Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-22)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اللغَة : { غَافِرِ } الغفْر : السترُ والمحو والتكفير { ٱلطَّوْلِ } الإِنعام والتفضل { يُدْحِضُواْ } يبطلوا ويزيلوا ، يقال : الباطلُ داحضٌ ، لأنه يزلق ويزل فلا يستقر { حَقَّتْ } وجبت ولزمت { مَقْتُ } المقت : شدة البغض { ٱلرُّوحَ } الوحيُ والنبوة سمي رُوحاً لأن القلوب تحيا به كما تحيا الأبدان بالأرواح { ٱلتَّلاَقِ } الاجتماع في الحشر { بَارِزُونَ } ظاهرون لا يسترهم شيء { ٱلأَزِفَةِ } اسم للقيامة سميت آزفة لقربها ، يقال أزف الشيء إذا اقترب { وَاقٍ } دافع يدفع عنهم العذاب . التفسِير : { حـمۤ } الحروف المقطَّعة للتنبيه على إعجاز القرآن ، وللإِرشاد على أن هذا القرآن المعجز منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ } أي هذا القرآن تنزيلٌُ من الله { ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي العزيز في ملكه ، العليم في خلقه { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } أي الذي يعفو عن ذنوب العباد ، ويقبل توبة العصاة لمن تاب منهم وأناب { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } أي شديد العقاب لمن تكبر وطغى ، وأعرض عن طاعة المولى { ذِي ٱلطَّوْلِ } أي ذي الفضل والإِنعام { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود بحقٍ إلا الله ، ولا ربَّ في الوجود سواه { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي إليه وحده مرجع الخلائق فيجازيهم بأعمالهم ، وإِنما قدَّم المغفرة والتوبة على العقاب ، للإِشارة إلى سعة الفضل وأن رحمته سبقت عذابه ، ثم لما ذكر أن القرآن هداية الله للعالمين ، أعقبه بذكر المجادلين المعاندين فقال { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي ما يدفع الحق ويجادل في هذا القرآن - بعد وضوح آياته وظهور إعجازه - إلا الجاحدون لآياتِ الله ، المعاندون لرسله { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أي فلا تغترَّ أيها العاقل بتصرفهم وتقلبهم في هذه الدنيا ، بالمساكن والمزارع ، والممالك والتجارات ، فإِنهم أشقى الناس ، وما هم عليه من النعيم متاعٌ قليل ، وظلٌ زائل ، فإِني وإِن أمهلتهم لا أهملُهم ، بل آخذهم بعد ذلك النعيم أخذ عزيز مقتدر قال في التسهيل : والآية تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيدٌ شديد للكفار { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } أي كذَّب قبل كفار مكة أقوام كثيرون ، منهم قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله كقوم عاد وثمود وفرعون وأمثالهم { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي وهمت كل أمةٍ من الأمم المكذبين أن يقتلوا رسولهم ويبطشوا به قال ابن كثير : أي حرصوا على قتله بكل ممكن ومنهم من قتل رسوله { وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي جادلوا رسلهم بالباطل ليزيلوا ويبطلوا به الحق الواضح الجلي { فَأَخَذْتُهُمْ } أي فأهلكتهم إهلاكاً مريعاً { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } استفهام تعجيب أي فكيف كان عقابي لهم ؟ ألم يكن شديداً فظيعاً ؟ { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي وكذلك وجبت كلمة العذاب على هؤلاء المكذبين من قومك ، كما وجبت لمن سبقهم من الكفار { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } أي لأنهم أهل النار ، قال الطبري : أي كما حقَّ على الأمم التي كذبت رسلها وحلَّ بها عقابي ، كذلك وجبت كلمة العذاب على الذين كفروا بالله من قومك لأنهم أصحاب النار . ثم ذكر تعالى حال الملائكة الأطهار ، والمؤمنين الأبرار ، بعد أن ذكر الكفار والفجار فقال { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي هؤلاء العباد المقربون - حملةُ العرش - ومن حول العرش من أشراف الملائكة وأكابرهم ، ممن لا يُحصي عددهم إلا الله ، هم في عبادة دائبة لله ، ينزهونه عن صفات النقص ، ويثنون عليه بصفات الكمال { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } أي ويصدقون بوجوده تعالى ، وبأنه لا إله لهم سواه ، ولا يستكبرون عن عبادته قال الزمخشري : فإِن قالت : ما فائدة قوله { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ولا يخفى أن حملة العرش وجميع الملائكة يؤمنون بالله ؟ فالجواب أن ذلك إظهار لفضيلة الإِيمان وشرفه والترغيب فيه { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } أي وهم مع عباداتهم واستغراقهم في تسبيح الله وتمجيده ، يطلبون من الله المغفرة للمؤمنين قائلين { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي يا ربنا وسعت رحمتُك وعلمك كل شيء قال المفسرون : وفي وصف الله تعالى بالرحمة والعلم - وهو ثناءٌ قبل الدعاء - تعليمُ العباد أدب السؤال والدعاء ، فهم يبدأون دعاءهم بأدبٍ ويستمطرون إحسانه وفضله وإِنعامه { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } أي فاصفح عن المسيئين المذنبين ، التائبين عن الشرك والمعاصي ، المتبعين لسبيل الحق الذي جاء به أنبياؤك ورسلك { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أي واحفظهم من عذاب جهنم { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } أي أدخلهم جنات النعيم والإِقامة التي وعدتهم إياها { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } أي وأدخل الصالحين من الآباء والأزواج والأولاد في جنات النعيم أيضاً ليتم سرورهم بهم قال ابن كثير : أي اجمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في الجنة بمنازل متجاورة { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي العزيز الذي لا يُغلب ولا يمتنع عليه شيء ، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والمصلحة { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ } هذا من تمام دعاء الملائكة أي احفظم يا ربّ من فعل المنكرات والفواحش التي توبق أصحابها { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي ومن حفظته من نتائجها وعواقبها يوم القيامة ، فقد لطفت به ونجيته من العقوبة { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي وذلك الغفران ودخول الجنان ، هو الظفر العظيم الذي لا ظفر مثله … ولما تحدث عن أحوال المؤمنين ، ذكر شيئاً من أحوال الكافرين فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } أي تناديهم الملائكة يوم القيامة على جهة التوبيخ والتقريع : لبغض الله الشديد لكم في الدنيا أعظم من بغضكم اليوم لأنفسكم { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } إي حين كنتم تُدعون إلى الإِيمان فتكفرون كبراً وعتواً قال قتادة : بغضُ الله لأهل الضلالة حين عُرض عليهم الإِيمان في الدنيا فأبوا أن يقبلوه ، أكبرُ مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } أي قال الكفار لما رأوا الشدائد والأهوال ربَّنا أمتَّنا مرتين ، وأحييتنا مرتين { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } أي فاعترفنا بما جنيناه من الذنوب في الدنيا { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أي فهل تردنا إلى الدنيا لنعمل بطاعتك ؟ وهل تخرجنا من النار لنسلك طريق الأبرار ؟ قال المفسرون : الموتةُ الأولى حين كانوا في العدم ، والموتة الثانية حين ماتوا في الدنيا ، والحياة الأولى حياة الدنيا ، والحياة الثانية حياةُ البعث يوم القيامة ، فهاتان موتتان وحياتان ، وإِنما قالوا ذلك على سبيل التعطف والتوسل إلى رضى الله ، بعد أن عاينوا العذاب ، وقد كانوا يكفرون وينكرون ، ولهذا جاء الجواب { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } أي ذلكم العذاب والخلود في جهنم بسبب كفركم وعدم إِيمانكم بالله ، فإِذا دعيتم إلى التوحيد كفرتم { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } وإِن دعيتم إلى اللات والعزَّى وأمثالهما من الأصنام ، آمنتم وصدَّقتم بألوهيتها { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } أي فالقضاء لله وحده ، لا للأوثان والأصنام ، ولا سبيل إلى نجاتكم ، لأن الله هو المتعالي على خلقه ، العظيم في ملكه الذي يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . . ولما ذكر تعالى ما يوجب التهديد الشديد للمشركين ، أردفه بذكر ما يدل على كمال قدرته وحكمته ليصير بمنزلة البرهان على عدم جواز عبادة الأوثان فقال { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي الله جل وعلا هو الذي يريكم أيها الناس العلامات الدالة على قدرته الباهرة في مخلوقاته ، في العالم العلوي والسفلي الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } أي وينزِّل لكم من السماء المطر الذي هو سبب للرزق ، وبه تخرج الزروع والثمار { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } أي وما يعتبر ويتعظ بهذه الآيات الباهرة ، إلا من يرجع إلى الله بالتوبة والإِنابة ، والعمل الصالح البعيد عن الرياء والنفاق { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي فاعبدوا الله أيها المؤمنون مخلصين له العبادة والطاعة ولا تعبدوا معه غيره { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } هذا للمبالغة أي اعبدوه وأخلصوا له قلوبكم ، حتى ولو كره الكافرون وذلك ، وغاظهم إخلاصكم وقاتلوكم عليه { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } أي عظيم الشأن والسلطان ، صاحب الرفعة والمقام العالي { ذُو ٱلْعَرْشِ } أي صاحب العرش العظيم ، الذي هو أعظم المخلوقات ، ولا شيء يشبهه من مخلوقات الله قال ابن كثير : أخبر تعالى عن عظمته وكبريائه ، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها ، وقد ذُكر أن العرش من ياقوتةٍ حمراء ولا يعلم سعته إلا الله وقال أبو السعود : وكونُ العرش العظيم المحيط بأكناف العالم العلوي والسفلي ، تحت ملكوته وقبضة قدرته ، مما يقضي بكون علو شأنه وعظم سلطانه ، في غايةٍ لا غاية وراءها { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي ينزل الوحي على من شاء من خلقه ، ويختص بالرسالة والنبوة من أراد من عباده ، وإِنما سمَّى الوحي روحاً لأنه يسري في القلوب كسريان الروح في الجسد قال القرطبي : سمَّاه روحاً لأن الناس يحيون به من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } أي ليخوِّف الرسول الموحَى إليه يوم القيامة الكبرى ، حيث يلتقي العباد جميعاً ليحاسبوا على أعمالهم ، ويلتقي الخلق بالخالق في ساعة الحساب قال قتادة : يلتقي فيه أهل السماء بأهل الأرض ، والخالق والخلق { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } أي يوم هم ظاهرون بادون للعيان ، لا شيء يكنُّهم ولا يظلّهم ولا يسترهم من جبلٍ أو أكمةٍ أو بناء ، لأنهم في أرض مستوية هي أرض المحشر { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } أي لا يخفى على الله شيء من أحوالهم وأعمالهم ولا من سرائرهم وبواطنهم قال الصاوي : والحكمة في تخصيص ذلك اليوم - مع أن الله لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام - أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان مثلاً لا يراهم الله ، وفي هذا اليوم لا يتوهمون هذا التوهم { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } ؟ أي ينادي الله سبحانه والناسُ بارزون في أرض المحشر : لمن المُلكُ اليوم ؟ ويسكت الخلائق هيبةً لله تعالى وفزعاً ، فيجيب تعالى نفسه قائلاً { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } أي لله المتفرد بالملك ، الذي قهر بالغلبة كل ما سواه قال الحسن : هو تعالى السائل وهو المجيب ، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } أي في ذلك اليوم - يوم القضاء والفصل بين العباد - تُجازى كل نفسٍ بما عملت من خيرٍ أو شر { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } أي لا يُظلم أحد شيئاً ، لا بنقص ثواب ، ولا بزيادة عقاب { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي سريعٌ حسابه ، لا يشغله شأنٌ عن شأن ، فيحاسب الخلائق جميعاً في وقتٍ واحد قال القرطبي : كما يرزقهم في ساعةٍ واحدة ، يحاسبهم كذلك في ساعةٍ واحدة ، وفي الخبر : " لا ينتصف النهارُ حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهلُ النار في النار " { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } أي خوّفهم ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة قال ابن كثير : " الآزفة " اسم من أسماء القيامة ، سميت بذلك لقربها كقوله تعالى { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } أي تكاد قلوبهم لشدة الخوف والجزع تبلغ الحناجر - وهي الحلوق - مكان البلعوم { كَاظِمِينَ } أي ممتلئن غماً وحسرةً شأن المكروب قال في التسهيل : معنى الآية أن القلوب قد صعدت من الصدور لشدة الخوف حتى بلغت الحناجر ، ويحتمل أن يكون ذلك حقيقةً أو مجازاً عبَّر به عن شدة الخوف والحنجرة هي الحلق { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي ليس للظالمين صديقٌ ينفعهم { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي ولا شفيع يشفع لهم لينقذهم من شدة العذاب { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } أي يعلم جلَّ وعلا العين الخائنة بمسارقتها النظر إلى محرم قال ابن عباس : هو الرجل يكون جالساً مع الناس ، فتمرُّ المرأة فيسارقهم النظر إليها { وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } أي ويعلم السرَّ المستور تخفيه الصدور { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } أي يقضي ويحكم بالعدل { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } أي والذين يعبدونهم من دون الله من الأوثان والأصنام { لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } أي لا حكم لهم أصلاً فكيف يكونون شركاء لله ؟ قال أبو السعود : وهذا تهكمٌ بهم لأن الجماد لا يقال في حقه يقضي أو لا يقضي { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } أي هو السميع لأقوال العباد ، البصير بأفعالهم { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ } ؟ أي أولم يعتبر هؤلاء المشركون في أسفارهم بما يرون من آثار المكذبين { فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ } أي فينظروا ما حلَّ بالمكذبين من العذاب والنكال ؟ فإِنَّ العاقل من اعتبر بغيره { كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } أي كانوا أشدَّ قوةً من هؤلاء الكفار من قومك { وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } أي وأقوى آثاراً في الأرض من الحصون والقصور والجند الأشداء ، ومع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد أهلكهم الله لما كذبوا الرسل { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } أي أهلكهم الله إهلاكاً فظيعاً بسبب إجرامهم وتكذيبهم رسل الله { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } أي وما كان لهم أحد يدفع عنهم عذاب الله ، ولا يقيهم من عقابه . . ثم ذكر تعالى سبب عقابه لهم فقال { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي ذلك العذاب بسبب أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالمعجزات الباهرات ، والآيات الساطعات الواضحات { فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ } أي فكفروا مع هذا البيان والبرهان فأهلكهم الله ودمَّرهم { إِنَّهُ قَوِيٌّ } أي إنه تعالى قويٌ لا يُقهر ، ذو قوة عظيمة وبأسٍ شديد { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي عقابه شديد لمن عصاه ، وعذابه أليم وجيع ، أعاذنا الله من عقابه وأجارنا من عذابه .