Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 26-32)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لمّا ذكر تعالى في الآيات السابقة دلائل التوحيد والنبوة وصحة دين الإِسلام ، أعقبه بذكر البشائر التي تدل على قرب نصر الله للإِسلام والمسلمين ، فالأمر كله بيد الله يعز من يشاء ويذل من يشاء ، وأمر رسوله بالدعاء والابتهال إِلى الله بأن يعزّ جند الحق وينصر دينه المبين . اللغَة : { ٱللَّهُمَّ } أصله يا ألله حذفت أداة النداء واستعيض عنها بالميم المشدّدة هكذا قال الخليل وسيبويه { تَنزِعُ } تسلب ويعبّر به عن الزوال يقال : نزع الله عنه الشر أي أزاله { تُولِجُ } الإِيلاج : الإِدخال يقال : ولج يلج ولوجاً ومنه { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } [ الأعراف : 40 ] { أَمَدَاً } الأمد : غاية الشيء ومنتهاه وجمعه آماد { تُقَاةً } تقيَّةً وهي مداراة الإِنسان مخافة شره . سَبَبُ النّزول : أ - لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم ، قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم ! ! هم أعزُّ وأمنع من ذلك ألم يكفه مكة حتى طمع في ملك فارس والروم فأنزل الله { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ … } الآية . ب - عن ابن عباس أن " عُبادة بن الصامت " - وكان بدرياً تقياً - كان له حلفٌ مع اليهود ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال له عبادة : يا نبيَّ الله إِن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو فأنزل الله { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } الآية . التفسِير : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } أي قل : يا ألله يا مالك كل شيء { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } أي أنت المتصرف في الأكوان ، تهب الملك لمن تشاء وتخلع الملك ممن تشاء { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } أي تعطي العزة لمن تشاء والذلة لمن تشاء { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي بيدك وحدك خزائن كل خير وأنت على كل شيء قدير { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } أي تدخل الليل في النهار كما تدخل النهار في الليل ، فتزيد في هذا وتنقص في ذاك والعكس ، وهكذا في فصول السنة شتاءً وصيفاً { وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } أي تخرج الزرع من الحب والحب من الزرع ، والنخلةَ من النواة والنواة من النخلة ، والبيضةَ من الدجاجة والدجاجةَ من البيضة ، والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن هكذا قال ابن كثير ، وقال الطبري : " وأولى التأويلات بالصواب تأويل من قال : يخرج الإِنسان الحيَّ والأنعام والبهائم من النطف الميتة ، ويخرج النطفة الميتة من الإِنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء " { وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي تعطي من تشاء عطاءً واسعاً بلا عدٍّ ولا تضييق . . ثم نهى تعالى عن اتخاذ الكافرين أنصاراً وأحباباً فقال { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي لا توالوا أعداء الله وتتركوا أولياءه فمن غير المعقول أن يجمع الإِنسان بين محبة الله وبين محبة أعدائه قال الزمخشري : نهُوا أن يوالوا الكافرين لقرابةٍ بينهم أو صداقة أو غير ذلك من الأسباب التي يُتَصادق بها ويُتَعاشر { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } أي من يوالِ الكفرة فليس من دين الله في شيء { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } أي إِلا أن تخافوا منهم محذوراً أو تخافوا أذاهم وشرهم ، فأظهروا موالاتهم باللسان دون القلب ، لأنه من نوع مداراة السفهاء كما روي " إِنّا لنبش في وجوه أقوامٍ وقلوبنا تلعنهم " { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } أي يخوّفكم الله عقابه الصادر منه تعالى { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } أي المنقلب والمرجع فيجازي كل عاملٍ بعمله { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } أي إِن أخفيتم ما في قلوبكم من موالاة الكفار أو أظهرتموه فإِن الله مطلع عليه لا تخفى عليه خافية { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي عالم بجميع الأمور ، يعلم كل ما هو حادث في السماوات والأرض { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي وهو سبحانه قادر على الانتقام ممن خالف حكمه وعصى أمره ، وهو تهديد عظيم { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } أي يوم القيامة يجد كل إِنسان جزاء عمله حاضراً لا يغيب عنه ، إِن خيراً فخير وإِن شراً فشر ، فإِن كان عمله حسناً سرّه ذلك وأفرحه { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } أي وإِن كان عمله سيئاً تمنّى أن لا يرى عمله ، وأحبَّ أن يكون بينه وبين عمله القبيح غايةً في نهاية البعد أي مكاناً بعيداً كما بين المشرق والمغرب { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } أي يخوفكم عقابه { وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } أي رحيم بخلقه يحبّ لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } أي قل لهم يا محمد إِن كنتم حقاً تحبون الله فاتبعوني لأني رسوله يحبكم الله { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي باتباعكم الرسول وطاعتكم لأمره يحبكم الله ويغفر لكم ما سلف من الذنوب قال ابن كثير : " هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، فإِنه كاذب في دعواه تلك حتى يتّبع الشرع المحمدي في جميع أقواله وأفعاله " ثم قال تعالى : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله { فإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن الطاعة { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } أي لا يحب من كفر بآياته وعصى رسله بل يعاقبه ويخزيه { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } [ التحريم : 8 ] . البَلاَغَة : جمعت هذه الآيات الكريمة من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة ما يلي : 1 - الطباق في مواضع مثل " تؤتي وتنزع " و " تعز وتذل " و " الليل والنهار " و " الحي والميت " و " تخفوا وتبدوا " وفي " خير وسوء " و " محضراً وبعيداً " . 2 - والجناس الناقص في " مالك الملك " وفي " تحبون ويحببكم " وجناس الاشتقاق بين " تتقوا وتقاة " وبين " يغفر وغفور " . 3 - رد العجز على الصدر في { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } . 4 - التكرار في جمل للتفخيم والتعظيم كقوله { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } . 5 - الإِيجاز بالحذف في مواطن عديدة كقوله { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } أي من تشاء أن تؤتيه ومثلها وتنزع ، وتعز ، وتذل . 6 - { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } قال في تلخيص البيان : وهذه استعارة عجيبة وهي عبارة عن إِدخال هذا على هذا ، وهذا على هذا فما ينقصه من الليل يزيده في النهار والعكس ، ولفظ الإِيلاج أبلغ لأنه يفيد إِدخال كل واحد منهما في الآخر بلطيف الممازجة وشديد الملابسة . 7 - { تُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } الحيُّ والميت مجاز عن المؤمن والكافر فقد شبه المؤمن بالحي والكافر بالميت والله أعلم . فَائِدَة : في الاقتصار على ذكر الخير { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } دون ذكر الشر تعليمٌ لنا الأدب مع الله فالشر لا ينسب إِلى الله تعالى أدباً وإِن كان منه خلقاً وتقديراً { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ النساء : 78 ] . تنبيه : روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِن الله إِذا أحبَّ عبداً دعا جبريل فقال : إِني أحب فلاناً فأحبَّه قال فيحبُّه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إِن الله يحب فلاناً فأحبوه قال فيحبه أهل السماء ، وإِذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول : إِني أبغض فلاناً فأبغضْه قال فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إِن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه ، ثم توضع له البغضاء في الأرض " .