا عتا وتجبر { يَسُومُونَكُمْ } يذيقونكم من سامه إِذا أذاقه وأولاه قال الطبري : يوردونكم ويذيقونكم . { يَسْتَحْيُونَ } يستبقون الإِناث على قيد الحياة { بَلاۤءٌ } اختبار ومحنة ، ويستعمل في الخير والشر كما قال تعالى { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] { فَرَقْنَا } الفرق : الفصل والتمييز ومنه { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } [ الإسراء : 106 ] أي فصلناه وميزناه بالبيان { بَارِئِكُمْ } الباري هو الخالق للشيء على غير مثال سابق ، والبرية : الخلق . التفسِير : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم } أي اذكروا يا بني اسرائيل نعمتي عليكم حين نجيت آباءكم { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } أي من بطش فرعون وأشياعه العتاة ، والخطاب للأبناء المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم إِلا أن النعمة على الآباء نعمة على الأبناء { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي يولونكم ويذيقونكم أشد العذاب وأفظعه { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } أي يذبحون الذكور من الأولاد { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } أي يستبقون الإِناث على قيد الحياة للخدمة { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } أي فيما ذكر من العذاب المهين من الذبح والاستحياء ، محنة واختبارٌ عظيم لكم من جهته تعالى بتسليطهم عليكم ليتميز البرُّ من الفاجر { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } أي اذكروا أيضاً إِذ فلقنا لكم البحر حتى ظهرت لكم الأرض اليابسة فمشيتم عليها { فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } أي نجيناكم من الغرق وأغرقنا فرعون وقومه { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } أي وأنتم تشاهدون ذلك فقد كان آية باهرة من آيات الله في إِنجاء أوليائه وإِهلاك أعدائه { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } أي وعدنا موسى أن نعطيه التوراة بعد أربعين ليلة وكان ذلك بعد نجاتكم وإِهلاك فرعون { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } أي عبدتم العجل { مِن بَعْدِهِ } أي بعد غيبته عنكم حين ذهب لميقات ربه { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } أي معتدون في تلك العبادة ظالمون لأنفسكم { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم } أي تجاوزنا عن تلك الجريمة الشنيعة { مِّن بَعْدِ ذَلِكَ } أي من بعد ذلك الاتخاذ المتناهي في القبح { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي لكي تشكروا نعمة الله عليكم وتستمروا بعد ذلك على الطاعة { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ } أي واذكروا نعمتي أيضاً حين أعطيت موسى التوراة الفارقة بين الحق والباطل وأيدته بالمعجزات { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها والعمل بما فيها من أحكام . ثم بَيَّنَ تعالى كيفية وقوع العفو المذكور بقوله { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } أي واذكروا حين قال موسى لقومه بعدما رجع من الموعد الذي وعده ربه فرآهم قد عبدوا العجل يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم { بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ } أي بعبادتكم للعجل { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } أي توبوا إِلى من خلقكم بريئاً من العيب والنقصان { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي ليقتل البريء منكم المجرم { ذَٰلِكُمْ } أي القتل { خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ } أي رضاكم بحكم الله ونزولكم عند أمره خير لكم عند الخالق العظيم { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي قبل توبتكم { إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } أي عظيم المغفرة واسع التوبة . البَلاَغَة : قال ابن جزي : { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي يلزمونهم به وهو استعارة من السَّوْم في البيع وفسَّرَ سوء العذاب بقوله { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } ولذلك لم يعطفه هنا . ثانياً : التنكير في كل من { بَلاۤءٌ } و { عَظِيمٌ } للتفخيم والتهويل . ثالثاً : صيغة المفاعلة في قوله { وَإِذْ وَاعَدْنَا } ليست على بابها لأنها لا تفيد المشاركة من الطرفين ، وإِنما هي بمعنى الثلاثي { وَإِذْ وَاعَدْنَا } . رابعاً : قال أبو السعود : { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } التعرض بذكر البارئ للإِشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها ومن الغواية منتهاها ، حيث تركوا عبادة العليم الحكيم ، الذي خلقهم بلطيف حكمته ، إِلى عبادة البقر الذي هو مثلٌ في الغباوة . الفوَائِد : الأولى : العطف في قوله { ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ } هو من باب عطف الصفات بعضها على بعض ، لأن الكتاب هو التوراة والفرقان هو التوراة أيضاً وحسن العطف لكون معناه أنه آتاه جامعاً بين كونه كتاباً منزلاً وفرقاناً يفرق بين الحق والباطل . الثانية : سبب تقتيل الذكور من بني إِسرائيل ما رواه المفسرون أن فرعون رأى في منامه كأنَّ ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر ، وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إِسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه فقالوا : يولد في بني إِسرائيل غلام يكون هلاكك وزوال ملكك على يده ، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إِسرائيل . الثالثة : قال القشيري : من صبر في الله على قضاء الله ، عوّضه الله صحبة أوليائه ، هؤلاء بنو إِسرائيل ، صبروا على مقاساة الضر من فرعون وقومه ، فجعل منهم أنبياء ، وجعل منهم ملوكاً ، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين .