Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-22)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { سُلاَلَةٍ } السُّلالة : الخلاصة مشتقة من السَّل وهو استخراج الشيء من الشيء ، تقول : سللت الشَّعر من العجين ، والسيف من الغمد قال أمية : @ خلق البريَّة من سلالة منتن وإِلى السُّلالة كلُّها ستعود @@ ويقال : الولد سلالة أبيه لأنه انسلَّ من ظهر أبيه { مَّكِينٍ } ثابت راسخ تقول : هذا شيء مكين أي متمكن في الثبوت والرسوخ { طَرَآئِقَ } جمع طريقة والمراد بالطرائق السماوات السبع سميت بذلك لكون بعضها فوق بعض ، ومنه قولهم : طارق النعل إِذا جعل إحداهما على الأخرى { صِبْغٍ } الصبغ : الإِدام وأصله الصباغ وهو الذي يلون به الثوب قال الهروي : كل إِدامٍ يؤتدم به فهو صبغ { ٱلأَنْعَامِ } الحيوانات المأكولة " الإِبل ، والبقر ، والغنم " . التفسِير : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي فاز وسعد وحصل على البغية والمطلوب المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف الجليلة ، و { قَدْ } للتأكيد والتحقيق فكأنه يقول لقد تحقَّق ظفرهم ونجاحهم بسبب الإِيمان والعمل الصالح ، ثم عدَّد تعالى مناقبهم فقال { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } قال ابن عباس : خاشعون : خائفون ساكنون أي هم خائفون متذللون في صلاتهم لجلال الله وعظمته لاستيلاء الهيبة على قلوبهم { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } أي عن الكذب والشتم والهزل قال ابن كثير : اللغو : الباطل وهو يشمل الشرك ، والمعاصي ، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } أي يؤدون زكاة أموالهم للفقراء والمساكين ، طيبة بها نفوسهم طلباً لرضى الله { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } هذا هو الوصف الرابع أي عفَّوا عن الحرام وصانوا فروجهم عمَّا لا يحل من الزنا واللواط وكشف العورات { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي هم حافظون لفروجهم في جميع الأحوال إِلا من زوجاتهم وإِمائهم المملوكات { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } أي فإنهم غير مؤاخذين { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ } أي فمن طلب غير الزوجات والمملوكات { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } أي هم المعتدون المجاوزون الحدَّ في البغي والفساد { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } أي قائمون عليها بحفظها وإِصلاحها ، لا يخونون إِذا ائتمنوا ، ولا ينقضون عهدهم إِذا عاهدوا قال أبو حيان : والظاهر عموم الأمانات فيدخل فيها ما ائتمن الله تعالى عليه العبد من قولٍ وفعلٍ واعتقاد ، وما ائتمنه الإِنسان من الودائع والأمانات { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } هذا هو الوصف السادس أي يواظبون على الصلوات الخمس ويؤدونها في أوقاتها قال في التسهيل : فإِن قيل كيف كرّر ذكر الصلوات أولاً وآخراً ؟ فالجواب أنه ليس بتكرار ، لأنه قد ذكر أولاً الخشوع فيها ، وذكر هنا المحافظة عليها فهما مختلفان { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } أي أولئك الجامعون لهذه الأوصاف الجليلة هم الجديرون بوراثة جنة النعيم { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } أي الذين يرثون أعالي الجنة ، التي تتفجر منها أنهار الجنة وفي الحديث " إذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإِنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة " { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي هم دائمون فيها لا يخرجون منها أبداً ، ولا يبغون عنها حولاً … ثم ذكر تعالى الأدلة والبراهين على قدرته ووحدانيته فقال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } اللام جواب قسم أي والله لقد خلقنا جنس الإِنسان من صفوة وخلاصة استلت من الطين قال ابن عباس : هو آدم لأنه انسلَّ من الطين { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } أي ثم جعلنا ذرية آدم وبنيه منيّاً ينطف من أصلاب الرجال { فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } أي في مستقر متمكن هو الرحم { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } أي ثم صيَّرنا هذه النطفة - وهي الماء الدافق - دماً جامداً يشبه العلقة { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } أي جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة أي قطعة لحم لا شكل فيها ولا تخطيط { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } أي صيَّرنا قطعة اللحم عظاماً صلبة لتكون عموداً للبدن { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً } أي سترنا تلك العظام باللحم وجعلناه كالكسوة لها { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } أي ثم بعد تلك الأطوار نفخنا فيه الروح فصيرناه خلقاً آخر في أحسن تقويم قال الرازي : أي جعلناه خلقاً مبايناً للخلق الأول حيث صار إِنساناً وكان جماداً ، وناطقاً وكان أبكم ، وسميعاً وكان أصم ، وبصيراً وكان أكمه ، وأودع كل عضو من أعضائه عجائب فطرة ، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أي فتعالى الله في قدرته وحكمته أحسن الصانعين صنعاً { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } أي ثم إِنكم أيها الناس بعد تلك النشأة والحياة لصائرون إلى الموت { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } أي تبعثون من قبوركم للحساب والمجازاة ، ولما ذكر تعالى الأطوار في خلق الإِنسان وبدايته ونهايته ذكر خلق السماوات والأرض وكلها أدلة ساطعة على وجود الله فقال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ } أي والله لقد خلقنا فوقكم سبع سماوات ، سميت طرائق لأ ن بعضها فوق بعض { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } أي وما كنا مهملين أمر الخلق بل نحفظهم وندبر أمرهم { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } أي أنزلنا من السحاب القطر والمطر بحسب الحاجة ، لا كثيراً فيفسد الأرض ، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار { فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ } أي جعلناه ثابتاً مستقراً في الأرض لتنتفعوا به وقت الحاجة { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } وعيدٌ وتهديدٌ أي ونحن قادرون على إِذهابه بالتغوير في الأرض فتهلكون عطشاً أنتم ومواشيكم قال ابن كثير : لو شئنا لجعلناه إِذا نزل يغور في الأرض إِلى مدى لا تصلون إِليه ولا تنتفعون به لفعلنا ، ولكن بلطفه تعالى ورحمته ينزل عليكم المطر من السحاب عذباً فراتاً ، فيسكنه في الأرض ، ويسلكه ينابيع فيها فيفتح العيون والأنهار ، ويسقى الزروع والثمار ، فتشربون منه أنتم ودوابكم وأنعامكم { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } أي فأخرجنا لكم بذلك الماء حدائق وبساتين فيها النخيل والأعناب { لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } أي لكم في هذه البساتين أنواع الفواكه والثمار تتفكهون بها { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي ومن ثمر الجنات تأكلون صيفاً وشتاءً كالرطب والعنب والتمر والزبيب ، وإِنما خصَّ النخيل والأعناب بالذكر لكثرة منافعهما فإِنهما يقومان مقام الطعام ، ومقام الإِدام ، ومقام الفواكه رطباً ويابساً وهما أكثر فواكه العرب { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } أي وممَّا أنشأنا لكم بالماء أيضاً شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل الطور وهو الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } أي تُنبت الدهن أي الزيت الذي فيه منافع عظيمة { وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } أي وإِدام للآكلين سمي صبغاً لأنه يلون الخبز إذا غُمس فيه ، جمع الله في هذه الشجرة بين الأُدم والدهن ، وفي الحديث " كلوا الزيت وادهنوا به فإِنه من شجرةٍ مباركة " { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } أي وإن لكم أيها الناس فيما خلق لكم ربكم من الأنعام وهي " الإِبل والبقر والغنم " لعظةً بالغةً تعتبرون بها { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } أي نسقيكم من ألبانها من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } أي ولكم في هذه الأنعام منافع عديدة : تشربون من ألبانها ، وتلبسون من أصوافها وتركبون ظهورها ، وتحملون عليها الأحمال الثقال { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي وتأكلون لحومها كذلك { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أي وتحملون على الإِبل في البر كما تحملون على السُّفن في البحر ، فإِنَّ الإِبل سفائن البر كما أن الفلك سفائن البحر . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الإِخبار بصيغة الماضي لإِفادة الثبوت والتحقق { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } كما أنَّ { قَدْ } لإِفادة التحقيق أيضاً . 2 - التفصيل بعد الإِجمال { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ … } الخ . 3 - إِنزال غير المنكر منزلة المنكر { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } الناس لا ينكرون الموت ولكنَّ غفلتهم عنه وعدم استعدادهم له بالعمل الصالح يعدَّان من علامات الإنكار ولذلك نزلوا منزلة المنكرين وأُلقي الخبر مُؤكداً بمؤكدين " إٍنَّ واللام " . 4 - الاستعارة اللطيفة { سَبْعَ طَرَآئِقَ } شبهت السماوات السبع بطرائق النعل التي يجعل بعضها فوق بعض بطريق الاستعارة . 5 - التهديد { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } . 6 - السجع غير المتكلف { خَاشِعُونَ } ، { حَافِظُونَ } ، { عَادُونَ } وكذلك { طِينٍ } ، { مَّكِينٍ } ، { ٱلْخَالِقِينَ } وهو من المحسنات البديعية . تنبيه : ذكر تعالى في هذه الآيات من قوله { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } إِلى قوله { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أربعة أنواع من دلائل قدرته تعالى ، الأول : تقلب الإِنسان في أطوار الخلق وهي تسعة آخرها البعث بعد الموت ، الثاني : خلق السماوات السبع ، الثالث : إِنزال الماء من السماء ، الرابع : منافع الحيوانات وذكر منها أربعة أنواع " الانتفاع بالألبان ، وبالصوف ، وباللحوم ، وبالركوب " . فَائِدَة : روى الإِمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " كان إِذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل ، فلبثنا ذات يوم ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تُؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا ثم قال : لقد أُنزل عليَّ عشر آيات من أقامهنَّ دخل الجنة ثم قرأ { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } حتى ختم العشر " .