Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-88)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لمّا ذكر تعالى مآل السعداء المتقين ، ثنَّى بذكر حال الأشقياء المجرمين ، ثم ذكر بعض الأدلة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وختم السورة الكريمة بذكر قصة آدم وإِبليس وامتناعه عن السجود لآدم ، تحذيراً للبشر من عدوهم الأكبر ومن وساوسه وإِغوائه . اللغَة { غَسَّاقٌ } الغسَّاق : ما يخرج من لحوم الكفرة من الصديد والقيح والنتن { زَاغَتْ } مالت { سِخْرِيّاً } بكسر السين وهو الهزء والسخرية { مُّقْتَحِمٌ } الاقتحام : ركوب الشدة والدخول فيها ومنه اقتحام المخاطر { سَوَّيْتُهُ } أتممت خلقه على أكمل الوجوه { ٱلْعَالِينَ } المتكبرين ، وعلا في الأرض : تكبر وتجبر { رَجِيمٌ } مرجوم بالكواكب والشهب . التفسِير : { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } { هَـٰذَا } خبرٌ لمبتدأ محذوف تقديره الأمرُ هذا وهي بمنزلة أما بعد ، ثم قال { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } أي وإِنَّ للكافرين الذين كذبوا الرسل ، لشرَّ منقلب يصيرون إليه في الآخرة ثم فسَّر هذا المصير بقوله { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي جهنم يذوقونها ويصلون سعيرها ، وبئست جهنم فراشاً ومهاداً لهم قال ابن الجزي : لما تمَّ ذكر أهل الجنة ختمه بقوله { هَـٰذَا } ثم ابتدأ بذكر وصف أهل النار ، وعنى بالطاغين الكفار { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } أي هذا هو العذاب الأليم فليذوقوه وهو الحميم أي الماء الحار المحرق ، والغسَّاق وهو ما يسيل من صديد أهل النار قال الطبري : في الآية تقديم وتأخير أي هذا حميم وغساق فليذوقوه ، والحميمُ الذين أُغلي حتى انتهى حره ، والغسَّاق ما يسيل من جلودهم من الصديد والدم { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } أي وعذابٌ آخر من مثل هذا العذاب المذكور كالزمهرير ، والسموم ، وأكل الزقوم لهم منه أنواع وأصناف … ثم حكى ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار فقال { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } أي تقول لهم خزنة جهنم : هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار ، ودخلوها بصحبتكم كما اقتحموا معكم في الجهل والضلال ، لا أهلاً ولا مرحباً بهم { إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } أي إِنهم ذائقو النار ، وداخلوها كما دخلتموها أنتم قال الرازي : والاقتحامُ ركوبُ الشدة والدخولُ فيها ، وهذا من كلام خزنة جهنم لرؤساء الكفرة عن أتباعهم ، والعرب تقول لمن يدعون له : مرحباً أي أتيتَ رحباً في البلاد لا ضيِّقاً ، ثم يدخلون عليها كلمة " لا " في د عاء السوء { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } أي قال الأتباع للرؤساء الطغاة الذين أضلوهم بل أنتم لا أهلاً بكم ولا مرحباً قال المفسرون : عندما يدخل الأتباع جهنم تتلقاهم الرؤساء بقولهم { لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } أي لا تلقون هنا رحباً ولا خيراً - وهذه تحية أهل النار - كما قال تعالى { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] فعند ذلك يقول لهم الداخلون { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } وهذا على حد قول القائل " تحيةُ بينهِم ضربٌ وجيع " فكذلك أهل النار يتلقون بعضهم باللعنات والشتائم بدل التحايا والسلام ، ثم يعلِّل الأتباع ذلك بقولهم { أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } أي أنتم قدمتم لنا هذا العذاب وكنتم السبب في ضلالنا ، فبئس المنزل والمستقر لنا ولكم نار جهنم { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } هذا أيضاً من كلام الأتباع دعوا الله أن يضاعف العذاب لرؤسائهم الذين أوجبوا لهم العذاب فهو كقولهم { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 38 ] والضعفُ زيادة المثل قال البيضاوي : وقال الأتباع أيضاً { رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً } أي مضاعفاً وذلك أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } ؟ أي وقال الطغاة من رؤساء الكفر وأئمة الضلال : ما لنا لا نرى في النار هؤلاء الذين كنا نعدُّهم في الدنيا من الأشرار ؟ يعنون بهم المؤمنين قال ابن عباس : يريدون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقول أبو جهل : أين بلال ، أين صهيب ، أين عمار ؟ أولئك في الفردوس ! واعجباً لأبي جهل ! مسكين ، أسلم ابنه عكرمة ، وابنته جويرية ، وأسلمت أُمه ، وأسلم أخوه وكفر هو قال ابن كثير : هذا إِخبار عن الكفار في النار ، أنهم يفتقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون ، يقول أبو جهل : ما لي لا أرى بلالاً وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً ؟ وهذا ضربُ مثل وإلا فكل الكفار هذا حالهم ، يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار ، فلما دخلها الكفار افتقدوهم فلم يجدوهم ، ثم قالوا { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } ؟ أي يؤنبون أنفسهم قائلين : أجعلنا هؤلاء المؤمنين في الدنيا هزءاً وسخرية ؟ أم هم معنا في النار ولكن لا نراهم ؟ قال البيضاوي : إنكار على أنفسهم وتأنيبُ لها في الاستسخار من المؤمنين ، كأنهم قالوا : ليسوا هٰهنا في النار ؟ أم مالت عنهم أبصارنا فلا نراهم ؟ قال تعالى { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } أي إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أقوال أهل النار وتخاصمهم ، لهو الحقُّ الذي لا بدَّ وأن يتكلموا به ، فنحن نخبرك عن قول الرؤساء { لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } وقول الأتباع { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } من باب الخصومة { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ } هذا شروع في بيان مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي إثبات الوحدانية ، والمعاد ، والجزاء أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين : إِنما أنا رسولٌ من رب العالمين ، أُنذركم وأخوفكم من عذابه إن لم تؤمنوا ، ولستُ بساحرٍ ولا شاعر ولا كاهن { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } أي وليس لكم ربٌ ولا معبود إلا الواحد الأحد ، الغالب على خلقه ، القاهر لكل شيء { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي خالق جميع ما في الكون من الخلائق والعجائب ، والمتصرف فيها بالإِيجاد والإِعدام { ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } أي الغالب على أمره الذي لا يُغلب ، المبالغ في المغفرة لمن شاء من العباد قال الرازي : لما ذكر أنه { قهار } وهذا مشعر بالترهيب والتخويف ، أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب وذكر ثلاث صفات دالة على الرحمة ، والفضل والكرم وهي : " الرب ، العزيز ، الغفار " فكونه رباً مشعر بالتربية والإِحسان ، وكونه عزيزاً مشعرٌ بأنه قادر على كل شيء ولا يعجزه شيء ، وكونه غفاراً مشعر بالترغيب وأنه يرجى فضله وثوابه ، فلو بقي الإِنسان على الكفر سبعين سنة ، ثم تاب فإن الله سبحانه يغفر له برحمته جميع ذنوبه ، ويمحو اسمه من ديوان المذنبين ، ويوصله إلى درجات الأبرار { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } أي قل لهم يا محمد : إن هذا القرآن الذي جئتكم به هو نبأ هام وأمر عظيم الشأن ، أنتم عنه غافلون لا تلتفتون إليه ولا تعلمون قدره { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي من أين لي العلم باختلاف الملائكة في شأن خلق آدم لولا الوحي المنزل عليَّ ؟ قال ابن جزي : والقصدُ الاحتجاج على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بأمور لم يكون يعلمها قبل ذلك ، والإِشارة الى اختصام الملائكة هو ما جاء في قصة آدم حين قال تعالى لهم { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [ البقرة : 30 ] حسبما تضمنته قصته في مواضع من القرآن { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي ما يوحى إليَّ إلا لأني رسولٌ مرسل إليكم لأنذركم عذاب الله ، ومعنى النذير المنذر المخوّف من عذاب الله ، ثم شرع تعالى في ذكر قصة آدم فقال { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } أي اذكر حين أعلم ربك الملائكة أنه سيخلق إِنساناً من طين وهو آدم عليه السلام { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } أي فإِذا أتممتُ خلقه ونفخت فيه الروح فاسجدوا إكراماً له وإِعظاماً قال القرطبي : وهذا سجود تحية لا سجود عبادة { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } أي فسجد جميع الملائكة خضوعاً له وتعظيماً لأمر الله بالسجود له { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } أي لكن إبليس استكبر عن طاعة الله وأبى السجود لآدم فصار من الكافرين قال ابن كثير : امتثل الملائكة كلهم سوى إبليس ، ولم يكن منهم جنساً كان من الجن ، فخانه طبعه وجبلته فاستنكف عن السجود لآدم ، وخاصم ربه عز وجل فيه ، وادعى أنه خيرٌ من آدم ، فكفر بذلك وطرده الله عن باب رحمته ، ومحل أنسه ، وحضرة قدسه { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ؟ أي : قال له ربه : ما الذي صرفك وصدَّك عن السجود لمن خلقته بذاتي من غير واسطة أب وأُم ؟ قال القرطبي : أضاف خلقه إلى نفسه تكريماً لآدم وإِن كان خالق كل شيء ، كما أضاف إلى نفسه الروح ، والبيت ، والناقة ، والمساجد ، فخاطب الناس بما يعرفونه { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } ؟ أي استكبرتَ الآن عن السجود أم كنت قديماً من المتكبرين على ربك ؟ وهذا على جهة التوبيخ له لاستنكافه عن السجود { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } أي قال اللعينُ أنا خير من آدم وأشرف وأفضل { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } أي لأنني مخلوق من النار ، وآدم مخلوق من الطين ، والنار خيرٌ من الطين ، فكيف يسجد الفاضل للمفضول ؟ { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي اخرج من الجنة فإِنك لعين مطرود من كل خيرٍ وكرامة { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } أي وأنت مبعدٌ عن رحمتي إلى يوم الجزاء والعقوبة ثم تلقى ما هو أفظع وأشنع من اللعنة { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي أخرني وأمهلني إلى اليوم الذي تبعث فيه الخلائق من القبور قال أبو السعود : أراد بذلك أن يجد فسحةً لإِغوائهم ، ويأخذ منهم ثأره ، وينجو من الموت بالكلية إذ لا موتَ بعد البعث فأجابه الله بأنه مؤخر إلى وقت النفخة الأولى لا إلى وقت البعث الذي طلبه { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } أي إِنك من الممهلين إلى وقت النفخة الأولى حيث يموت الناس وتنتهي مهمتك { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي قال اللعين : أُقسم بعزتك لأُضلنَّ بني آدم أجمعين ، إلا الذين أخلصتهم لعبادتك وعصمتهم مني { قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } أي قال تعالى أقسم بالحقِّ ولا أقول إلا الحقَّ لأملأن جنهم منك ومن أتباعك قال السُّدي : هو قسم أقسم الله به ، وجملة " والحقَّ أقول " اعتراضية لتأكيد القسم { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } أي قل لهم يا محمد : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً ، ولست من الذين يتصنعون ويتحيلون حتى انتحل النبوة وأتقوَّل القرآن { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي ما هذا القرآن إلا عظة وذكرى للإٍِنس والجن والعقلاء { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } أي ولتعلمنَّ خبره وصدقه عن قريب ، وهذا وعيدٌ وتهديد قال الحسن البصري : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1ـ المقابلة بين المؤمنين والمفسدين ، وبين المتقين والفجار { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] وهذه من ألطف أنواع البديع . 2ـ الكناية { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } [ ص : 33 ] كنَّى عن العقر والذبح بالمسح وهي كناية بليغة . 3ـ الطباق بين { فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ } [ ص : 39 ] لأنها بمعنى أعط من شئت ، وامنع من شئت . 4ـ مراعاة الأدب { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ } [ ص : 41 ] أسند الضرر إلى الشيطان أدباً ، والخير والشر بيد الله تعالى . 5ـ الاستعارة التصريحية { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } [ ص : 45 ] استعار الأيدي للقوة في العبادة والأبصار للبصيرة في الدين . 6ـ المقابلة الرائعة { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } [ ص : 49ـ 50 ] ثم قابل ذلك بقوله { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } وياله من تصوير رائع ! 7ـ التأكيد بمؤكدين { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } فقد أكده أولاً بلفظ كل ثم بلفظ أجمعون . 8ـ مراعاة الفواصل وهي من خصائل القرآن { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } فمثل هذا البيان الرائع والجرس العذب ، يسري في النفس سريان الروح في الجسد ، وأقسم بالله أنني أشعر بهزة في نفسي كلما قرأتُ القرآن ، لما له من وقع عذب على السمع ، وأحياناً أجدني أتمايل طرباً بدون شعور ، أكثر مما يتمايل المغرمون بالأنغام ، وما ذلك إلا لروعة البيان في هذا القرآن ، وصدق رسول الله حين قال " إن من البيان لسحراً " .