Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 18-25)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما مدح تعالى المؤمنين وأثنى عليهم بقوله { الذين يقولون ربنا إِننا آمنا } أردفه بأنْ بيّن أنَّ دلائل الإِيمان ظاهرة جلية فقال { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ثم بيّن أن الإِسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده ، وأمر الرسول بأن يعلن استسلامه لله وانقياده لدين الله ، وأعقبه بذكر ضلالات أهل الكتاب واختلافهم في أمر الدين اختلافاً كبيراً ، وإِعراضهم عن قبول حكم الله . اللغَة : { شَهِدَ } الشهادة : الإِقرار والبيان { ٱلْقِسْطِ } العدل { الدِّينَ } أصل الدين في اللغة : الجزاء ويطلق على الملَّة وهو المراد هنا { ٱلإِسْلاَمُ } الاسلام في اللغة : الاستسلام والانقياد التام قال ابن الأنباري : المسلم معناه المخلص لله عبادته من قولهم : سلم الشيء لفلان أي خلص له فالإِسلام معناه إِخلاص الدين والعقيدة لله تعالى { حَآجُّوكَ } جادلوك ونازعوك { غَرَّهُمْ } فتنهم { يَفْتَرُونَ } يكذبون . سَبَبُ النّزول : لمّا استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حَبْران من أحبار الشام ، فلما دخلا عليه عرفاه بالصّفة والنعت فقالا له : أنت محمد ؟ قال نعم ، قالا : وأنت أحمد ؟ قال نعم ، قالا نسألك عن شهادةٍ فإِن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدَّقناك ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلاني ، فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فنزلت { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } الآية فأسلم الرجلان وصدّقا برسول الله صلى الله عليه وسلم . التفسِير : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي بيّن وأعلم تعالى عباده بانفراده بالوحدانية ، قال الزمخشري : شبهت دلالته على وحدانيته بشهادة الشاهد في البيان والكشف { وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } أي وشهدت الملائكة وأهل العلم بوحدانيته بدلائل خلقه وبديع صنعه { قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } أي حال كونه مقيماً للعدل فيما يقسم من الآجال والأرزاق { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود في الوجود بحق إِلا هو { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي العزيز في ملكه الحكيم في صنعه { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } أي الشرع المقبول عند الله هو الإِسلام ، ولا دين يرضاه الله سوى الإِسلام { وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي وما اختلف اليهود والنصارى في أمر الإِسلام ونبوة محمد عليه السلام ، إِلا بعد أن علموا بالحجج النيرّة والآيات الباهرة حقيقة الأمر ، فلم يكن كفرهم عن شبهة وخفاء وإِنما كان عن استكبار وعناد ، فكانوا ممن ضلَّ عن علم { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي حسداً كائناً بينهم حملهم عليه حب الرئاسة { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } وهو وعيد وتهديد أي من يكفر بآياته تعالى فإِنه سيصير إلى الله سريعاً فيجازيه على كفره { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } أي إِن جادلوك يا محمد في شأن الدِّين فقل لهم : أنا عبدٌ لله قد استسلمتُ بكليتي لله ، وأخلصت عبادتي له وحده ، لا شريك له ولا نِدّ ولا صاحبة ولا ولد { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } أي أنا وأتباعي على ملة الإِسلام ، مستسلمون منقادون لأمر الله { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلأُمِّيِّينَ } أي قل لليهود والنصارى والوثنيين من العرب { أَأَسْلَمْتُمْ } أي هل أسلمتم أم أنتم باقون على كفركم فقد أتاكم من البينات ما يوجب إِسلامكم { فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } أي فإِن أسلموا كما أسلمتم فقد نفعوا أنفسهم بخروجهم من الضلال إِلى الهدى ومن الظلمة إِلى النور { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ } أي وإِن أعرضوا فلن يضروك يا محمد إِذ لم يكلفك الله بهدايتهم وإِنما أنت مكلف بالتبليغ فحسب والغرض منها تسلية النبي صلى الله عليه وسلم { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } أي عالم بجميع أحوالهم فيجازيهم عليها ، روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا : أسلمنا فقال عليه السلام لليهود : أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله ! فقالوا : معاذ الله ، فقال للنصارى : أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله ! فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبداً وذلك قوله عز وجل { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } " { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي يكذبون بما أنزل الله { وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } أي يقتلون أنبياء الله بغير سبب ولا جريمة إِلا لكونهم دعوهم إِلى الله ، وهم اليهود قتلوا زكريا وابنه يحيى وقتلوا أنبياء الله ، قال ابن كثير : " قتلت بنو إِسرائيل ثلاثمائة نبيّ من أول النهار ، وأقاموا سوق بقلهم من آخره " { وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي يقتلون الدعاة إِلى الله الذين يأمرون بالخير والعدل { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي أخبرهم بما يسرهم وهو العذاب الموجع المهين ، والأسلوب للتهكم وقد استحقوا ذلك لأنهم جمعوا ثلاثة أنواع من الجرائم : الكفر بآيات الله ، وقتل الأنبياء ، وقتل الدعاة إِلى الله قال تعالى مبيناً عاقبة إِجرامهم { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي بطلت أعمالهم التي عملوها من البر والحسنات ، ولم يبق لها أثر في الدارين ، بل بقي لهم اللعنة والخزي في الدنيا والآخرة { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي ليس لهم من ينصرهم من عذاب الله أو يدفع عنهم عقابه … ثم ذكر تعالى طرفاً من لَجَاج وعناد أهل الكتاب فقال { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ } أي ألا تعجب يا محمد من أمر هؤلاء الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ! فالصيغة صيغة تعجيب للرسول أو لكل مخاطب قال الزمخشري : يريد أحبار اليهود وأنهم حصلوا نصيباً وافراً من التوراة { يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } أي يدعون إِلى التوراة كتابهم الذي بين أيديهم والذي يعتقدون صحته ، ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه فيأبون { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } أي ثم يعرض فريق منهم عن قبول حكم الله ، وهو استبعاد لتوليهم بعد علمهم بوجوب الرجوع إِليه ، وجملة { وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } تأكيد للتولي أي وهم قوم طبيعتهم الإِعراض عن الحق ، والإِصرار على الباطل ، والآية كما يقول المفسرون تشير إِلى قصة تحاكم اليهود إِلى النبي صلى الله عليه وسلم لما زنى منهم إثنان فحكم عليهما بالرجم فأبوا وقالوا : لا نجد في كتابنا إلا التحميم فجيء بالتوراة فوجد فيها الرجم فرجما ، فغضبوا فشنَّع تعالى عليهم بهذه الآية { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } أي ذلك التولي والإِعراض بسبب افترائهم على الله وزعمهم أنهم أبناء الأنبياء وأن النار لن تصيبهم إلا مدةً يسيرة - أربعين يوماً - مدة عبادتهم للعجل { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي غرهم كذبهم على الله { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } أي كيف يكون حالهم يوم القيامة حين يجمعهم الله للحساب ! ! وهو استعظام لما يدهمهم من الشدائد والأهوال { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أي نالت كل نفسٍ جزاءها العادل { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي لا يظلمون بزيادة العذاب أو نقص الثواب . البَلاَغَة : 1 - { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } الجملة معرّفة الطرفين فتفيد الحصر أي لا دين إِلا الإِسلام . 2 - { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } التعبير عن اليهود والنصارى بقوله " أوتوا الكتاب " لزيادة التشنيع والتقبيح عليهم فإِن الاختلاف مع علمهم بالكتاب في غاية القبح والشناعة . 3 - { بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ } إِظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإِدخال الروعة في النفس . 4 - { أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ } أطلق الوجه وأراد الكل فهو مجاز مرسل من إِطلاق الجزء وإِرادة الكل . 5 - { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } الأصل في البشارة أن تكون في الخير واستعمالها في الشر للتهكم ويسمى " الأسلوب التهكمي " حيث نزّل الإِنذار منزلة البشارة السارة كقوله { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء : 138 ] وهو أسلوبٌ مشهور . فَائِدَة : قال القرطبي : في هذه الآية دليل على فضل العلم ، وشرف العلماء ، فإِنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء ، ويكفي في شرف العلم قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : " إِن العلماء ورثة الأنبياء " وفي حديث ابن مسعود أنَّ من قرأ قوله تعالى { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } الآية فإِنه يجاء به يوم القيامة فيقول الله تعالى : عبدي عهد إِليَّ عهداً وأنا أحقُّ من وفّى ، أدخلوا عبدي الجنة . لطيفَة : من أطرف ما قرأتُ في بيان فضل العلم تلك المحاورة اللطيفة بين العقل والعلم حيث يقول القائل وقد أبدع وأجاد :