Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-40)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { بِقَبَسٍ } القَبسُ : شعلةٌ من نار { ٱلْمُقَدَّسِ } المطهَّر والمبارك { طُوًى } اسم للوادي { فَتَرْدَىٰ } تهلك والردى : الهلاك { أَهُشُّ } أخبط بها الشجر ليسقط الورق { مَآرِبُ } جمع مأْربه وهي الحاجة { جَنَاحِكَ } الجناح : الجَنب وجناحا الإِنسان جنباه لأن يدي الإِنسان يشبهان جناحي الطائر { أَزْرِي } الأزر : القوة يقال : آزره أي قوّاه ومنه { فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ } [ الفتح : 29 ] قال الشاعر : @ أليس أبونا هاشمٌ شدَّ أَزْره وأوصى بَنيه بالطِّعان وبالضرب @@ { ٱلْيَمِّ } البحر { تَقَرَّ عَيْنُها } تُسرَّ بلقائك . التفسِير : { طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } الحروف المقطعة للتنبيه إِلى إِعجاز القرآن وقال ابن عباس : معناها يا رجل ، ومعنى الآية : ما أنزلنا عليك يا محمد القرآن لتشقى به إِنما أنزلناه رحمة وسعادة ، رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن صلّى هو وأصحابه فأطال القيام فقالت قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إِلا ليشقى فنزلت هذه الآية { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } أي ما أنزلناه إِلا عظة وتذكيراً لمن يخشى الله ويخاف عقابه ، وهو المؤمنُ المستنير بنور القرآن { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } أي أنزله خالقُ الأرض ، ومبدعُ الكون ، ورافع السماوات الواسعة العالية ، والآية إِخبارٌ عن عظمته وجبروته وجلاله قال في البحر : ووصفُ السماوات بالعُلى دليلٌ على عظمة قدرة من اخترعها إِذ لا يمكن وجود مثلها في علُوِّها من غيره تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } أي ذلك الربُّ الموصوف بصفات الكمال والجمال هو الرحمن الذي استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله من غير تجسيمٍ ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل كما هو مذهب السلف { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } أي له سبحانه ما في الوجود كلِّه : السماواتُ السبعُ ، والأرضون وما بينهما من المخلوقات وما تحت التراب من معادن ومكنونات ، الكلُّ ملكُه وتحت تصرفه وقهره وسلطانه أي وإِن تجهرْ يا محمد بالقول أو { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } تخفه في نفسك فسواءٌ عند ربك ، فإِنه يعلم السرَّ وما هو أخفى منه كالوسوسه والهاجس والخاطر … والغرضُ من الآية طمأنينه قلبه عليه السلام بأن ربه معه يسمعه ، ولن يتركه وحيداً يواجه الكافرين بلا سند فإِذا كان يدعوه جهراً فإِنه يعلم السرَّ وما هو أخفى ، والقلب حين يستشعر قرب الله منه ، وعلمه بسرِّه ونجواه يطمئن ويرضى ويأنس بهذا القرب الكريم { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي ربكم هو الله المتفرد بالوحدانية ، لا معبود بحق سواه ، ذو الأسماء الحسنة التي هي في غاية الحُسن وفي الحديث " إن للّهِ تسعةٌ وتسعين اسماً ، من أحصاها دخل الجنة " { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } الاستفهام للتقرير وغرضه التشويق لما يُلقى إِليه أي هل بلغك يا محمد خبر موسى وقصته العجيبة الغريبة ؟ { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } أي حين رأى ناراً فقال لامرأته أقيمي مكانك فإِني أبصرتُ ناراً قال ابن عباس : هذا حين قضى الأجل وسار بأهله من مدين يريد مصر ، وكان قد أخطأ الطريق وكانت ليلة مظلمة شاتية فجعل يقدح بالزناد فلا يخرج منها شَررٌ فبينما هو كذلك إِذْ بصر بنارٍ من بعيد على يسار الطريق ، فلما رآها ظنها ناراً وكانت من نور الله { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ } أي لعلي آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } أي أجد هادياً يدلني على الطريق { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ * إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ } أي فلما أتى النار وجدها ناراً بيضاء تتّقد في شجرة خضراء وناداه ربُّه يا موسى : إِني أنا ربُّك الذي أكلمك فاخلع النعلين من قدميك رعايةً للأدب وأَقْبل { إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } أي فإِنك بالوادي المطهَّر المبارك المسمّى طوى { وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } أي اصطفيتك للنبوة فاستمع لما أُوحيه إِليك قال الرازي : فيه نهايةُ الهيبة والجلالة فكأنه قال : لقد جاءك أمر عظيم هائل فتأهبْ له واجعل كل عقلك وخاطرك مصروفاً إِليه { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } أي أنا الله المستحق للعبادة لا إِله غيري فأفردني بالعبادة والتوحيد { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ } أي أقم الصلاة لتذكرني فيها قال مجاهد : إِذا صلّى ذكر ربه لاشتمالها على الأذكار وقال الصاوي : خصَّ الصلاة بالذكر وإِن كانت داخلةً في جملة العبادات لعظم شأنها ، واحتوائها على الذكر ، وشغل القلب واللسان والجوارح ، فهي أفضل أركان الدين بعد التوحيد { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } أي إِن الساعة قادمة وحاصلةٌ لا محالة أكاد أخفيها عن نفسي فكيف أطلعكم عليها ؟ قال المبرِّد : وهذا على عادة العرب فإِنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمته حتى من نفسي أي لم أطلع عليه أحداً { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } أي لتنال كلُّ نفسٍ جزاء ما عملت من خير أو شر قال المفسرون : والحكمة من إِخفائها وإِخفاء وقت الموت أن الله تعالى حكم بعدم قبول التوبة عند قيام الساعة وعند الاحتضار ، فلو عرف الناس وقت الساعة أو وقت الموت ، لاشتغلوا بالمعاصي ثم تابوا قبل ذلك ، فيتخلصون من العقاب ، ولكنَّ الله عمَّى الأمر ، ليظلَّ الناس على حذر دائم ، وعلى استعداد دائم ، من أن تبغتهم الساعة أو يفاجئهم الموت { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } أي لا يصرفنَّك يا موسى عن التأهب للساعة والتصديق بها من لا يوقن بها { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } أي مالَ مع الهوى وأقبل على اللذائذ والشهوات ولم يحسب حساباً لآخرته { فَتَرْدَىٰ } أي فتهلك فإِن الغفلة عن الآخرة مستلزمة للهلاك { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } أي وما هذه التي بيمينك يا موسى ؟ أليست عصا ؟ والغرضُ من الاستفهام التقريرُ والإِيقاظُ والتنبيهُ إِلى ما سيبدو من عجائب صنع الله في الخشبة اليابسة بانقلابها إِلى حية ، لتظهر لموسى القدرة الباهرة ، والمعجزة القاهرة قال ابن كثير : إِنما قال له ذلك على وجه التقرير ، أي أمَا هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها ؟ فسترى ما نصنع بها الآن ؟ { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } أي أعتمد عليها في حال المشي { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } أي أهزُّ بها الشجرة وأضرب بها على الأغصان ليتساقط ورقها فترعاه غنمي { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } أي ولي فيها مصالح ومنافع وحاجات أُخَر غير ذلك قال المفسرون : كان يكفي أن يقول هي عصاي ولكنه زاد في الجواب لأن المقام مقام مباسطة وقد كان ربه يكلمه بلا واسطة ، فأراد أن يزيد في الجواب ليزداد تلذذاً بالخطاب ، وكلام الحبيب مريحٌ للنفس ومُذْهبٌ للعَناء { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } أي اطرح هذه العصا التي بيدك يا موسى لترى من شأنها ما ترى ! { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } أي فلما ألقاها صارت في الحال حية عظيمة تنتقل وتتحرك في غاية السرعة قال ابن عباس : انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلع الصخر والشجر ، فلما رآه يبتلع كل شيءٍ خافه ونفر منه وولّى هارباً قال المفسرون : لما رأى هذا الأمر العجيب الهائل ، لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف ، لا سيما هذا الأمر الذي يذهب بالعقول ، وإِنما أظهر له هذه الآية وقت المناجاة تأنيساً له بهذه المعجزة الهائلة حتى لا يفزع إِذا ألقاها عند فرعون لأنه يكون قد تدرَّب وتعوَّد { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } أي قال له ربه : خذْها يا موسى ولا تخفْ منها { سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأُولَىٰ } أي سنعيدها إِلى حالتها الأولى كما كانت عصا لا حيَّة ، فأمسكها فعادت عصا { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي أدخل يدك تحت إِبطك ثم أخرجها تخرج نيِّرة مضيئة كضوء الشمس والقمر من غير عيب ولا برص قال ابن كثير : كان إِذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها تخرج تتلألأ كأنها فلقة القمر من غير برصٍ ولا أذى { آيَةً أُخْرَىٰ } أي معجزة ثانية غير العصا { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } أي لنريك بذلك بعض آياتنا العظيمة . . أراه الله معجزتين " العصا ، واليد " وهي بعض ما أيَّده الله به من المعجزات الباهرة ، ثم أمره أن يتوجه إِلى فرعون رأس الكفر والطغيان { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أي إِذهب بما معك من الآيات إِلى فرعون إِنه تكبَّر وتجبَّر وجاوز الحدَّ في الطغيان حتى ادَّعى الألوهية { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } أي وسِّعْه ونوِّره بالإِيمان والنُبوّة { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي سهّلْ عليَّ القيام بما كلفتني من أعباء الرسالة والدعوة { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } أي حلَّ هذه اللُّكْنة الحاصلة في لساني حتى يفهموا كلامي قال المفسرون : عاش موسى في بيت فرعون فوضعه فرعون مرة في حِجْرهِ وهو صغير فجرَّ لحية فرعون بيده فهمَّ بقتله ، فقالت له آسية : إِنه لا يعقل وسأريك بيان ذلك ، قدّمْ إِليه جمرتين ولؤلؤتين ، فإِن أخذ اللؤلؤة عرفت أنه يعقل ، وإِن أخذ الجمرة عرفت أنه طفل لا يعقل ، فقدَّم إِليه فأخذ الجمرة فجعلها في فيه فكان في لسانه حَبْسة { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } أي اجعل لي معيناً يساعدني ويكون من أهلي وهو أخي هارون { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } أي لتقوِّي به يا رب ظهري { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } أي اجعله شريكاً لي في النبوة وتبليغ الرسالة { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } أي كي نتعاون على تنزيهك عما لا يليق بك ونذكرك بالدعاء والثناء عليك { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } أي عالماً بأحوالنا لا يخفى عليك شيء من أفعالنا ، طلب موسى من ربه أن يعينه بأخيه يشدُّ به أزره ، لما يعلم منه من فصاحة اللسان ، وثبات الجنَان ، وأن يشركه معه في المهمة لما يعلم من طغيان فرعون وتكبره وجبروته { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي أُعطيت ما سألتَ وما طلبتَ ، ثم ذكّر تعالى بالمنن العظام عليه { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي أنعمنا عليك يا موسى بمنَّة أخرى غير هذه المنة { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } أي ألهمنا ما يُلهم ممّا كان سبباً في نجاتك { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أي ألهمناها أن أَلْقِ هذا الطفل في الصندوق ثم اطرحيه في نهر النيل ، ثم ماذا ؟ ومن يتسلمه ؟ { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } أي يلقيه النهر على شاطئه ويأخذه فرعون عدوي وعدوُّه قال في البحر : { فَلْيُلْقِهِ } أمرٌ معناه الخبر جاء بصيغة الأمر مبالغة إِذْ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } أي زرعتُ في القلوب محبتك بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك حتى أحبَّك فرعون قال ابن عباس : أحبَّه الله وحبَّبه إلى خلقه { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } أي ولتُربّى بعين الله بحفظي ورعايتي { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } أي حين تمشي أختك وتتَّبع أثرك فتقول لآل فرعون حين طلبوا لك المراضع : هل أدلكم على من يضمن لكم حضانته ورضاعته ؟ قال المفسرون : لمّا التقطه آل فرعون جعل لا يقبل ثدي امرأة لأن الله حرَّم عليه المراضع وبقيت أُمه بعد قذفه في اليم مغمومة فأمرت أخته أن تتَّبع خبره ، فلما وصلت إِلى بيت فرعون ورأته قالت : هل أدلكم على امرأة أمينة فاضلة تتعهد لكم رضاع هذا الطفل ؟ فطلبوا منها إِحضارها فأتت بأم موسى فلما أخرجت ثديها التقمه ففرحت زوجة فرعون فرحاً شديداً وقالت لها : كوني معي في القصر فقالت : لا أستطيع أن أترك بيتي وأولادي ولكنْ آخذه معي وآتي لك به كل حين فقالت نعم وأحسنت إِليها غاية الإِحسان فذلك قوله تعالى { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ } أي رددناك إلى أمك لكي تُسرَّ بلقائك ، وتطمئن بسلامتك ونجاتك ، ولكيلا تحزن على فراقك { وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } أي قتلت القبطي حين أصبحت شاباً فنجيناك من غمّ القتل وصرفنا عنك شرَّ فرعون وزبانيته ، وفي صحيح مسلم : وكان قتله خطأً { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } أي ابتليناك ابتلاءً عظيماً بأنواعٍ من المِحن { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } أي مكثت سنين عديدة عند شعيب في أرض مدين { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } أي جئت على موعدٍ ووقت مقدر للرسالة والنبوة . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - التشويق والحث على الإِصغاء { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } ؟ 2 - الإِطناب { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } وكان يكفي أن يقول : هي عصاي ولكنه توسّع في الجواب تلذذاً بالخطاب . 3 - الاستعارة التصريحية { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } أصل الجناح للطائر ثم استعير لجنب الإِنسان لأن كل جنب في موضع الجناح للطائر فسميت الجهتان جناحين بطريق الاستعارة . 4 - الاحتراس وهو عند علماء البيان أن يؤتى بشيء يرفع توهم غير المراد مثل قوله { بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } فلو اقتصر على قوله { بَيْضَآءَ } لأوهم أن ذكل من بَرص أو بهَق ولذلك احترس بقوله { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } . 5 - الاستعارة التمثيلية { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } تمثيل لشدة الرعاية وفرط الحفظ والكلاءة بمن يصنع بمرأى من الناظر لأن الحافظ للشيء في الغالب يديم النظر إِليه فمثَّل لذلك على عين الآخر . 6 - السجع الحسن الذي يزيد الكلام جمالاً وبهاءً في أواخر الآيات { فَتَشْقَىٰ } ، { يَخْشَىٰ } ، { أَخْفَى } ، { تَسْعَىٰ } الخ . فَائِدَة : قال العلماء : ما نفع أخ أخاه كما نفع موسى هارون فقد طلب له من ربه أن يجعله وزيراً له ويكرمه بالرسالة فاستجاب الله دعاءه وجعله نبياً مرسلاً . تنبيه : ذكر تعالى بعض المنن على موسى وعدَّد منها ستاً : المنة الأولى : إلهام أُمه صنع الصندوق وإِلقاءه في النيل ليربّى في بيت فرعون { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } . الثانية : إِلقاء المحبة عليه من الله تعالى بحيث لا يراه أحد إِلا أحبه { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } . الثالثة : حفظ الله ورعايته له بالكلاءة والعناية { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } . الرابعة : ردُّه إِلى أُمه مع الإِنعام والإِكرام { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها } . الخامسة : إِنجاء موسى من القتل بعد قتله القبطي و { نَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } . السادسة : تكليم الله له بعد عودته من أرض مدين وتكليفه بالرسالة { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } .