Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-18)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { يتفطَّرنْ } يتشققن ، والفطور : الشقوق ومنه { هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } [ الملك : 3 ] { فاطر } خالد ومبدع ومخترع { يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } يوم القيامة لاجتماع الخلائق فيه { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } مكة المكرمة { يَذْرَؤُكُمْ } ينشئكم ويكثِّركم { مَقَالِيدُ } مفاتيح جمع إقليد على غير قياس { شَرَعَ } بيَّن وسنَّ وأوضح { كَبُرَ } عظم وشقَّ { يُنِيبُ } يرجع ويتوب من ذنبه { مُرِيبٍ } موقع في الريبة والقلق { دَاحِضَةٌ } باطلة وزائلة يقال : دحضت حجته أي بطلت ، ودَحضت رجله أي زلقت . التفسِير : { حـمۤ * عۤسۤقۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن ، وإثارة انتباه الإِنسان بحروف أولية ، وبدءٍ غير مألوف { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي مثل ما أوحى إليك ربك يا محمد هذا القرآن ، أوحى إلى الرسل من قبلك في الكتب المنزلة ، اللهُ العزيز في ملكه ، الحكيم في صنعه { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي له ما في الكون ملكاً وخلقاً وعبيداً { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } أي هو المتعالي فوق خلقه ، المنفرد بالكبرياء والعظمة { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } أي تكاد السماواتُ يتشققن من عظمة الله وجلاله ، ومن شناعة ما يقوله المشركون من اتخاذ الله الولد { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي والملائكةُ الأبرار دائبون في تسبيح الله ، ينزهونه عما لا يليق به { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } أي ويطلبون المغفرة لذنوب من في الأرض من المؤمنين قال في التسهيل : والآية عمومٌ يراد به الخصوص لأن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض ، فهي كقوله تعالى { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر : 7 ] { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي ألاَ فانتبهوا أيها القوم إن الله هو الغفور لذنوب عباده ، الرحيم بها حيث لا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وعصيانهم قال القرطبي : هيَّب وعظَّم جل وعلا في الابتداء ، وألطف وبشَّر في الانتهاء { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي جعلوا له شركاء وأنداداً { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } أي اللهُ تعالى رقيبٌ على أحوالهم وأعمالهم ، لا يفوته منها شيءٌ ، وهو محاسبُهم عليها { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } أي وما أنت يا محمد بموكَّل على أعمالهم حتى تقسرهم على الإِيمان ، إنما أنت منذرٌ فحسب { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } أي وكما أوحينا إلى الرسل قبلك أوحينا إليك يا محمد قرآناً عربياً معجزاً ، بلسان العرب لا لبس فيه ولا غموض { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي لتنذر بهذا القرآن أهل مكة ومن حولها من البلدان قال الإِمام الفخر : وأمُّ القُرى أصلُ القرى وهي مكة ، وسميت بهذا الاسم إجلالاً لها ، لأن فيها البيت ومقام إبراهيم ، والعربُ تسمي أصلُ كل شيءٍ أُمه ، حتى يقال : هذه القصيدة من أمهات قصائد فلان { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } أي وتخوّف الناس ذلك اليوم الرهيب ، يوم اجتماع الخلائق للحساب في صعيدٍ واحد { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا شك في وقوعه ، ولا محالة من حدوثه { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } أي فريقٌ منهم في جنات النعيم وهو المؤمنون ، وفريق منهم في دركات الجحيم وهم الكافرون ، حيث ينقسمون بعد الحساب إلى أشقياء وسعداء كقوله تعالى { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } [ هود : 105 ] { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي لو شاء الله لجعل الناس كلهم مهتدين ، أهل دينٍ واحدٍ وملةٍ واحدة وهي الإِسلام قال الضحاك : أهل دينٍ واحد ، أهل ضلالةٍ أو أهل هُدى { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } أي ولكنَّه تعالى حكيمٌ لا يفعل إلاَّ ما فيه المصلحة ، فمن علم منه اختيار الهدى يهديه فيدخله بذلك في جنته ، ومن علم منه اختيار الضلال يضلُّه فيدخله بذلك السعير ولهذا قال { وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي والكافرون ليس لهم وليٌّ يتولاهم يوم القيامة ، ولا نصيرٌ ينصرهم من عذاب الله قال أبو حيان : والآية تسليةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم عمَّا كان يقاسيه من كفر قومه ، وتوقيفٌ على أنَّ ذلك راجعٌ إلى مشيئته جل وعلا ، ولكنْ من سبقت له السعادة أدخله في رحمته يعني دين الإِسلام { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } استفهامٌ على سبيل الإِنكار أي بل اتخذ المشركون من دون الله آلهة ، يستعينون بهم ، ويطلبون نصرهم وشفاعتهم ؟ { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } أي فاللهُ وحده هو الوليُّ الحقُّ ، الناصرُ للمؤمنين ، لا وليَّ سواه { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } أي هو تعالى القادر على إحياء الموتى ، لا تلك الأصنام التي لا تضر ولا تنفع { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي لا يعجزه شيء فهو الحقيق بأن يُتخذ ولياً دون من سواه { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } أي وما اختلفتم فيه أيها المؤمنون من شيء من أمر الدنيا أو الدين ، فالحكم فيه إلا الله جل وعلا ، هو الحاكم فيه بكتابه أو بسنة نبيه عليه السلام { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي } أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده ، وَليِّي ومالك أمري قال القرطبي : وفيه إضمارٌ أي قل لهم يا محمد : ذلكم الذي يُحيي الموتى ، ويحكم بين المختلفين هو ربّي { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي عليه وحده اعتمدت في جميع أموري { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي وإِليه وحده أرجع في كل ما يعرض عليَّ من مشكلاتٍ ومعضلات ، لا إلى أحدٍ سواه قال الرازي : والعبارة تفيد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه ، ولا أنيب إلا إليه ، وهو إشارة إلى تزييف طريقة من اتخذ غير الله ولياً … ثم بيَّن تعالى صفاته الجليلة القدسية ، التي هي من آثار ومظاهر الربوبية فقال { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي هو جل وعلا خالقهما ومبدعهما على غير مثالٍ سابق { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي أوجد لكم بقدرته من جنسكم نساءً من الآدميات { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } أي وخلق لكم كذلك من الإِبل والبقر والضأن والمعز أصنافاً ، ذكوراً وإِناثاً { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يكثّركم بسببه بالتوالد ، ولولا أنه خلق الذكر والأثنى لما كان ثَمة تناسلٌ ولا توالدٌ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي ليس له تعالى مثيلٌ ولا نظير ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فهو الواحد الأحد ، الفردُ الصمد والغرضُ : تنزيهُ الله تعالى عن مشابهة المخلوقين ، والكاف هنا لتأكيد النفي أي ليس مثله شيءٌ ، قال ابن قتيبة : العربُ تقيم المثل مقام النفس فتقول : مثلي لا يُقال له هذا أي أنا لا يُقال لي هذا ، ومعنى الآية ليس كالله جل وعلا شيءٌ وقال القرطبي : والذي يُعتقد في هذا الباب أن الله - جلَّ اسمُه - في عظمته وكبريائه ، وملوكته وحُسنى أسمائه ، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ، ولا يُشبَّه به أحد ، وما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي ، إذْ صفاتُ القديم - عزَّ وجلَّ - بخلاف صفات المخلوق ، وإذْ صفاتُهم لا تنفك عن الأعراض والأغراض ، وهو تعالى منزَّه عن ذلك ، وقد قال بعض المحققين : التوحيدُ إثباتُ ذاتٍ غير مشبهةٍ للذوات ، ولا معطَّلة من الصفات ، وزاد الواسطيُّ فقال : ليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، وهذا مذهب أهل الحق ، أهل السنة والجماعة { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } أي وهو تعالى السميع لأقوال العباد ، البصير بأفعالهم { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي بيده جل وعلا مفاتيح خزائنهما من المطر والنبات وسائر الحاجات { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } أي يوسِّعُ الرزق على من يشاء ، ويضيّق على من يشاء ، حسب الحكمة الإِلهية { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } تعليل لما سبق أي لأن علمه تعالى محيط بكل الأشياء ، فهو واسع العلم ، يعلم إِذا كان الغنى خيراً للعبد أو الفقر { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } أي سنَّ وبيَّن لكم أيها المؤمنون من الشريعة السمحة والدين الحنيف ، ما وصَّى به الرسل ، وأرباب الشرائع من مشاهير الأنبياء ، كنوح ومحمد عليه السلام { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي وما أمرنا به بطريق الإِلزام إبراهيم وموسى وعيسى من أصول الشرائع والأحكام قال الصاوي : خصَّ هؤلاء بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء ، وأولوا العزم ، وأصحاب الشرائع المعظمة ، فلكل واحد من هؤلاء الرسل شرعٌ جديد ، وأمَّا من عداهم ، فإِنما كان يبعث بتبليغ شرع من قبله ، ولم يزل الأمر يتأكد بالرسل ، ويتناصر بالأنبياء ، واحداً بعد واحد ، وشريعةً إثر شريعة ، حتى ختمها الله بخير الملل ، ملةِ أكرم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فتبيَّن أن شرعنا - معشَر الأمة المحمدية - قد جمع جميع الشرائع المتقدمة في أصول الاعتقادات ، وأصول الأحكام ولهذا قال تعالى { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } أي وصيناهم بأن أقيموا الدين الحق - دين الإِسلام - الذي هو توحيدُ الله وطاعتُه ، والإِيمان بكتبه ورسله ، وبالبعث والجزاء قال القرطبي : المراد اجعلوا الدين قائماً مستمراً محفوظاً من غير خلافٍ فيه ولا اضطراب ، في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة وهي : التوحيد ، والصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، وغيرها ، فهذا كله مشروعاً ديناً واحداً وملة متحدة . { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أي عظُم وشقَّ على الكفار ما تدعوهم إليه من عبادة الله ، وتوحيد الواحد القهار { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } أي اللهُ يصطفي ويختار للإِيمان والتوحيد من يشاء من عباده ، ويهدي إلى دينه الحق من يرجع إلى طاعته ، فيوفقه له ويقربه إليه رحمةً وإِكراماً { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي وما تفرَّق أهل الأديان المختلفة من اليهود والنصارى وغيرهم إلاّ من بعد ما قامت عليهم الحجج والبراهين من النبي المرسل إليهم { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي ظلماً وتعدياً ، وحسداً وعناداً { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أي ولولا أن الله قضى بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة { لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } أي لعجَّل لهم العقوبة في الدنيا سريعاً باستئصالهم قال ابن كثير : أي لولا الكلمة السالفة من الله تعالى بإِنظار العباد إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة سريعاً { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ } أي وإِن بقيَّة أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد أسلافهم السابقين { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } أي لفي شك من التوراة والإِنجيل ، موقع لهم في أشد الحيرة والريبة ، لأنهم ليسوا على يقين من أمر دينهم وكتابهم ، وإِنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم ، بلا دليل ولا برهان قال البيضاوي : لا يعلمون كتابهم كما هو ولا يؤمنون به حق الإِيمان ، فهم في شك مقلق { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } أي فلأجل ذلك التفرق الذي حدث لأهل الكتاب ، أمرناك يا محمد أن تدعو الناس إلى دين الحنيفية السمحة ، الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك ، فادع يا محمد إليه والزام النهج القويم مع الاستقامة كما أمرك ربك { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } أي ولا تتبع أهواء المشركين الباطلة فيما يدعونك إليه من ترك دعوة التوحيد { وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ } أي صدَّقت بكل كتابٍ أنزله الله تعالى قال الرازي : يعني الإِيمان بجميع الكتب السماوية ، لأن أهل الكتاب المتفرقين في دينهم آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي وأمرني ربي بأن أعدل بينكم في الحكم قال ابن جزي : يعني العدل في الأحكام إذا تخاصموا إليه { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي الله خالقنا جميعاً ومتولي أمورنا فيجب أن نفرده بالعبادة { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } أي لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم ، من خير أو شرٍّ ، لا نستفيد من حسناتكم ولا نتضرر من سيئاتكم قال ابن كثير : هذا تبرؤٌ منهم أي نحن برآء منكم كقوله تعالى { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي لا جدال ولا مناظرة بيننا وبينكم ، فإِن الحقَّ قد ظهر وبَانَ كالشمس في رابعة النهار ، وأنتم تعاندون وتكابرون { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي الله يجمع بيننا يوم القيامة لفصل القضاء ، وإليه المرجع والمآب فيجازي كل أحدٍ بعمله من خير وشر قال الصاوي : والغرضُ أن الحقَّ قد ظهر ، والحجج قد قامت ، فلم يبق إلا العناد ، وبعد العناد لا حجة ولا جدل ، والله يفصل بين الخلائق يوم المعاد ، ويجازي كلاً بعمله { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ } أي يخاصمون في دينه لصدِّ الناس عن الإِيمان { مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } أي من بعد ما استجاب الناسُ له ودخلوا في دينه { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي حجتهم باطلة لا ثبوت لها عند الله قال ابن عباس : نزلت في طائفةٍ من بني إسرائيل همَّت برد الناس عن الإِسلام وإضلالهم ومحاجتهم بالباطل { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي وعليهم غضب عظيم في الدنيا ، وعذاب شديد في الآخرة ، { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } أي نزَّل القرآن وسائر الكتب الإِلهية متلبسا بالصدق القاطع ، والحقِّ الساطع ، في أحكامه وتشريعاته وأخباره { وَٱلْمِيزَانَ } أي ونزَّل الميزان أي العدل والإِنصاف قاله ابن عباس قال المفسرون : وسمى العدلُ ميزانا لأن الميزان يحصل به العدل والإِنصاف ، فهو من تسمية الشيء باسم السبب { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } أي وما ينبئك أيها المخاطب لعلَّ وقت الساعة قريب ؟ فإن الواجب على العاقل أن يحذر منها ، ويستعدُّ لها . قال أبو حيان : ووجه اتصال الآية بما سبق أن الساعة يوم الحساب فكأنه قيل : أمركم الله بالعدل والتسوية قبل أن يفاجئكم اليوم الذي يحاسبكم فيه ويزن أعمالكم { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } أي يستعجل بالقيامة المشركون الذين لا يُصدِّقون بها فيقولون على سبيل الاستهزاء : متى تكون ؟ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } أي والمؤمنون المصدِّقون بها خائفون وجلون من قيامها { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } أي ويعلمون أنها كائنة وحاصلة لا محالة { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } أي الذين يُجادلون في أمر القيامة في ضلالٍ بعيد عن الحق ، لإِنكارهم عدل الله وحكمته .