Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-86)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لا تزال الآيات الكريمة تعدّد جرائم اليهود ، وفي هذه الآيات أمثلة صارخة على عدوانهم وطغيانهم وإِفسادهم في الأرض ، فقد نقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة ، وقتلوا النفس التي حرّم الله ، واستباحوا أكل أموال الناس بالباطل ، واعتدوا على إِخوانهم في الدين فأخرجوهم من الديار ، فاستحقوا اللعنة والخزي والدمار . اللغَة : { مِيثَاقَ } الميثاق : العهد المؤكد باليمين غاية التأكيد ، فإِن لم يكن مؤكداً سمي عهداً { حُسْناً } الحُسْنُ : اسم عام جامعٌ لمعاني الخير ، ومنه لين القول ، والأدب الجميل ، والخلق الكريم ، وضده القُبْح والمعنى : قولوا قولاً حُسْناً فهو صفة لمصدر محذوف { تَوَلَّيْتُمْ } التولّي عن الشيء : الإِعراضُ عنه ورفضُه وعدم قبوله كقوله { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } [ النجم : 29 ] وفرّق بعضهم بين التولي والإِعراض فقال : التولي بالجسم ، والإِعراضُ بالقلب { تَظَاهَرُونَ } تتعاونون وهو مضارع حذف منه أحد التاءين ، كأن المتظاهرين يسند كل واحد منهما ظهره إِلى الآخر ، والظهير : المعين { ٱلإِثْمِ } الذنب الذي يستحق صاحبه الملامة وجمعه آثام { الْعُدْوَانِ } تجاوز الحد في الظلم { خِزْيٌ } الخزي : الهوان والمقت والعقوبة . التفسِيْر : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي اذكروا حين أخذنا على أسلافكم يا معشر اليهود العهد المؤكد غاية التأكيد { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } بأن لا تعبدوا غير الله { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي وأمرناهم بأن يحسنوا إِلى الوالدين إِحساناً { وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } أي وأن يحسنوا أيضاً إِلى الأقرباء ، واليتامى الذين مات آباؤهم وهم صغار ، والمساكين الذين عجزوا عن الكسب { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } أي قولاً حسناً بخفض الجناح ، ولين الجانب ، مع الكلام الطيّب { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } أي صلوا وزكّوا كما فرض الله عليكم من أداء الركنين العظيمين " الصلاة ، والزكاة " لأنهما أعظم العبادات البدنية والمالية { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } أي ثم رفضتم وأسلافكم الميثاق رفضاً باتاً ، وأعرضتم عن العمل بموجبه إِلاّ قليلاً منكم ثبتوا عليه { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ } أي واذكروا أيضاً يا بني إِسرائيل حين أخذنا عليكم العهد المؤكد بأن لا يقتل بعضكم بعضاً { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } ولا يعتدي بعضكم على بعض بالإِخراج من الديار ، والإِجلاء عن الأوطان { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أي ثمّ اعترفتم بالميثاق وبوجوب المحافظة عليه ، وأنتم تشهدون بلزومه { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } أي ثم نقضتم أيضاً الميثاق يا معشر اليهود بعد إِقراركم به ، فقتلتم إِخوانكم في الدين ، وارتكبتم ما نهيتم عنه من القتل { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ } أي كما طردتموهم من ديارهم من غير التفاتٍ إِلى العهد الوثيق { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أي تتعاونون عليهم بالمعصية والظلم { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ } أي إِذا وقعوا في الأسر فاديتموهم ، ودفعتم المال لتخليصهم من الأسر { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } أي فكيف تستبيحون القتل والإِخراج من الديار ، ولا تستبيحون ترك الأسرى في أيدي عدوهم ؟ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ؟ أي أفتؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعض ؟ والغرض التوبيخ لأنهم جمعوا بين الكفر والإِيمان ، والكفر ببعض آيات الله كفرٌ بالكتاب كله ولهذا عقّب تعالى ذلك بقوله { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي ما عقوبة من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض إِلا ذلٌ وهوان ، ومقتٌ وغضب في الدنيا { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ } أي وهم صائرون في الآخرة إِلى عذاب أشدّ منه ، لأنه عذاب خالد لا ينقضي ولا ينتهي { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } وفيه وعيد شديد لمن عصى أوامر الله ، ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك العصيان والعدوان فقال { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة هم الذين استبدلوا الحياة الدنيا بالآخرة بمعنى اختاروها وآثروها على الآخرة { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي لا يُفتَّر عنهم العذاب ساعة واحدة { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } أي وليس لهم ناصر ينصرهم ، ولا مجير ينقذهم من عذاب الله الأليم . تنبيه : كانت ( بنو قريظة ) و ( بنو النضير ) من اليهود ، فحالفت بنو قريظة الأوس ، وبنو النضير الخزرج ، فكانت الحرب إِذا نشبت بينهم قاتل كل فريق من اليهود مع حلفائه ، فيقتل اليهودي أخاه اليهودي من الفريق الآخر ، ويخرجونهم من بيوتهم ، وينهبون ما فيها من الأثاث والمتاع والمال ، وذلك حرام عليهم في دينهم وفي نص التوراة ، ثم إِذا وضعت الحرب أوزارها افْتكُوا الأسارى من الفريق المغلوب عملاً بحكم التوراة ولهذا قال تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } . البَلاَغَة : 1 - { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } خبرٌ في معنى النهي ، وهو أبلغ من صريح النهي كما قال أبو السعود لما فيه من إِيهام أن المنهيَّ حقه أن يسارع إِلى الانتهاء فكأنه انتهى عنه ، فجاء بصيغة الخبر وأراد به النهي . 2 - { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } وقع المصدر موقع الصفة أي قولاً حسناً أو ذا حسنٍ للمبالغة فإِن العرب تضع المصدر مكان اسم الفاعل أو الصفة بقصد المبالغة فيقولون : هو عدل . 3 - التنكير في قوله { خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } للتفخيم والتهويل . 4 - { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } عبّر عن قتل الغير بقتل النفس لأن من أراق دم غيره فكأنما أراق دم نفسه فهو من باب المجاز لأدنى ملابسة . 5 - { أَفَتُؤْمِنُونَ } الهمزة للإِنكار التوبيخي . الفَوائِد : الفائدة الأولى : جاء الترتيب في الآية بتقديم الأهم فالأهم ، فقدّم حق الله تعالى لأنه المنعم في الحقيقة على العباد ، ثم قدم ذكر الوالدين لحقهما الأعظم في تربية الولد ، ثم القرابة لأن فيهم صلة الرحم وأجر الإِحسان ، ثم اليتامى لقلة حيلتهم ، ثمّ المساكين لضعفهم ومسكنتهم . الثانية : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } ولم يقل : وقولوا لإِخوانكم أو قولوا للمؤمنين حسناً ليدل على أنّ الأمر بالإِحسان عامٌ لجميع الناس ، المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، وفي هذا حضٌ على مكارم الأخلاق ، بلين الكلام ، وبسط الوجه ، والأدب الجميل ، والخلق الكريم قال أحد الأدباء :