Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 87-92)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { ٱلْكِتَابَ } التوراة { وَقَفَّيْنَا } أردفنا وأتبعنا وأصله من القفا يقال : قَفَاه إذا أتبعه ، وقفَّاه بكذا إِذا أتبعه إِياه { ٱلْبَيِّنَاتِ } المعجزات الباهرات كإِبراء الأكمه والأبرص ، وإِحياء الموتى { أَيَّدْنَاهُ } قويناه مأخوذ من الأيْد وهو القوة { رُوحِ ٱلْقُدُسِ } جبريل عليه السلام ، والقدسُ : الطهر والبركة { تَهْوَىٰ } تحب من هَوي إِذا أحب ومصدره الهوى { غُلْفٌ } جمع أغلف ، والغلاف : الغطاء ، يقال سيف أغلف إِذا كان في غلافه ، وقلب أغلف أي مستور عن الفهم والتمييز ، مستعار من الأغلف الذي لم يختن { لَّعَنَهُمُ } أصل اللعن في كلام العرب : الطردُ والإِبعاد يقال : ذئب لعين أي مطرود مبعد والمراد : أقصاهم وأبعدهم عن رحمته { يَسْتَفْتِحُونَ } يستنصرون من الاستفتاح وهو طلب الفتح أي النصرة { بِئْسَمَا } أصلها بئس ما أي بئس الذي ، وبئس فعل للذم ، كما أنّ " نِعْم " للمدح { بَغْياً } البغي : الحسد والظلم ، وأصله الفساد من بغى الجرح إِذا فسد قاله الأصمعي { بَآءُو } رجعوا وأكثر ما يستعمل في الشر { مُّهِينٌ } مخزٍ مذل مأخوذ من الهوان بمعنى الذل . المنَاسَبَة : لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل ، وفي هذه الآيات الكريمة تذكير لهم بضربٍ من النعم التي أمدّهم الله بها ثم قابلوها بالكفر والإِجرام ، كعادتهم في مقابلة الإِحسان بالإِساءة ، والنعمة بالكفران والجحود . التفسِير : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } أي أعطينا موسى التوراة { وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } أي أتبعنا وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } أي أعطينا عيسى الآيات البينات والمعجزات الواضحات الدالة على نبوته { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } أي قويناه وشددنا أزره بجبريل عليه السلام { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ } أي أفكلما جاءكم يا بني إِسرائيل رسول بما لا يوافق هواكم { ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } أي تكبرتم عن اتباعه فطائفة منهم كذبتموهم ، وطائفة قتلتموهم … ثم أخبر تعالى عن اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وبيّن ضَلالهم في اقتدائهم بالأسلاف فقال حكاية عنهم { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي في أكنة لا تفقه ولا تعي ما تقوله يا محمد ، والغرض إِقناطه عليه السلام من إِيمانهم ، قال تعالى رداً عليهم { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } أي طردهم وأبعدهم من رحمته بسبب كفرهم وضلالهم { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } أي فقليلٌ من يؤمن منهم ، أو يؤمنون إِيماناً قليلاً وهو إِيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم بالبعض الآخر { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } وهو القرآن العظيم الذي أنزل على خاتم المرسلين ، مصدقاً لما في التوراة { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقد كانوا قبل مجيئه يستنصرون به على أعدائهم ويقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } أي فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرفوه حق المعرفة كفروا برسالته { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِين } أي لعنة الله على اليهود الذين كفروا بخاتم المرسلين { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ } أي بئس الشيء التافه الذي باع به هؤلاء اليهود أنفسهم { أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ } أي كفرهم بالقرآن الذي أنزله الله { بَغْياً } أي حسداً وطلباً لما ليس لهم { أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي حسداً منهم لأجل أن ينزّل الله وحياً من فضله على من يشاء ويصطفيه من خلقه { فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } أي رجعوا بغضب من الله زيادة على سابق غضبه عليهم { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي ولهم عذاب شديد مع الإِهانة والإِذلال لأن كفرهم سببه التكبر والحسد فقوبلوا بالإِهانة والصغار { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } أي آمنوا بما أنزل الله من القرآن وصدّقوه واتبعوه { قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا } أي يكفينا الإِيمان بما أنزل علينا من التوراة { وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } أي يكفرون بالقرآن مع أنه هو الحق موافقاً لما معهم من كلام الله { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي قل لهم يا محمد إِذا كان إيمانكم بما في التوراة صحيحاً فلم كنتم تقتلون أنبياء الله من قبل إِذا كنتم فعلاً مؤمنين ؟ { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي بالحجج الباهرات { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } أي عبدتم العجل من بعد ذهابه إِلى الطور ، وأنتم ظالمون في هذا الصنيع . البَلاَغَة : 1 - تقديم المفعول في الموضعين { فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ } و { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } للإِهتمام وتشويق السامع إِلى ما يلقى إِليه . 2 - التعبير بالمضارع { وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } ولم يقل قتلتم كما قال كذبتم ، لأن الفعل المضارع - كما هو المألوف في أساليب البلاغة - يستعمل في الأفعال الماضية التي بلغت من الفظاعة مبلغاً عظيماً ، فكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السامع ، وجعله ينظر إِليها بعينه ، فيكون إِنكاره لها أبلغ ، واستفظاعه لها أعظم . 3 - وضع الظاهر مكان الضمير { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } ولم يقل " عليهم " ليشعر بأن سبب حلول اللعنة هو كفرهم . 4 - الخبر في قوله { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } يراد به التبكيت والتوبيخ على عدم اتباع الرسول . 5 - أسندت الإِهانة إِلى العذاب فقال { عَذَابٌ مُّهِينٌ } لأن الإِهانة تحصل بعذابهم ، ومن أساليب البيان إِسناد الأفعال إِلى أسبابها . فَائِدَة : قال الحسن البصري : إِنما سمي جبريل " روح القدس " لأن القدس هو الله ، وروحه جبريل ، فالإِضافة للتشريف ، قال الرازي : ومما يدل على أن روح القدس جبريل قوله تعالى في سورة النحل { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [ الآية : 102 ] .