Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 1-14)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { يَلِجَ } يدخل والولوج الدخول ومنه { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } [ الأعراف : 40 ] { يَعْرُجُ } يصعد ومنه المعراج لأنه صعودٌ إِلى السماوات . { يَعْزُبُ } يغيب يقال : عزب عن عينه أي غاب عنها { مِثْقَالُ } وزن ومقدار { جِنَّةٌ } بكسر النون بمعنى الجنون وبضمها بمعنى الوقاية والحجاب { كِسَفاً } قطعاً { أَوِّبِي } سبحي والتأويب : التسبيح { سَابِغَاتٍ } واسعات كاملات يقال : سبغ الدرعُ والثوبُ إذا غطَّى كل البدن وفضل منه شيء قال أبو حيان : السابغات : الدروع وأصله الوصف بالسبوغ وهو التمام والكمال ، وغلب على الدروع فصار كالأبطح ، قال الشاعر : @ عليها أُسودٌ ضارياتٌ لبُوسُهم سوابغُ بيضٌ لا يخرقها النَّبل @@ { ٱلسَّرْدِ } النسج ، وهو نسج حلق الدروع قال القرطبي : وأصله من الإِحكام ، قال لبيد : @ صنع الحديد مضاعفاً أسراده لينال طول العيش غير مروم @@ { ٱلْقِطْرِ } النحاس المذاب { جِفَانٍ } جمع جفنه وهي القصعة الكبيرة { ٱلْجَوَابِ } جمع جابية وهي الحوض الكبير يجمع فيه الماء ، قال الأعشى : @ نفى الذم عن آل المحلَّق جفنةٌ كجابية الشيخ العراقي تفهق @@ { مِنسَأَتَهُ } المنسأة : العصا سميت بذلك لأنه يُنسأ بها أي يُطرد ويزجر ، قال الشاعر : @ إِذا دببتَ على المنْساة من كبر فقد تباعد عنك اللهو والغزل @@ التفسِير : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي الثناء الكامل على جهة التعظيم والتبجيل لله الذي له كل ما في الكون خلقاً وملكاً وتصرفاً ، الجميع ملكه وعبيده وتحت قهره وتصرفه ، فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته ، وفي الآخرة لواسع رحمته { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ } أي وله الحمد بأجمعه لا يستحقه أحد سواه ، لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } أي الحكيم في صنعه ، الخبير بخلقه ، فلا اعتراض عليه من فعلٍ من أفعاله { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } تفصيل لبعض معلوماته جلَّ وعلا أي يعلم ما يدخل في جوف الأرض من المطر والكنوز والأموات ، وما يخرج من الأرض من الزروع والنباتات وماء العيون والأبار { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي وما ينزل من السماء من المطر والملائكة والرحمة ، وما يصعد إليها من الأعمال الصالحات ، والدعوات الزاكيات { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } أي الرحيم بعباده ، الغفور عن ذنوب التائبين حيث لا يعالجهم بالعقوبة ، ثم حكى تعالى مقالة المنكرين للبعث والقيامة فقال : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } أي وقال المشركون من قومك لا قيامة أبداً ولا بعث ولا نشور ، قال البيضاوي : وهو إِنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاءً بالوعد به { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } أي قل لهم يا محمد : أقسم بالله العظيم لتأتينكم الساعة ، فإِنها واقعة لا محالة ، قال ابن كثير : هذه إِحدى الآيات الثلاث التي أمر الله رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوعها ، والثانية في يونس { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ } [ يونس : 53 ] ، والثالثة في التغابن { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } [ التغابن : 7 ] { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي هو جل وعلا العالمُ بما خفي عن الأبصار ، وغاب عن الأنظار ، لا يغيب عنه مقدار وزن الذرة في العالم العلوي أو السفلي { وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ } أي ولا أصغر من الذرة ولا أكبر منها { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أي إِلا ويعلمه الله تعالى وهو في اللوح المحفوظ ، والغرضُ أن الله تعالى لا تخفى عليه ذرة في الكون فكيف يخفى عليه البشر وأحوالهم ؟ فالعظام وإِن تلاشت وتفرقت وتمزقت ، فهو تعالى عالمٌ أين ذهبت وتفرقت ، ثم يعيدها يوم القيامة { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي أثبت ذلك في الكتاب المبين لكي يثيب المؤمنين الذين أحسنوا في الدار الدنيا بأحسن الجزاء { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي لهم مغفرة لذنوبهم ، ورزق حسن كريم في دار النعيم { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي وأما الذين بذلوا جهدهم وجدّوا لإِبطال القرآن مغالبين لرسولنا ، يظنون أنهم يعجزونه بما يثيرونه من شبهات حول رسالته والقرآن { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } أي فهؤلاء المجرمون لهم عذاب من أسوأ العذاب ، شديد الإِيلام ، قال قتادة : الرجزُ : سوء العذاب { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي ويعلم أولو العلم من أصحاب النبي عليه السلام ومن جاء بعدهم من العلماء العاملين { ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ } أي يعلمون أن هذا القرآن الذي أُنزل عليك يا محمد هو الحق الذي لا يأتيه الباطل { وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } أي ويرشد من تمسك به إِلى طريق الله الغالب الذي لا يُقهر ، الحميد أي المحمود في ذاته وصفاته وأفعاله ، ثم ذكر تعالى أساليب المشركين في الصدِّ عن دين الله ، والسخرية برسول الله فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي وقال الكافرون من مشركي مكة المنكرون للبعث والجزاء { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } أي هل نرشدكم إلى رجلٍ يحدثكم بأعجب الأعاجيب ؟ - يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم - { إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي إذا بليتم في القبور ، وتفرقت أجسادكم في الأرض ، وذهبت كل مذهب بحيث صرتم تراباً ورفاتاً { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } ؟ أي إنكم ستخلقون خلقاً جديداً بعد ذلك التمزيق والتفريق ؟ والغرضُ من هذا المقال هو السخرية والاستهزاء قال أبو حيان : والقائلون هم كفار قريش قالوه على جهة التعجب والاستهزاء ، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه : هل أدلك على قصة غريبة نادرة ؟ ولما كان البعث عندهم من المحال جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه ، ونكّروا اسمه عليه { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } مع أن اسمه أشهر علم من قريش بطريق الاستهزاء { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ } أي هل اختلق الكذب على الله ، أم به جنون فهو يتكلم بما لا يدري ؟ قال تعالى رداً عليهم : { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } { بَلِ } للإِضراب أي ليس الأمر كما يزعمون من الكذب والجنون ، بل الذي يجحدون البعث ولا يصدّقون بالآخرة { فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } أي بل هؤلاء الكفار من ضلالٍ وحيرةٍ عن الحق توجب لهم عذاب النار ، فهم واقعون في الضلال وهم لا يشعرون وذلك غاية الجنون والحماقة ، ولما ذكر تعالى ما يدل على إِثبات الساعة ، ذكر دليلاً آخر يتضمن التوحيد مع التهديد فقال : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي ألم يشاهدوا ما هو محيط بهم من جميع جوانبهم من السماء والأرض ؟ فإِن الإِنسان أينما توجه وحيثما نظر رأى السماء والأرض أمامه وخلفه ، وعن يمينه وشماله ، وهما يدلان على وحدانية الصانع ، أفلا يتدبرون ذلك فيعلمون أن الذي خلقهما قادر على بعث الناس بعد موتهم ؟ ثم هددهم بقوله : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي لو شئنا لخسفنا بهم الأرض كما فعلنا بقارون ، أو أسقطنا عليهم قطعاً من السماء كما فعلنا بأصحاب الأيكة ، فمن أين لهم المهرب ؟ قال ابن الجوزي : المعنى أنهم أين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم ، وأنا القادر عليهم ، إن شئتُ خسفتُ بهم الأرض ، وإن شئتُ أسقطت عليهم قطعة من السماء { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي إن فيما يشاهدون من آثار القدرة الوحدانية لدلالة وعبرة لكل عبد تائب رجّاع إلى الله ، متأمل فيما يرى ، قال ابن كثير : يريد أن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها ، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها ، قادر على إِعادة الأجسام ، ونشر الرميم من العظام ، ثم ذكر تعالى قصة داود وما خصَّه الله به من الفضل العظيم فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } اللام موطئة لقسم محذوف تقديره وعزة الله وجلاله لقد أعطينا داود منا فضلاً عظيماً واسعاً لا يُقدر قال المفسرون : الفضل هو النبوة ، والزبور ، وتسخير الجبال ، والطير ، وإِلانة الحديد ، وتعليمه صنع الدروع إِلى غير ذلك { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } أي وقلنا يا جبال سبحي معه ورجّعي التسبيح إِذا سبَّح وكذلك أنت يا طيور ، قال ابن عباس : كانت الطير تسبح معه إِذا سبَّح ، وكان إِذا قرأ لم تبقَ دابةٌ إِلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } أي جعلنا الحديد ليناً بين يديه حتى كان كالعجين ، قال قتادة : سخر الله له الحديد فكان لا يحتاج أن يدخله ناراً ، ولا يضربه بمطرقة ، وكان بين يديه كالشمع والعجين { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي اعمل منه الدروع السابغة التي تقي الإِنسان شر الحرب ، قال المفسرون : كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء ، ويصنع الدرع في بعض يوم يساوي ألف درهم فيأكل ويتصدق ، والسابغات صفة لموصوف محذوف تقديره دروعاً سابغات ، وهي الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } أي وقدر في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقاتها ، قال الصاوي : أي اجعل كل حلقة مساوية لأختها ضيقة لا ينفذ منها السهم لغلظها ، ولا تثقل حاملها واجعل الكل بنسبةٍ واحدة { وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً } أي واعملوا يا آل داود عملاً صالحاً ولا تتكلوا على عز أبيكم وجاهه { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي إِني مطلع على أعمالكم مراقب لها وسأجازيكم بها قال الامام الفخر : ألان الله لداود الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير ، فإِنه يَلين بالنار حتى يصبح كالمداد الذي يكتب به ، فأي عاقلٍ يستبعد ذلك على قدرة الله ؟ وهو أول من صنع الدروع حلقاً وكانت قبل ذلك صفائح ثقالاً كما قال تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] ، ثم ذكر تعالى ما أنعم به على ولده " سليمان " من النبوة والملك والجاه العظيم قال : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أي وسخرنا لسليمان الريح تسير بأمره ، وسيرها من الصباح إِلى الظهر مسيرة شهر للسائر المجد ، ومن الظهر إِلى الغروب مسيرة شهر ، قال المفسرون : سخّر الله له الريح تقطع به المسافات الشاسعة في ساعات معدودات ، تحمله مع جنده فتنتقل به من بلدٍ إلى بلد ، تغدو به مسيرة شهر إِلى نصف النهار ، وترجع به مسيرة شهر إلى آخر النهار ، فتقطع به مسيرة شهرين في نهار واحد { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أي وأذبنا له النحاس حتى كان يجري كأنه عين ماء متدفقة من الأرض ، قال المفسرون : أجرى الله لسليمان النحاس ، كما ألان لداود الحديد ، آية باهرة ، ومعجزة ظاهرة { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي وسخرنا له الجن تعمل بأمره وإِرادته ما شاء مما يعجز عنه البشر ، وكل ذلك بأمر الله وتسخيره { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } أي ومن يعدل منهم عمّا أمرناه به من طاعة سليمان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } أي نذقه النار المستعرة في الآخرة ، ثم أخبر تعالى عما كلف به الجنُّ من الأعمال فقال { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ } أي يعمل هؤلاء الجن لسليمان ما يريد من القصور الشامخة { وَتَمَاثِيلَ } أي والتماثيل العجيبة من النحاس والزجاج ، قال الحسن : ولم تكن يومئذٍ محرمة ، وقد حرمت في شريعتنا سداً للذريعة لئلا تُعبد من دون الله { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } أي وقصاعٍ ضخمة تشبه الأحواض ، قال ابن عباس : " كالجواب " أي كالحياض { وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } أي وقدورٍ كبيرة ثابتات لا تتحرك لكبرها وضخامتها ، قال ابن كثير : والقدور الراسياتُ أي الثابتات في أماكنها لا تتحرك ولا تتحول عن أماكنها لعظمها { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } أي وقلنا لهم اشكروا يا آل داود ربكم على هذه النعم الجليلة ، فقد خصكم بالفضل العظيم والجاه العريض ، واعملوا بطاعة الله شكراً له جل وعلا { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } أي وقليل من العباد من يشكر الله على نعمه ، قال ابن عطية : وفيه تنبيه وتحريض على شكر الله ، ثم أخبر تعالى عن كيفية موت سليمان فقال { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ } أي حكمنا على سليمان بالموت ونزل به الموت { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } أي ما دلَّ الجنَّ على موته إلا تلك الحشرة وهي الأَرَضة السوسة التي تأكل الخشب تأكل عصا سليمان { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ } أي فلما سقط سليمان عن عصاه ظهر للجن واتضح لهم أنهم لو كانوا يعرفون الغيب كما زعموا { مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } أي ما مكثوا في الأعمال الشاقة تلك المدة الطويلة ، قال المفسرون : كانت الإِنس تقول : إِن الجن يعلمون الغيب الذي يكون في المستقبل ، فوقف سليمان في محرابه يصلى متوكئاً على عصاه ، فمات ومكث على ذلك سنةً والجنُّ تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته ، حتى أكلت الأَرَضةُ عصا سليمان فسقط على الأرض فعلموا موته ، وعلم الإِنس أن الجنَّ لا تعلم الغيب لأنهم لو علموه لما أقاموا هذه المدة الطويلة في الأعمال الشاقة وهم يظنون أنه حي وهو عليه السلام ميت . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان نوجزها فيما يلي : 1 - تعريف الطرفين لإِفادة الحصر { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ومعناه لا يستحق الحمد الكامل إِلا الله . 2 - الطباق بين { يَلِجُ … و … يَخْرُجُ } وبين { يَنزِلُ … و … يَعْرُجُ } وبين { أَصْغَرُ … و … أَكْبَرُ } . 3 - صيغة فعيل وفعول للمبالغة { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } . 4 - المقابلة بين { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } الآية وبين { وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } فقد جعل المغفرة والرزق الكريم جزاء المحسنين ، وجعل العذاب والرجز الأليم جزاء المجرمين . 5 - الاستفهام للسخرية والاستهزاء { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } وغرضهم الاستهزاء بالرسول ولم يذكروا اسمه إِمعاناً في التجهيل كأنه إِنسان مجهول . 6 - التنكير للتفخيم { آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } أي فضلاً عظيماً ، وتقديم داود على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إِلى المؤخر . 7 - الإِيجاز بالحذف { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أي غدوها مسيرة شهر ورواحها مسيرة شهر . 8 - التشبيه { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } ويسمى التشبيه المرسل المجمل لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه .