Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 47-66)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى ما حلَّ بآل فرعون من العذاب والدمار ، ذكر بعده النزاع والخصام الذي يكون بين أهل النار ، واستغاثة المجرمين ، وهم في عذاب الجحيم يصلون سعيرها فلا يجابون ، ثم ذكر الأدلة والبراهين على قدرة الله ووحدانيته ، لإِقامة الحجة على المشركين . اللغَة : { يَتَحَآجُّونَ } يختصمون { خَزَنَةِ } جمع خازن وهو المتكفل بحفظ الشيء وحراسته { ٱلأَشْهَادُ } جمع شاهد وهو الذي يشهد بالحجة على غيره { دَاخِرِينَ } أذلاء صاغرين { تُؤْفَكُونَ } تُصرفون عن الإِيمان إلى الكفر { قَـرَاراً } مستقرا { أُسْلِمَ } أذل وأخضع . التفسِير : { وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ } أي واذكر حين يختصم الرؤساء والأتباع في نار جهنم { فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً } أي فيقول الأتباع الضعفاء للرؤساء المستكبرين عن الإِيمان واتباع الرسل ، إنا كنا لكم في الدنيا أتباعاً كالخدم ننقاد لأوامركم ، ونطيعكم فيما تدعوننا إليه من الكفر والضلال { فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } ؟ أي فهل أنتم دافعون عنا جزءاً من هذا العذاب الذي نحن فيه ؟ قال الرازي : علموا أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف ، وإِنما مقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تخجيل الرؤساء ، وإِيلام قلوبهم ، لأنهم سعوا في إيقاعهم في أنواع الضلالات { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ } أي قال الرؤساء جواباً لهم : إنَّا جميعاً في نار جهنم ، فلو قدرنا على إزالة العذاب عنكم لدفعناه عن أنفسنا { إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } أي قضى قضاءً مبرماً لا مردَّ له ، بدخول المؤمنين الجنة ، والكافرين النار ، فلا نستطيع أن نفعل لكم شيئاً { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } لما يئس أهل النار بعضهم من بعض التجأوا إلى حراس جهنم يطلبون منهم التخفيف قال البيضاوي : وإِنما وضع جهنم موضع الضمير { لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } بدلاً من " لخزنتها " للتهويل والتفظيع { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } أي ادعوا لنا الله أن يخفف عنا ولو مقدار يوم واحد من هذا العذاب { قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ؟ أي أجابتم الملائكة على سبيل التوبيخ والتقريع : ألم تأتكم الرسل بالمعجزات الظاهرات فكفرتم بهم وكذبتموهم ؟ { قَالُواْ بَلَىٰ } أي قال الكفار بلى جاءونا { قَالُواْ فَٱدْعُواْ } أي قالت لهم الملائكة : فادعوا اللهَ أنتم فإِنا لا نجترىء على ذلك قال الرازي : وليس قولهم { فَٱدْعُواْ } لرجاء المنفعة ، ولكنْ للدلالة على الخيبة ، فإِن الملائكة المقربين إذا لم يُسمع دعاؤهم ، فكيف يسمع دعاء الكفار ؟ ثم يصرّحون لهم بأنه لا أثر لدعائهم فيقولون { وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } أي دعاؤكم لا ينفع ولا يجدي لأن دعاء الكافرين ما هو إلا في خسار وتبار { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي ننصر الرسل والمؤمنين بالحجة والظفر والانتقام لهم من الكفرة المجرمين في هذه الحياة الدنيا { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } أي وفي الآخرة يوم يحضر الأشهاد الذين يشهدون بأعمال العباد ، من مَلك ونبيٍ ومؤمن قال الرازي : الآية وعدٌ من الله تعالى لرسوله بأن ينصره على أعدائه في الحياة الدنيا وفي الآخرة { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } أي لا ينفع المجرمين اعتذارهم قال ابن جرير : لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم ، لأنهم لا يعتذرون إلا بباطل { وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ } أي الطردُ من رحمة الله { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } أي ولهم جهنم أسوأ مرجع ومصير قال ابن عباس : { سُوۤءُ ٱلدَّارِ } سوءُ العاقبة { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } أي والله لقد أعطينا " موسى بن عمران " ما يُهتدى به في الدين ، من المعجزات والصحف والشرائع { وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } أي أورثناهم العلم النافع والكتاب الهادي وهو " التوراة " { هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي هادياً وتذكرةً لأصحاب العقول السليمة { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين ، فإِن وعد الله لك ولأتباعك بالنصر على الأعداء ، حقٌ لا يمكن أن يتخلف ، لأن الله لا يخلف الميعاد قال الإِمام الفخر : لما بيَّن تعالى أنه ينصر رسله ، وضرب المثال في ذلك بحال موسى ، خاطب بعده رسوله بقوله { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } والمراد أنَّ الله ناصرك كما نصرهم ، ومنجزٌ وعده لك كما أنجزه في حقهم { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } أي واطلب المغفرة من ربك على ما فرط منك من ترك الأولى والأفضل ، قال الصاوي : والمقصودُ من هذا الأمر تعليم الأمة ذلك ، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم معصومٌ من الذنوب جميعاً ، صغائر وكبائر قبل النبوة وبعدها على التحقيق وقال ابن كثير : وهذا تهييجٌ للأمة على الاستغفار { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } أي ودمْ على تسبيح ربك في المساء والصباح قال الرازي : والمرادُ منه الأمرُ بالمواظبة على ذكر الله ، وألاَّ يفتر اللسان عنه ، حتى يصبح في زمرة الملائكة الأبرار ، الذين { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] والمرادُ بالتسبيح تنزيهُ اللهِ عن كل ما لا يليق به ، ثم نبه تعالى إلى السبب الدافع للكفار إلى المجادلة بالباطل فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } أي يخاصمون في الآيات المنزلة { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي بلا برهانٍ ولا حجةٍ من الله { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } أي ما في قلوبهم إلا تكبرٌ وتعاظم يمنعهم من اتباعك والانقياد إليك { مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } أي ما هم بواصلين إلى مرادهم من إطفاء نور الله ، ولا بمؤملين مقصودهم بالعلو عليك { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } أي فالتجىءْ وتحصَّنْ بالله من كيدهم ، فإِن الله يدفع عنك شرهم ، لأنه هو السميعُ لأقوالهم العليمُ بأحوالهم … ثم ذكر تعالى الدلائل الدالة على قدرته ووحدانيته فقال { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } اللام لام الابتداء أي لخلقُ الله للسماواتِ والأرضِ وإِنشاؤُهما وابتداعهما من غير شيء أعظم من خلق البشر ، فمن قدر على خلقهما مع عظمهما كيف يعجز عن خلق ما هو أحقر وأهون ؟ قال في التسهيل : والغرض الاستدلال على البعث ، لأن الإِله الذي خلقَ السماواتِ والأرض على كبرها ، قادرٌ على إعادة الأجسام بعد فنائها { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون ذلك ، لأنهم لا يتأملون لغلبة الجهل عليهم ، وفرط غفلتهم واتباعهم لأهوائهم { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي لا يتساوى المؤمن والكافر { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ } أي ولا البرُّ والفاجر { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } أي لا تتعظون بهذه الأمثال إلا قليلاً قال ابن كثير : والمراد أنه كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئاً ، والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره ، كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار ، والكفرة الفجار ، ما أقلَّ ما يتذكر كثيرٌ من الناس ؟ { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } أي إن القيامة آتيةٌ لا محالة ، لا شك في ذلك ولا مرية { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي ولكنَّ أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها ، ولذلك ينكرون البعث والجزاء قال الرازي : والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } أي ادعوني أجبْكم فيما طلبتم ، وأعطكم ما سألتم قال ابن كثير : ندب تعالى عباده إلى دعائه ، وتكفَّل لهم بالإِجابة فضلاً منه وكرماً { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } أي إنَّ الذين يتكبرون عن دعاء الله سيدخلون جهنم أذلاء صاغرين . . ثم ذكر تعالى من آثار قدرته ووحدانيته ، ما يلزم منه إفراده بالعبادة والشكر فقال { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } أي الله جل وعلا بقدرته وحكمته هو الذي جعل لكم الليل مظلماً لتستريحوا فيه من تعب وعناء العمل بالنهار ، وجعل النهار مضيئاً لتتصرفوا فيه بأسباب الرزق وطلب المعاش { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي إنه تعالى متفضل على العباد ، وهو صاحب الجود والإِحسان إليهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } أي ولكنَّ أكثر الناس لا يشكرون الله على إحسانه ، ويجحدون فضله وإِنعامه { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ } أي ذلكم المتفرد بالخلق والإِنعام هو الله ربكم ، خالق كل الأشياء { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود في الوجود سواه { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي فكيف تصرفون عن عبادة الخالق المالك إلى عبادة الأوثان ؟ { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي كذلك يُصرف عن الهدى والحق الذين جحدوا بآيات الله وأنكروها قال الصاوي : وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى لا تحزن يا محمد على إِنكار قومك فإِن من قبلهم فعل ذلك ، ثم زاد في البيان ودلائل القدرة فقال { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً } أي جعلها مستقراً لكم في حياتكم وبعد مماتكم قال ابن عباس : جعلها منزلاً لكم في حال الحياة وبعد الموت { وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } أي وجعل السماء سقفاً محفوظاً ، كالقبة المبنية مرفوعة فوقكم { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } أي صوَّركم أحسن تصوير ، وخلقكم في أحسن الأشكال ، متناسبي الأعضاء ، ولم يجعلكم كالبهائم منكوسين تمشون على أربع قال الزمخشري : لم يخلق تعالى حيواناً أحسن صورةً من الإِنسان ، وهذه مثل قوله تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي ورزقكم من أنواع اللذائذ { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ } أي ذلكم الفاعل لهذه الأشياء والمنعم بهذه النعم هو ربكم لا إله إلا هو { فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أي فتعالى وتمجَّد وتقدس ربُّ جميع المخلوقات الذي لا تصلح الربوبية إلاَّ له { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي هو تعالى المتفرد بالحياة الذاتية الحقيقية ، الباقي الذي لا يموت ، لا إله سواه { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي فاعبدوه وحده مخلصين له العبادة والطاعة ظاهراً وباطناً قائلين { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي الثناء والشكر لله مالك جميع المخلوقات ، لا للأوثان الي لا تملك شيئاً ، ولما بيَّن صفات الجلال والعظمة ، نهى عن عبادة غير الله فقال { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي قل يا محمد إن ربي العظيم الجليل نهاني أن أعبد هذه الآلهة التي تعبدونها من الأوثان والأصنام قال الصاوي : أمر تعالى نبيه أن يخاطب قومه بذلك زجراً له ، حيث استمروا على عبادة غير الله ، بعد ظهور الأدلة العقلية والنقلية { لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي } أي حين جاءتني الآيات الواضحات من عنده ، الدالة على وحدانيته قال الرازي : والبيناتُ هي أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفاً بصفات الجلال والعظمة ، وصريح العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به ، وأن جعل الحجارة المنحوتة والأخشاب المصورة ، شركاء له في المعبودية مستنكرٌ في بديهة العقل { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي وأمرت أن أذل وأخضع لله وحده ، وأن أخلص له ديني ، وأطهّر نفسي من عبادة غيره .