Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 67-93)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين ، ذكر هنا شبهات المشركين في الإِيمان بالآخرة والبعث والنشور ، وأردفها بذكر الدلائل القاطعة ، وذكر بعض الأهوال التي تكون بين يدي الساعة . اللغَة : { رَدِفَ } اقترب ودنا { تُكِنُّ } تُسِرُّ وتخفي { دَاخِرِينَ } ذليلن صاغرين { فَوْجاً } الفوج : الجماعة { جَامِدَةً } الجمود : سكون الشيء وعدم حركته { أَتْقَنَ } الإِتقان : الإِتيانُ بالشيء على أحسن حالاته من التمام والكمال والإِحكام { كُبَّتْ } الكبُّ : الطرح والإِلقاء يقال : كببتُ الرجل ألقيتُه على وجهه ، وكببتُ الإِناء قلبتُه . التفسِير : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ } أي قال مشركو مكة المنكرون للبعث : أئذا متنا وأصبحنا رفاتاً وعظاماً بالية ، فهل سنخرج من قبورنا ونحيا مرة ثانية ؟ { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ } أي لقد وَعدنا محمدٌ بالبعث كما وعَدَ من قبله آباءنا الأولين ، فلو كان حقاً لحصل { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي ما هذا إلا خرافات وأباطيل السابقين . ينكرون البعث وينسون أنهم خُلقوا من العدم ، وأن الذي خلقهم أولاً قادر على أن يعيدهم ثانياً ! { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي قل لهؤلاء الكفار : سيروا في أرجاء الأرض { فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي فانظروا - نظر اعتبار - كيف كان مآل المكذبين للرسل ؟ ألم يهلكهم الله ويدمّرهم ؟ فما حدث للمجرمين من قبل ، يحدث للمجرمين من بعد ، والآيةُ وعيدٌ وتهديد { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } تسلية للرسول عليه السلام أي لا تحزن يا محمد ولا تأسف على هؤلاء المكذبين إنْ لم يؤمنوا ، ولا يضقْ صدرك من مكرهم فإِن الله يعصمك منهم { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي يقولون استهزاءً : متى يجيئنا العذاب إن كنتم صادقين فيما تقولون ؟ والخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } أي لعلَّ الذي تستعجلون به من العذاب قد دنا وقرُب منكم بعضه قال المفسرون : هو ما أصابهم من القتل والأسر يوم بدر { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي لذو إفضالٍ وإِنعامٍ على الناس بترك تعجيل عقوبتهم على معاصيهم وكفرهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } أي ولكنَّ أكثرهم لا يعرفون حقَّ النعمة ، ولا يشكرون ربهم { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } أي وإِنه تعالى ليعلم ما يُخْفون وما يعلنون من عداوة الرسول وكيدهم له وسيجازيهم عليه { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي ليس من شيء في غاية الخفاء على الناس والغيبوبة عنهم إلا وقد علمه الله وأحاط به ، وأثبته في اللوح المحفوظ عنده ، فلا تخفى عليه سبحانه خافية قال ابن عباس : معناه ما من شيءٍ سرٍّ في السماوات والأرض أو علانية إلا وعند الله علمه { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } لما ذكر تعالى أمر المبدأ والمعاد والنبوة ، وكان القرآن من أعظم الدلائل والبراهين على صدق محمد وصدق ما جاء به ، أعقبه هنا بذكر القرآن المجيد وذكر أوصافه والمعنى : إن هذا القرآن المنزَّل على خاتم الرسل لهو الكتاب الحق الذي يبين لأهل اكلتاب ما اختلفوا فيه من أمر الدين ، ومن جملته اختلافهم في أمر المسيح وتفرقُهم فيه فرقاً كثيرة حتى لعن بعضهم بعضاً ، فلو كانوا منصفين لأسلموا ، لأن القرآن جاءهم بالرأي الساطع ، والخبر القاطع { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } أي وإِنه لهداية لقلوب المؤمنين من الضلالة ، ورحمة لهم من العذاب ، قال القرطبي : وإِنما خصَّ المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ } أي إن ربك يا محمد يفصل بين بني إسرائيل يوم القيامة بحكمه العادل ، وقضائه المبرم ، فيجازي المحقَّ والمبطل { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي المنيع الغالب الذي لا يُردُّ أمره { ٱلْعَلِيمُ } أي العليم بأفعال العباد فلا يخفى عليه شيء منهم { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي فوِّضْ إليه أمرك ، واعتمد عليه في جميع شئونك فإِنه ناصرك { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } أي إنك يا محمد على الدين الحق ، الواضح المنير ، فالعاقبة لك بالنصر على الكفار { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } أي لا تُسمع الكفار لتركهم التدبر والاعتبار ، فهم كالموتى لا حسَّ لهم ولا عقل { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } أي ولا تُسمعهم دعاءَك ونداءك إِذا ذكَّرتهم بالله أو دعوتهم إلى الإِيمان ، لأنهم كالصُّم الذين في آذانهم وقرٌ ، فلا يستجيبون الدعاء ، لا سيما إذا تولَّوا عنك معرضين ، فإِن الأصمَّ إذا تولى مدبراً ثم ناديته كان أبعد عن السماع حيث انضمَّ إلى صممه بُعدُ المسافة { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } أي وليس بوسعك يا محمد أن تصرف عُمي القلوب عن كفرهم وضلالهم { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي ما تُسمع - سماع تدبر وإِفهام - إلا المؤمنين ، ولا يستجيب لدعوتك إلاّ أهل الإِيمان ، وهم الذين انقادوا وأسلموا وجوههَم للرحمن . . شبَّه من لا يسمع ولا يعقل بالموتى في أنهم لا يسمعون وإِن كانوا أحياء ، ثم شبههم ثانياً بالصم وبالعُمي وإِن كانوا سليمي الحواس ، وأكَّد عدم سماعهم بقوله { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } لأن الأصمَّ إذا أدبر زاد صممُه أو عُدم سماعُه بالكلية ، والغرضُ من الآية أنَّ هؤلاء الكفار كالموتى ، وكالصُمّ ، وكالعُمي ، لا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون ، ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل الكونية ، أو الآيات القرآنية { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } هذا بيان لما يكون بين يدي الساعة أي وإِذا قَرُبَ نزولُ العذاب وقيام الساعة ، وحان وقت عذاب الكفار { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } أي أخرجنا للكفار هذه الآية الكبيرة " دابة الأرض " تكلم الناس وتناظرهم وتقول من جملة كلامها : ألا لعنةُ الله على الظالمين ، الذين لا يصدّقون ولا يؤمنون بآيات الله ، وخروجُ الدابة من أشراط الساعة وفي الحديث " لا تقوم الساعةُ حتى تروا عشر آياتٍ … وعدَّ منها طلوع الشمس من مغربها ، وخروجَ الدابة … " الحديث قال ابن كثير : هذه الدابة تخرج في آخر الزمان ، عند فساد الناس وتركهم أوامر الله ، وتبديلهم الدين الحق ، فتكلم الناس وتخاطبهم مخاطبة قال ابن عباس وعطاء : تكلمهم كلاماً فتقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، وروي أن خروجها حين ينقطع الخير ، ولا يُؤمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر ، ولا يبقى منيبٌ ولا تائب ، وهي آية خاصة خارقة للعادة ، ثم ذكر تعالى بعض مشاهد القيامة فقال { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً } أي واذكر يوم نجمع للحساب والعقاب من كل أمةٍ من الأمم جماعة وزمرة { مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا } أي من الجاحدين المكذبين بآياتنا ورسلنا { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي فهم يُجمعون ثم يُساقون بعنف { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } أي حتى إذا حضروا موقف الحساب والسؤال قال لهم تعالى مُوبِخاً ومُقرِّعاً : أكذبتم بآياتي المنزلة على رسلي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها ، أو معرفة صدقها ؟ { أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تقريع وتوبيخ آخر أيْ أيَّ شيء كنتم تعملون في الدنيا ؟ وبَّخهم أولاً بقوله { أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي } ثم اضرب عنه إلى استفهام تقرير وتبكيت كأنه قيل : دَعُوا ما نسبتُه إليكم من التكذيب وقولوا لي : أيَّ شيءٍ كنتم تعملونه في الدنيا غير التكذيب ؟ { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ } أي بُهِتوا فلم يكن لهم جواب ، وقامت عليهم الحجة وحقَّ عليهم العذاب ، بسبب ظلمهم وهو تكذيبهم بآيات الله { فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } أي فهم لا يتكلمون لأنه ليس لهم عذر ولا حجة ، وقد شُغلوا بالعذاب عن الجواب … ثم لما ذكر تعالى أهوال القيامة ذكر الأدلة والبراهين على التوحيد والحشر والنشر مبالغةً في الإِرشاد إلى الإِيمان فقال : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } أي ألم يروا قدرة الله فيعتبروا أنه تعالى جعل الليل مظلماً ليناموا ويستريحوا من تعب الحياة ، وجعل النهار منيراً مشرقاً ليتصرفوا فيه في طلب المعاش والرزق ؟ { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إن في تقليب الليل والنهار من نور إلى ظلمة ، ومن ظلمةٍ إلى نور لآيات باهرة ، ودلائل قاطعة على قدرة الله لقومٍ يصدّقون فيعتبرون ، ثم أشار تعالى إلى أحوال الناس في الآخرة فقال { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } أي واذكر يوم ينفخ إسرافيل في الصور " نفخة الفزع " فلا يبقى أحدٌ من أهل السماواتِ والأرض إلا خاف وفزع إلا من شار الله من الملائكة والأنبياء والشهداء قال المفسرون : هذه نفخة الفزع ، ثم تتلوها نفخة الصَّعق - وهو الموت - ثم بعد ذلك نفخة النشور من القبور وهي نفخة القيام لرب العالمين ، قال أبو هريرة : إن الملك له في الصور ثلاثُ نفخات : نفخةُ الفزع - وهو فزع الحياة الدنيا - وليس بالفزع الأكبر ، ونفخة الصَّعْق ، ونفخة القيام من القبور { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } أي وكلٌّ من الأموات الذين أُحيوا أتَوْا ربَّهم صاغرين مطيعين لم يتخلف منهم أحد { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي وترى أيها المخاطب الجبال وقت النفخة الأولى تظنها ثابتة في مكانها وواقفة { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي وهي تسير سيراً سريعاً كالسحاب قال الإِمام الفخر : ووجه حسبانهم أنها جامدة أن الأجسام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهجٍ واحد ظنَّ الناظر إليها أنها واقفة مع أنها تمر مراً سريعاً { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أي ذلك صنعُ الله البديع ، الذي أحكم كل شيء خلقه ، وأودع فيه من الحكمة ما أودع { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } أي هو عليم بما يفعل العباد من خير وشر ، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء . . ثم بيَّن تعالى حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم الرهيب فقال { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } أي من جاء يوم القيامة بحسنةٍ من الحسنات ، فإِن الله يضاعفها له إلى عشر حسنات ، ويعطيه بالعمل القليل الثواب الأبدي { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } أي وهم من خوف ذلك اليوم العصيب آمنون كما قال تعالى { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } قال ابن عباس : السيئة : الإِشراك بالله أي ومن جاء يوم القيامة مسيئاً لا حسنة له أو مشركاً بالله فإِنه يكبُّ في جهنم على وجهه منكوساً ، ويُلقى فيها مقلوباً { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يقال لهم توبيخاً : هل تُجزون إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا من سيء الأعمال ؟ { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } أي قل لهم يا محمد : لقد أُمرت أن أخصَّ الله وحده بالعبادة ربَّ البلد الأمين الذي جعل مكة حرماً آمناً لا يُسفك فيها دم ، ولا يُظلم فيها أحد ، ولا يصاد صيدها ولا يُختلى خلاها كما جاء في الحديث الصحيح { وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } أي هو تعالى الخالق والمالك لكل شيء فهو رب كل شيء ومليكه { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي وأُمرتُ أن أكون من المخلصين لله بالتوحيد ، المنقادين لأمره ، المستسلمين لحكمه { وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْآنَ } أي وأُمرتُ أيضاً بتلاوة القرآن لتنكشف لي حقائقه الرائعة ، وأن أقرأه على الناس { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } أي فمن اهتدى بالقرآن ، واستنار قلبه بالإِيمان ، فإِن ثمرة هدايته راجعة إليه { وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } أي ومن ضلَّ عن طريق الهدى ، فوبالُ ضلاله مختص به ، إذْ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغتكم رسالة الله { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي قل يا محمد : الحمد لله على ما خصني به من شرف النبوة والرسالة ، وما أكرمني من رفيع المنزلة والمقام { سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا } تهديد ووعيد أي سيريكم آياته الباهرة الدالة على عظيم قدرته وسلطانه في الأنفس والآفاق فتعرفونها حين لا تنفعكم المعرفة { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي وما ربك بغافل عن أعمال العباد بل هو على كل شيء شهيد ، وفيه وعدٌ ووعيد . البَلاَغَة : تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الاستفهام الإِنكاري { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ } وتكرير الهمزة { أَإِنَّا } للمبالغة في التعجب والإِنكار . 2 - الوعيد والتهديد { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } . 3 - التأكيد بإِن واللام { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ } { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ } { وَإِنَّهُ لَهُدًى } . 4 - الطباق { مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } لأن معنى { تُكِنُّ } تخفي . 5 - الاستعارة البديعة { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ } لأن القصص لا يوصف به إلا الناطق المميز ، ولكنَّ القرآن لما تضمَّن نبأ الأولين ، كان الشخص الذي يقصُّ على الناس الأخبار ففيه استعارةٌ تبعية . 6 - المبالغة { ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } لأن صيغة فعيل من صيغ المبالغة . 7 - الاستعارة التمثيلية { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } التعبير بالموتى ، والصم ، والعمي ، جاء كله بطريق الاستعارة ، وهو تمثيل لأحوال الكفار في عدم انتفاعهم بالإِيمان بأنهم كالموتى والصم والعمي . 8 - أسلوب التوبيخ والتأنيب { أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ؟ 9 - الطباق { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ … وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } . 10 - التشبيه البليغ { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي تمرُّ كمرِّ السحاب في السرعة ، حذفت الأداة ووجه الشبه فأصبح تشبيهاً بليغاً مثل محمد قمر . 11 - الإِحتباك { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } حُذف من أوله ما أُثبت في آخره وبالعكس ، أصله جعلنا الليل مظلماً لتسكنوا فيه ، والنهار مبصراً لتتصرفوا فيه فحذف " مظلماً " لدلالة " مبصراً " عليه ، وحذف " لتتصرفوا فيه " لدلالة { لِيَسْكُنُواْ فِيهِ } وهذا النوع يسمى الإِحتباك وهم من المحسنات البديعية .