Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 93-98)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : هذه طائفة أخرى من جرائم اليهود ، فقد نقضوا الميثاق حتى رفع جبلُ الطور عليهم وأمروا أن يأخذوا بما في التوراة ، فأظهروا القبول والطاعة ثم عادوا إِلى الكفر والعصيان ، فعبدوا العجل من دون الله ، وزعموا أنهم أحباب الله ، وأن الجنة خالصة لهم من دون الناس لا يدخلها أحد سواهم ، وعادَوا الملائكة الأطهار وعلى رأسهم جبريل عليه السلام ، وكفروا بالأنبياء والرسل ، وهكذا شأنهم في سائر العصور والدهور . اللغَة : { مِيثَاقَكُمْ } الميثاق : العهد المؤكد بيمين { ٱلطُّورَ } هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام { بِقُوَّةٍ } بعزمٍ وجدّ { أُشْرِبُواْ } أُشرب : سُقي أي جعلت قلوبهم تُشربه ، يقال : أُشرب قلبُه حبَّ كذا قال زهير : @ فصحوتُ عنْها بعد حبٍّ داخلٍ والحب تُشربُه فؤادَك داءُ @@ { خَالِصَةً } مصدر كالعافية والعاقبة بمعنى الخلوص أي خاصة بكم لا يشارككم فيها أحد { أَحْرَصَ } الحرص : شدة الرغبة في الشيء وفي الحديث " إحرص على ما ينفعك " { بِمُزَحْزِحِهِ } الزحزحة : الإبعادُ والتنحية قال تعالى { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 185 ] أي أُبعد وقال الشاعر : @ خليليَّ ما بال الدُّجَى لا يُزَحْزحُ وما بالُ ضوء الصبح لا يتوضّح @@ التفسِير : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين أَخذنا عليكم العهد المؤكد على العمل بما في التوراة ، ورفعنا فوقكم جبل الطور قائلين { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } أي بعزمٍ وحزم وإلاّ طرحنا الجبل فوقكم { وَٱسْمَعُواْ } أي سماع طاعة وقبول { قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي سمعنا قولك ، وعصينا أمرك { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } أي خالط حبُّه قلوبهم ، وتغلغل في سويدائها والمراد أن حب عبادة العجل امتزج بدمائهم ودخل في قلوبهم ، كما يدخل الصبغُ في الثوب ، والماء في البدن { بِكُفْرِهِمْ } أي بسبب كفرهم { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ } أي قل لهم على سبيل التهكم بهم بئس هذا الإِيمان الذي يأمركم بعبادة العجل { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي إِن كنتم تزعمون الإِيمان فبئس هذا العمل والصنيع والمعنى : لستم بمؤمنين لأن الإِيمان لا يأمر بعبادة العجل { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ } أي قل لهم يا محمد إِن كانت الجنة لكم خاصة لا يشارككم في نعيمها أحد كما زعمتم { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي اشتاقوا الموت الذي يوصلكم إِلى الجنة ، لأن نعيم هذه الحياة لا يساوي شيئاً إِذا قيس بنعيم الآخرة . ومن أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إِليها قال تعالى رادّاً عليهم تلك الدعوى الكاذبة { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي لن يتمنوا الموت ما عاشوا بسبب ما اجترحوه من الذنوب والآثام { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } أي عالم بظلمهم وإِجرامهم وسيجازيهم على ذلك { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } أي ولتجدنَّ اليهود أشدّ الناس حرصاً على الحياة ، وأحرص من المشركين أنفسهم ، وذلك لعلمهم بأنهم صائرون إِلى النار لإِجرامهم { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } أي يتمنى الواحد منهم أن يعيش ألف سنة { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } أي وما طول العمر - مهما عمّر - بمبعده ومنجيه من عذاب الله { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي مطّلع على أعمالهم فيجازيهم عليها { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } أي قل لهم يا محمد من كان عدواً لجبريل فإِنه عدو لله ، لأن الله جعله واسطة بينه وبين رسله فمن عاداه فقد عادى الله { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي فإِن جبريل الأمين نزّل هذا القرآن على قلبك يا محمد بأمر الله تعالى { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي وفيه الهداية الكاملة ، والبشارة السارة للمؤمنين بجنات النعيم { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } أي من عادى الله وملائكته ورسله ، وعادى على الوجه الأخص " جبريل وميكائيل " فهو كافر عدو لله { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } لأن الله يبغض من عادى أحداً من أوليائه ، ومن عاداهم عاداه الله ، ففيه الوعيد والتهديد الشديد . سَبَبُ النّزول : روي " أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إِنه ليس نبيٌّ من الأنبياء إِلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي ، فمن صاحبُك حتى نتابعك ؟ قال : جبريل قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ذاك عدونا ! لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك فأنزل الله { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ … } " الآية . البَلاَغَة : 1 - { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } فيه استعارة مكنية ، شبّه حبَّ عبادة العجل بمشروب لذيذ سائغ الشراب ، وطوى ذكر المشبه به ورمز بشيء من لوازمه وهو الإِشراب على طريق الاستعارة المكنية . قال في تلخيص البيان : " وهذه استعارة والمراد وصف قلوبهم بالمبالغة في حب العجل فكأنها تشربت حبه فمازجها ممازجة المشروب ، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ " . 2 - { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ } إِسناد الأمر إِلى الإِيمان تهكمٌ بهم كقوله { أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ } [ هود : 87 ] وكذلك إِضافة الإِيمان إِليهم ، أفاده الزمخشري . 3 - التنكير في قوله { عَلَىٰ حَيَاةٍ } للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة ، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين . 4 - { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } الجملة واقعة في جواب الشرط وجيء بها إسمية لزيادة التقبيح لأنها تفيد الثبات ، ووضع الظاهر موضع الضمير فقال { عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } بدل عدوٌ لهم لتسجيل صفة الكفر عليهم ، وأنهم بسبب عداوتهم للملائكة أصبحوا من الكافرين . 5 - { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } جاء بعد ذكر الملائكة فهو من باب ذكر الخاص بعد العام للتشريف والتعظيم . الفوَائِد : الأولى : ليس معنى السمع في قوله { وَٱسْمَعُواْ } إِدراك القول فقط ، بل المراد سماع ما أمروا به في النوراة سماع تدبرٍ وطاعةٍ والتزام فهو مؤكد ومقرر لقوله { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } . الثانية : خصّ القلب بالذكر { نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف كما قال تعالى { لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } [ الحج : 46 ] . الثالثة : الحكمة في الإِتيان هنا بـ " لن " { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } وفي الجمعة بـ " لا " { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً } [ الآية : 7 ] أن ادعاءهم هنا أعظم من ادعائهم هناك ، فإِنهم ادعوا هنا اختصاصهم بالجنة ، وهناك كونهم أولياء لله من دون الناس ، فناسب هنا التوكيد بلن المفيدة للنفي في الحاضر والمستقبل ، وأما هناك فاكتفى بالنفي . الرابعة : الآية الكريمة من المعجزات لأنها إِخبار بالغيب وكان الأمر كما أخبر ، ويكفي في تحقق هذه المعجزة أن لا يقع تمني الموت من اليهود الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم وفي الحديث الشريف " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار " .