Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-19)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغّة : { يَغْلِبُونَ } يهزمون ويُقهرون { أَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } حرثوها وقلبوها للزراعة { ٱلسُّوۤءَى } تأنيث الأسوء وهو الأقبح كما أن الحُسنى تأنيث الأحسن ، والسُّوءى : العقوبة المتناهية في السوء { يُحْبَرُونَ } يُسرون يقال : حبره إِذا سرَّه سروراً تهلَّل له وجهه وظهر عليه أثره قال الجوهري : الحبور : السرور ، ويحُبرون : يُنعمون ويُسرون { عَشِيّاً } العشي : من صلاة المغرب إِلى العتمة { تُظْهِرُونَ } تدخلون وقت الظهيرة . التفسِير : { الۤـمۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } أي هُزم جيش الروم في أقرب أرضهم إلى فارس { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } أي وهم من بعد انهزامهم وغلبة فارس لهم سيغلبون الفرس وينتصرون عليهم { فِي بِضْعِ سِنِينَ } أي في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام ، والبضع : ما بين الثلاث إلى التسع قال المفسرون : كان بين فارس والروم حربٌ ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فشقَّ ذلك عليهم ، وفرح المشركون بذلك لأن أهل فارس كانوا مجوساً ولم يكن لهم كتاب ، والرومُ أصحاب كتاب فقال المشركون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنكم أهل كتاب ، والروم أهل كتاب ، ونحن أُميون ، وقد ظهر إِخواننا من أهل فارس على إِخوانكم من الروم ، فلنظهرنَّ عليكم فقال أبو بكر : لا يقرُّ الله أعينكم فأنزل الله { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ } وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الحرب ، وغلبت الرومُ فارس وهزمتهم ، وفرح المسلمون بذلك قال أبو السعود : وهذه الآياتُ من البينات الباهرة ، الشاهدة بصحة النبوة ، وكون القرآن من عند الله عز وجل حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إِلا العليم الخبير ، ووقع كما أخبر ، وقال البيضاوي : والآية من دلائل النبوة لأنها إِخبارٌ عن الغيب { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } أي للّه عز وجل الأمر أولاً وآخراً ، من قبل الغلبة ومن بعد الغلبة ، فكل ذلك بأمر الله وإرادته ، ليس شيء منهما إِلا بقضائه قال ابن الجوزي : المعنى إِن غلبة الغالب ، وخذلان المغلوب ، بأمر الله وقضائه { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ } أي ويوم يهزم الروم الفرس ويتغلبون عليهم ، ويحل ما وعده الله من غلبتهم يفرح المؤمنون بنصر الله لأهل الكتاب على المجوس ، لأن أهل الكتاب أقرب إلى المؤمنين من المجوس ، وقد صادف ذلك اليوم يوم غزوة بدر قال ابن عباس : كان يوم بدر هزيمة عبدة الأوثان ، وعبدة النيران { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي ينصر من يشاء من عبادة ، وهو العزيز بانتقامه من أعدائه ، الرحيمُ بأوليائه وأحبابه { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } أي ذلك وعدٌ مؤكد وعد الله به فلا يمكن أن يتخلف ، لأنه وعده حق وكلامه صدق { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون ذلك لجهلهم وعدم تفكرهم { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي يعلمون أمور الدنيا ومصالحها وما يحتاجون إِليه فيها من أمور الحياة كالزراعة والتجارة والبناء ونحو ذلك قال ابن عباس : يعلمون أمر معايشهم متى يزرعون ، ومتى يحصدون ، وكيف يغرسون ، وكيف يبنون { وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } أي وهم عميٌ عن أمر الآخرة ، ساهون غافلون عن التفكر فيها والعمل لها قال الإِمام الفخر : ومعنى الآية أن علمهم منحصرٌ في الدنيا ، وهم مع ذلك لا يعلمون الدنيا كما هي وإِنما يعلمون ظاهرها ، وهي ملاذها وملاعبها ، ولا يعلمون باطنها وهي مضارُّها ومتاعبها ، ويعلمون وجودها الظاهر ولا يعلمون فناءها وهم عن الآخرة غافلون ، ولعل في التعبير بقوله { ظَاهِراً } إِشارة إلى أنهم عرفوا القشور ، ولم يعرفوا اللباب فكأن علومهم إِنما هي علوم البهائم { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي أولم يتفكروا بعقولهم فيعلموا أن الله العظيم الجليل ما خلق السماوات والأرض عبثاً ، وإِنما خلقهما بالحكمة البالغة لإِقامة الحق لوقتٍ ينتهيان إِليه وهو يوم القيامة ؟ قال القرطبي : وفي هذا تنبيه على الفناء ، وعلى أن لكل مخلوقٍ أجلاً ، وعلى ثواب المحسن وعقاب المسيء { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } أي وأكثر الناس منكرون جاحدون للبعث والجزاء { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي أولم يسافروا فينظروا مصارع الأمم قبلهم كيف أُهلكوا بتكذيبهم رسلهم فيعتبروا ! ! { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } أي كانوا أقوى منهم أجساداً ، وأكثر أموالاً وأولاداً { وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } أي وحرثوا الأرضَ للزراعة ، وحفروها لاستخراج المعادن ، وعمروها بالأبنية المشيدة ، والصناعات الفريدة أكثر مما عمرها هؤلاء قال البيضاوي : وفي الآية تهكم بأهل مكة من حيث إِنهم مغترون بالدنيا ، مفتخرون بها ، وهم أضعف حالاً فيها ، إِذ مدار أمرها على السعة في البلاد ، والتسلط على العباد ، والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة ، وهم ضعفاء ملجئون إلى دار لا نفع فيها { وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي وجاءتهم الرسل بالمعجزات الواضحات والآيات البينات فكذبوهم { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي فما كان الله ليهلكهم بغير جُرم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر والتكذيب فاستحقوا الهلاك والدمار { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ } أي ثم كان عاقبة المجرمين العقوبة التي هي أسوأ العقوبات وهي نار جهنم { أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } أي لأجل أنهم كذبوا بآياتنا المنزلة على رسلنا واستهزءوا بها { ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي الله جل وعلا بقدرته ينشئ خلق الناس ثم يعيد خلقهم بعد موتهم { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي ثم إِليه مرجعكم للحساب والجزاء { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي ويوم تقوم القيامة ويُحْشر الناس للحساب يسكت المجرمون وتنقطع حجتهم ، فلا يستطيعون أن ينسبوا ببنت شفة قال ابن عباس : { يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } ييأس المجرمون ، وقال مجاهد : يفتضح المجرمون قال القرطبي : والمعروف في اللغة : أبلس الرجل إِذا سكت وانقطعت حجته { وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ } أي ولم يكن لهم من الأصنام التي عبدوها شفعاء يشفعون لهم { وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ } أي تبرءوا منها وتبرأت منهم { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } كرر لفظ قيام الساعة للتهويل والتخويف لأن قيام الساعة أمر هائل أي ويوم تقوم القيامة يومئذٍ يتفرق المؤمنون والكافرون ، ويصبحون فريقين : فريقٌ في الجنة ، وفريقٌ في السعير ، ولهذا قال { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي فأما المؤمنون المتقون الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } أي فهم في رياض الجنة يُسرون وينعمون { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ } أي وأما الذين جحدوا بالقرآن وكذبوا بالبعث بعد الموت { فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي فأولئك في عذاب جهنم مقيمون على الدوام { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } أي سبحوا الله ونزّهوه عما لا يليق به من صفات النقص ، حين تدخلون في المساء ، وحين تدخلون في الصباح { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } أي وهو جل وعلا المحمود في السماوات والأرض قال ابن عباس : يحمده أهل السماوات وأهلُ الأرض ويُصلون له ، قال المفسرون : { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } جملة اعتراضية وأصل الكلام : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } والحكمة في ذلك الإِشارة إلى أن التوفيق للعبادة نعمةٌ ينبغي أن يحمد عليها ، والعشي : من صلاة المغرب إلى العتمة ، و { تُظْهِرُونَ } أي تدخلون وقت الظهر { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } أي يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ، والنبات من الحب ، والحبّ من النبات ، والحيوان من النطفة ، والنطفة من الحيوان { وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي ويحيي الأرض بالنبات بعد يبسها وجدبها { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أي كما يخرج الله النبات من الأرض كذلك يخرجكم من قبوركم للبعث يوم القيامة ، قال القرطبي : بيَّن تعالى كمال قدرته ، فكما يحيي الأرض بإِخراج النبات بعد همودها كذلك يحييكم بالبعث . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق بين { غُلِبَتِ … يَغْلِبُونَ } وبين { قَبْلُ … وبَعْدُ } . 2 - طباق السلب { لاَ يَعْلَمُونَ … يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . 3 - صيغة المبالغة { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي المبالغ في العزة ، والمبالغ في الرحمة . 4 - تكرير الضمير لإِفادة الحصر { وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } ووردوها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها . 5 - الإِنكار والتوبيخ { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } الآية . 6 - جناس الاشتقاق { أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ } . 7 - الطباق بين { يَبْدَأُ … ويُعِيدُهُ } وبين { تُمْسُونَ . . وتُصْبِحُونَ } . 8 - المقابلة بين حال السعداء والأشقياء { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } . 9 - الاستعارة اللطيفة { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } استعار الحيَّ للمؤمن ، والميت للكافر ، وهي استعارة في غاية الحسن والإِبداع والجمال . 10 - مراعاة الفواصل في الحرف الأخير لما له من أجمل الوقع على السمع مثل { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } { فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } { فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } . لطيفَة : قال الزمخشري : دلَّ قوله تعالى { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } على أن للدنيا ظاهراً وباطناً ، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها ، والتنعم بملاذها ، وباطنها وحقيقتها أنها معبرٌ للآخرة ، يتزود منها إِليها بالطاعة والأعمال الصالحة . ولقد أحسن من قال :