Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 20-40)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى أحوال الناس في الآخرة ، وقدرته على البدء والإِعادة ، ذكر هنا الأدلة على الربوبية والوحدانية ، في خلق البشر ، واختلاف الألسنة والصور ، وإِحياء الأرض بالمطر ، وفي قيام الناس ومنامهم ، ثم ضرب الأمثال للمشركين في عبادتهم لغير الله مع أنه وحده الخالق الرازق . اللغَة : { آيَاتِهِ } جمع آية وهي العلامة على الربوبية والوحدانية { تَنتَشِرُونَ } تتصرفون في شؤون معايشكم { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } لتميلوا إِليها وتألفوها { قَانِتُونَ } مطيعون منقادون لإرادته { ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } الوصف الأعلى في الكمال والجلال { ٱلْقَيِّمُ } المستقيم الذي لا عوج فيه { مُنِيبِينَ } الإِنابة : الرجوع بالتوبة والإِخلاص . التفسِير : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي ومن آياته الباهرة الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق أصلكم " آدم " من تراب ، وإِنما أضاف الخلق إِلى الناس { خَلَقَكُمْ } لأن آدم أصل البشر { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } أي ثم أنتم تتطورون من نطفة إِلى علقة إِلى مضغة إِلى بشر عقلاء ، تتصرفون فيما هو قوام معايشكم قال ابن كثير : فسبحان من خلقهم وسيَّرهم وسخّرهم وصرّفهم في فنون المعايش والمكاسب ، وفاوت بينهم في العلوم والفكر ، والحسن والقبح ، والغنى والفقر ، والسعادة والشقاوة ! ! { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي من آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لكم من صنفكم وجنسكم نساءً آدميات مثلكم ، ولم يجعلهن من جنسٍ آخر قال ابن كثير : ولو أنه تعالى جعل الإِناث من جنسٍ آخر ، من جان أو حيوان ، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج ، بل كانت تحصل النفرة ، وذلك من تمام رحمته ببني آدم { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } أي لتميلوا إِليهن وتألفوهن { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } أي وجعل بين الأزواج والزوجات محبة وشفقة قال ابن عباس : المودة : حب الرجل امرأته ، والرحمةُ شفقته عليها أن يصيبها بسوء { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي إِنَّ فيما ذكر لعبراً عظيمة لقوم يتفكرون في قدرة الله وعظمته ، فيدركون حكمته العلية { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } أي ومن آياته العظيمة الدالة على كمال قدرته خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها ، وخلق الأرض في كثافتها وانخفاضها ، واختلاف اللغات من عربيةٍ وعجمية ، وتركية ، ورومية ، واختلاف الألوان من أبيض وأسود وأحمر ، حتى لا يشتبه شخص بشخص ، ولا إِنسان بإِنسان ، مع أنهم جميعاً من ذرية آدم { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ } أي لمن كان من ذوي العلم والفهم والبصيرة { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } أي ومن آياته الدالة على كمال قدرته نومكم في ظلمة الليل ، ووقت الظهيرة بالنهار راحةً لأبدانكم { وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ } أي وطلبكم للرزق بالنهار { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي يسمعون سماع تفهم واستبصار { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } أي ومن آياته العظيمة الدالة على قدرته ووحدانيته أنه يريكم البرق خوفاً من الصواعق ، وطمعاً في الغيث والمطر قال قتادة : خوفاً للمسافر ، وطمعاً للمقيم { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أي وينزل المطر من السماء فينبت به الأرض بعد أن كانت هامدة جامدة لا نبات فيها ولا زرع { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي إِن في ذلك المذكور لعبراً وعظاتٍ لقومٍ يتدبرون بعقولهم آلاء الله { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ } أي ومن آياته الباهرة الدالة على عظمته أن تستمسك السماواتُ بقدرته بلا عمد ، وأن تثبت الأرض بتدبيره وحكمته فلا تنكفئ بسكانها ولا تنقلب بأهلها { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } أي إِذا دعيتم إِلى الخروج من القبور ، إِذا أنتم فوراً تخرجون للجزاء والحساب ، لا يتأخر خروجكم طرفة عين قال المفسرون : وذلك حين ينفخ إِسرافيل في الصور النفخة الثانية ويقول : يا أهل القبور قوموا ، فلا تبقى نسمةٌ من الأولين والآخرين ، إِلا قامت تنظر { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي وله جل وعلا كل من في السماوات والأرض من الملائكة والإِنس والجن ملكاً وخلقاً وتصرفاً لا يشاركه فيها أحد { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } أي جميعهم خاشعون خاضعون منقادون لأمره تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي وهو تعالى يُنشئ الخلق من العدم ، ثم يعيدهم بعد موتهم للحساب والجزاء { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } أي إِعادة الخلق أهونُ عليه من بدئه قال ابن عباس : يعني أيسر عليه ، وقال مجاهد : الإِعادة أهون عليه من البداءة ، والبداءة عليه هيّنة قال المفسرون : خاطب تعالى العباد بما يعقلون ، فإِذا كانت الإِعادة أسهل من الابتداء في تقديركم وحكمكم ، فإِن من قدر على الإِنشاء كان البعث أهون عليه حسب منطقكم وأصولكم { وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } أي له الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يدانيه فيه من الجلال والكمال ، والعظمة والسلطان { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي يصفه به من فيهما وهو أنه الذي ليس كمثله شيء { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي القاهر لكل شيء الحكيم الذي كل أفعاله على مقتضى الحكمة والمصلحة ، ثم وضّح تعالى بطلان عبادتهم للأوثان بمثل فقال : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي ضرب لكم أيها القوم ربكم مثلاً واقعياً من أنفسكم { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي هل يرضى أحدكم أن يكون عبده ومملوكه شريكاً له في ماله الذي رزقه الله تعالى ؟ فإِذا لم يرض أحدكم لنفسه ذلك فكيف ترضون لله شريكاً له وهو في الأصل مخلوق وعبدٌ لله ؟ { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } هذا من تتمة المثل أي لستم وعبيدكم سواءٌ في أموالكم ، ولستم تخافونهم كما تخافون الأحرار مثلكم ، وأنتم لا ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم في أموالكم ، فكيف رضيتم لله شريكاً في خلقه وملكه ؟ { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي مثل ذلك البيان الواضح نبيّن الآيات لقومٍ يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } بلْ للإِضراب أي ليس لهم حجة ولا معذرة في إِشراكهم بالله بل ذلك بمجرد هوى النفس بغير علم ولا برهان قال القرطبي : لما قامت عليهم الحجة ذكر أنهم يعبدون الأصنام باتباع أهوائهم في عبادتها ، وتقليد الأسلاف في ذلك { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي لا أحد يستطيع أن يهدي من أراد الله إِضلاله { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي ليس لهم من عذاب الله منقذٌ ولا ناصر { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ } أي أخلص دينك لله وأقبل على الإِسلام بهمة ونشاط { حَنِيفاً } أي مائلاً عن كل دين باطل إلى الدين الحق وهو الإِسلام { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } أي هذا الدين الحق الذي أمرناك بالاستقامة عليه هو خلقة الله التي خلق الناس عليها وهو فطرة التوحيد كما الحديث " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه " الحديث { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } أي لا تغيير لتلك الفطرة السليمة من جهته تعالى قال ابن الجوزي : لفظة لفظ النفي ومعناه النهي أي لا تبدلوا خلق الله فتغيّروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها { ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي ذلك هو الدين المستقيم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي أكثر الناس جهلة لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي أقيموا وجوهكم أيها الناس على الدين الحق حال كونكم منيبين إِلى ربكم أي راجعين إِليه بالتوبة وإِخلاص العمل ، وخافوه وراقبوه في أقوالكم وأفعالكم ، وأقيموا الصلاة على الوجه الذي يُرضي الله { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي ولا تكونوا ممن أشرك بالله وعبد غيره ثم فسَّرهم بقوله { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً } أي من الذين اختلفوا في دينهم وغيّروه وبدَّلوا فأصبحوا شيعاً وأحزاباً ، كلٌ يتعصب لدينه ، وكلٌ يعبد هواه { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أي كل جماعة وفرقة متمسكون بما أحدثوه ، مسرورون بما هم عليه من الدين المعوج ، يحسبون باطلهم حقاً قال ابن كثير : أي لا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم أي بدلوه وغيروه ، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان ، وسائر أهل الأديان الباطلة - مما عدا أهل الإِسلام - فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء ومذاهب باطلة ، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } أي وإِذا أصاب الناس شدةٌ وفقر ومرض وغير ذلك من أنواع البلاء { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } أي أفردوه تعالى بالتضرع والدعاء لينجوا من ذلك الضر ، وتركوا أصنامهم لعلمهم أنه لا يكشف الضر إِلا الله تعالى ، فلهم في ذلك الوقت إِنابة وخضوع { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } أي ثم إِذا أعطاهم السعة والرخاء والصحة وخلّصهم من ذلك الضر والشدة ، إِذا جماعة منهم يشركون بالله ويعبدون معه غيره ، والغرض من الآية التشنيعُ على المشركين ، فإِنهم يدعون الله في الشدائد ، ويشركون به في الرخاء { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أمرٌ على وجه التهديد أي ليكفروا بنعم الله ، وليتمتعوا في هذا الدنيا فيسوف تعلمون أيها المشركون عاقبة تمتعكم بزينة الحياة ونعيمها الفاني { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } الاستفهام للإِنكار والتوبيخ والمعنى : هل أنزلنا على هؤلاء المشركين حجة واضحة قاهرة على شركهم ، أو كتاباً من السماء فهو ينطق ويشهد بشركهم وبصحة ما هم عليه ؟ ليس الأمر كما يتصورون ، والمراد ليس لهم حجة بذلك { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا } أي وإِذا أنعمنا على الناس بالخصب والسعة والعافية استبشروا وسروا بها { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } أي وإِن أصابهم بلاءٌ وعقوبة بسبب معاصيهم إِذا هم ييأسون من الرحمة والفرج قال ابن كثير : وهذا إِنكار على الإِنسان من حيث هو إِلا من عصمه الله ، إِذا أصابته نعمة بطر ، وإِذا أصابته شدة قنط وأيس { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } أي أولم يروا قدرة الله في البسط والقبض ، وأنه تعالى يوسّع الخير في الدنيا لمن يشاء ويضيّق على من يشاء ؟ فلا يجب أن يدعوهم الفقر إِلى القنوط من رحمته تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي إِن في المذكور لدلالة واضحة على قدرة الله لقومٍ يصدقون بحكمة الخالق الرازق { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي فأعط القريب حقَّه من البر والصلة وكذلك المسكين والمسافر الذي انقطع في سفره اعطه من الصَّدقة والإِحسان قال القرطبي : لما تقدم أنه سبحانه يبسط الرزق ويقدر ، أمر من وسَّع عليه الرزق أن يعطي الفقير كفايته ، ليمتحن شكر الغني ، والخطاب للنبي عليه السلام والمراد هو وأُمته { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } أي ذلك الإِيتاء والإِحسان خيرٌ للذين يبتغون بعملهم وجه الله ويريدون ثوابه { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي وأولئك هم الفائزون بالدرجات العالية { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } أي وما أعطيتم من أموالكم يا معشر الأغنياء على وجه الربا ليزيد مالكم ويكثر به ، فلا يزيد ولا يزكو ولا يضاعف عند الله لأنه كسبٌ خبيثٌ لا يبارك الله فيه قال الزمخشري : هذه الآية كقوله تعالى { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ } [ البقرة : 276 ] سواءً بسواء { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } أي وما أعطيتم من صدقةٍ أو إِحسان خالصاً لوجه الله الكريم { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } أي فأولئك هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب ، الذين تضاعف لهم الحسنات { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ } أي الله جل وعلا هو الخالق الرازق للعباد ، يُخرج الإِنسان من بطن أمه عُرياناً لا علم له ولا سمع ولا بصر ، ثم يرزقه بعد ذلك المال والمتاع والأملاك { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أي ثم يميتكم بعد هذه الحياة ، ثم يحييكم يوم القيامة ، ليجازيكم على أعمالكم { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } ؟ أي هل يستطيع أحد ممن تعبدونهم من دون الله أن يفعل شيئاً من ذلك ؟ بل الله تعالى هو المستقل بالخلق والرزق والإِحياء والإِماتة { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزَّه جل وعلا وتقدس عن أن يكون له شريك أو مثيل ، أو ولد أو والد ، وتعالى عما يقول المشركون علواً كبيراً . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الطباق بين قوله { خَوْفاً … وَطَمَعاً } وبين { يَبْسُطُ … وَيَقْدِرُ } وبين { يُمِيتُكُمْ … يُحْيِيكُمْ } وبين { يَبْدَؤُاْ … ويُعِيدُ } . 2 - جناس الاشتقاق { دَعَاكُمْ دَعْوَةً } { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ } . 3 - المقابلة بين قوله { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا } وبين { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } . 4 - المجاز المرسل { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } أطلق الجزء وأراد الكل أي توجه إلى الله بكليتك . 5 - السجع المرصَّع كأنه الدرُّ المنظوم مثل { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ … } الخ .