Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-17)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { ٱلسَّكِينَةَ } السكونُ والطمأنينة والثباتُ { ٱلسَّوْءِ } المساءة والحزن والألم قال الجوهري : ساءَه سوءاً بالفتح ومساءةً نقيضُ سَّره ، والإِسمُ السُّوءُ بالضم ، ودائرة السُّوء يعني الهزيمة والشر ، ومن فتح فهو من المساءة { تُعَزِّرُوهُ } تعظّموه وتنصروه وتمنعوا الأذى عنه ، وسمي التعزيزُ في الحدود تعزيزاً لأنه مانع من فعل القبيح { نَّكَثَ } نقض البيعة والعهد { بُوراً } هلكى قال الجوهري : البورُ : الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه ، و " قوماً بوراً " جمع بائر ، وبار فلان أي هالك { حَرَجٌ } إثم وذنب . سَبَبُ النّزول : عن ابن عباس قال : تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعراب المدينة حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح ، بعد أن كان استنفرهم معه حذراً من قريش ، وأحرم بعمرةٍ وساق معه الهدي ليعلم الناسُ أنه لا يريد حرباً ، فتثاقلوا عنه واعتلُّوا بالشغل فنزلت { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا … } الآية . التفسِير : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أي قد فتحنا لك يا محمد مكة فتحاً بيناً ظاهراً ، وحكمنا لك بالفتح المبين على أعدائك ، والمراد بالفتح فتح مكة ، وعده الله به قبل أن يكون ، وذكره بلفظ الماضي لتحققه ، وكانت بشارة عظيمة من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين قال الزمخشري : هو فتح مكة ، وقد نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية ، وهو وعدٌ له بالفتح ، وجيء به بلفظ الماضي على عادة ربّ العزَّة سبحانه في أخباره ، لأنها في تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة ، وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن الفتح ما لا يخفى { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } أي ليغفر لك ربك يا محمد جميع ما فرط منك من ترك الأولى قال أبو السعود : وتسميتُه ذنباً بالنظر إِلى منصبه الجليل وقال ابن كثير : هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره ، وفيه تشريفٌ عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إِذ هو أكمل البشر على الإِطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة ، وهو في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، ولما كان أطوع خلق الله بشره الله بالفتح المبين ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي ويكمّل نعمته عليك بإِعلاء الدين ورفع مناره { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي ويرشدك إِلى الطريق القويم ، الموصل إِلى جنات النعيم ؛ بما يشرعه لك من الدين العظيم { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } أي وينصرك الله على أعدائك نصراً قوياً منيعاً ، فيه عزةٌ وغلبة ، يجمع لك به بين عز الدنيا والآخرة { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي هو جل وعلا الذي جعل السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } أي ليزدادوا يقيناً مع يقينهم ، وتصديقاً مع تصديقهم ، برسوخ العقيدة في القلوب ، والتوكل على علاَّم الغيوب { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي وللهِ - جلَّت عظمته - كل جنود السماوات والأرض ، من الملائكة والجن ، والحيوانات ، والصواعق المدمّرة ، والزلازل ، والخسف ، والغرق ، جنودٌ لا تُحصى ولا تُغلب ، يسلطها على من يشاء قال ابن كثير : ولو أرسل عليهم ملكاً واحداً لأباد خضراءهم ، ولكنه تعالى شرع لعباده الجهاد ، لما له في ذلك من الحجة القاطعة والحكمة البالغة ولذلك قال { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أي عليماً بأحوال خلقه ، حكيماً في تقديره وتدبيره قال المفسرون : أراد بإِنزال السكينة في قلوب المؤمنين " أهل الحديبية " حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مناجزة الحرب مع أهل مكة ، بعد أن حصل لهم ما يزعج النفوس ويزيغ القلوب ، من صد الكفار لهم عن دخول مكة ، ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصود ، فلم يرجع منهم أحدٌ عن الإِيمان ، بعد أن هاج الناس وماجوا ، وزلزلوا حتى جاء عمر بن الخطاب إِلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ألست نبيَّ الله حقاً ؟ قال : بلى ، قال ألسنا على الحق وعدوُّنا على الباطل ؟ قال بلى ، قال : فلم نعط الدنيَّة في ديننا إِذن ؟ قال إِني رسول الله وليست أعصيه وهو ناصري . . الخ . { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } أي ليدخلهم - على طاعتهم وجهادهم - حدائق وبساتين ناضرة ، تجري من تحتها أنهار الجنة ماكثين فيها أبداً { وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي ويمحو عنهم خطاياهم وذنوبهم { وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } أي وكان ذلك الإِدخال في الجنات والتكفير عن السيئات ، فوزاً كبيراً وسعادةً لا مزيد عليها ، إذ ليس بعد نعيم الجنة نعيم { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ } أي وليعذِّب الله أهل النفاق والإِشراك ، وقدَّمهم على المشركين لأنهم أعظم خطراً وأشد ضرراً من الكفار المجاهرين بالكفر { ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } أي الظانين بربهم أسوأ الظنون ، ظنوا أن الله تعالى لن ينصر رسوله والمؤمنين ، وأن المشركين يستأصلونهم جميعاً كما قال تعالى { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } قال القرطبي : ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع إِلى المدينة ولا أحدٌ من أصحابه حين خرج إِلى الحديبية { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } دعاءٌ عليهم أي عليهم ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين من الهلاك والدمار { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ } أي سخط تعالى عليهم بكفرهم ونفاقهم ، وأبعدهم عن رحمته { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي وهيأ لهم في الآخرة ناراً مستعرة هي نار جهنم ، وساءت مرجعاً ومنقلباً لأهل النفاق والضلال { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } تأكيد للانتقام من الأعداء أعداء الإِسلام من الكفرة والمنافقين قال الرازي : كرر اللفظ لأن جنود الله قد يكون إِنزالهم للرحمة ، وقد يكون للعذاب ، فذكرهم أولاً لبيان الرحمة بالمؤمنين وثانياً لبيان إِنزال العذاب عل الكافرين { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } أي عزيزاً في ملكه وسلطانه ، حكيماً في صنعه وتدبيره قال الصاوي : ذكر هذه الآية أولاً في معرض الخلق والتدبير فذيَّلها بقوله { عَلِيماً حَلِيماً } [ الأحزاب : 51 ] وذكرها ثانياً في معرض الانتقام فذيَّلها بقوله { عَزِيزاً حَكِيماً } وهو في منتهى الترتيب الحسن ، لأنه تعالى ينزل جنود الرحمة لنصرة المؤمنين ، وجنود العذاب لإِهلاك الكافرين … ثم امتن تعالى على رسوله الكريم بتشريفه بالرسالة ، وبعثه إِلى كافة الخلق فقال { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } أي : إِنا أرسلناك يا محمد شاهداً على الخلق يوم القيامة ، ومبشراً للمؤمنين بالجنة ، ومنذراً للكافرين من عذاب النار { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي أرسلنا الرسول لتؤمنوا أيها الناس بربكم ورسولكم حقَّ الإِيمان ، إِيماناً عن اعتقاد ويقين ، لا يخالطه شك ولا ارتياب { وَتُعَزِّرُوهُ } أي تُفخموه وتُعظِّموه { وَتُوَقِّرُوهُ } أي تحترموا وتجلُّوا أمره مع التعظيم والتكريم ، والضمير فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي تسبحوا ربكم في الصباح والمساء ، ليكون القلب متصلاً بالله في كل آن ، ثم قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أي إن الذين يبايعونك يا محمد في الحديبية " بيعة الرضوان " إِنما يبايعون في الحقيقة اللهَ ، وهذا تشريفٌ للنبي صلى الله عليه وسلم حيث جعل مبايعته بمنزلة مبايعة الله ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سفيرٌ ومعبِّر عن الله قال المفسرون : المراد بالبيعة هنا بيعة الرضوان بالحديبية ، حين بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت كما روى الشيخان عن سلمة ابن الأكوع أنه قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت " وسميت " بيعة الرضوان " لقول الله فيها { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } [ الفتح : 18 ] { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } قال ابن كثير : أي هو تعالى حاضر معهم ، يسمع أقوالهم ، ويرى مكانهم ، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ، فهو تعالى المبايع بواسطة رسوله صلى لله عليه وسلم وقال الزمخشري : يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يدُ الله ، والمعنى أن من بايع الرسول فقد بايع الله كقوله تعالى { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي فمن نقض البيعة فإِنما يعود ضرر نكثه عليه ، لأنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب بنقضه العهد والميثاق الذي عاهد به ربه { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } أي ومنْ وفَّى بعهده { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي فسيعطيه الله ثواباً جزيلاً ، وهو الجنة دار الأبرار { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } أي سيقول لك يا محمد المنافقون الذين تخلفوا عن الخروج معك عام الحديبية من أعراب المدينة { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } أي شُغلنا عن الخروج معك بالأموال والأولاد ، فاطلب لنا من الله المغفرة ، لأن تخلفنا لم يكن باختيار بل عن اضطرار قال في التسهيل : سمَّاهم تعالى بالمخلَّفين لأنهم تخلَّفوا عن غزوة الحديبية ، - والأعراب هم أهل البوادي من العرب - لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يعتمر ، رأوا أنه يستقبل عدواً كثيراً من قريش وغيرهم فقعدوا عن الخروج معه ، ولم يكن إِيمانهم متمكناً فظنوا أنه لا يرجع هو والمؤمنون من ذلك السفر ، ففضحهم الله في هذه السورة وأعلمَ تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إِليهم ، وأعلمه أنهم كاذبون في اعتذارهم { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } اي يقولون خلاف ما يبطنون وهذا هو النفاق المحض ، فهم كاذبون في الاعتذار وطلب الاستغفار ، لأنهم قالوه رياءً من غير صدقٍ ولا توبة { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } ؟ أي قل لهم : مَن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه ، إِن أراد أن يُلحق بكم أمراً يضركم كالهزيمة ، أو أمراً ينفعكم كالنصر والغنيمة ؟ قال القرطبي : وهذا ردٌ عليهم حين ظنوا ان التخلف عن الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضرُّ ، ويُعجل لهم النفع { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي ليس الأمر كما زعمتم بل الله مطلع على ما في قلوبكم من الكذب والنفاق ، ثم أظهر تعالى ما يخفونه في نفوسهم فقال { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } أي بل ظننتم أيها المنافقون أن محمداً وأصحابه لن يرجعوا إِلى المدينة أبداً { وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ } أي وزُيّن ذلك الضلال في قلوبكم { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } أي ظننتم أنهم يُسْتأصلون بالقتل ، ولا يرجع منهم أحد { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } أي وكنتم قوماً هالكين عند الله ، مستوجبين لسخطه وعقابه { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } لما بيَّن حال المتخلفين عن رسول الله ، وبيَّن حال ظنهم الفاسد ، وأنه يفضي بصاحبه إِلى الكفر ، حرَّضهم على الإِيمان والتوبة على سبيل العموم والمعنى من لم يؤمن بالله ورسوله بطريق الإِخلاص والصدق { فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } أي فإِنَّا هيأنا للكافرين ناراً شديدة مستعرة ، وهو وعيدٌ شديد للمنافقين { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي له جل وعلا جميع ما في السماوات والأرض ، يتصرف في الكل كيف يشاء { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } أي يرحم من يشاء من عباده ويُعذب من يشاء ، وهذا قطع لطمعهم في استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي واسع المغفرة عظيم الرحمة { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } أي سيقول الذين تخلَّفوا عن الخروج مع رسول الله في عمرة الحديبية ، عند ذهابكم إِلى مغانم خيبر لتحصلوا عليها { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } أي اتركونا نخرج معكم إِلى خيبر لنقاتل معكم { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } أي يريدون أن يُغيّروا وعد الله الذي وعده لأهل الحديبية من جعل غنائم خيبر لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد قال القرطبي : إن الله تعالى جعل لأهل الحديبية غنائم خيبر عوضاً عن فتح مكة إِذ رجعوا من الحديبية على صلح { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } أي قل لهم لا تتبعونا فلن يكون لكم فيها نصيب { كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي كذلكم حكم الله تعالى بأن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، ليس لغيرهم فيها نصيب قبل رجوعنا منها { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أي فسيقولون ليس هذا من الله بل هو حسد منكم لنا على مشاركتكم في الغنيمة ، قال تعالى ردّاً عليهم { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يفهمون إِلا فهماً قليلاً وهو حرصهم على الغنائم وأمور الدنيا { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي قل لهؤلاء الذين تخلَّفوا عن الحديبية كرَّر وصفهم بهذا الإِسم إظهاراً لشناعته ومبالغةً في ذمهم - ستُدعون إِلى حرب قوم أشداء ، هم بنو حنيفة - قوم مسيلمة الكذاب - أصحاب الردة { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } أي إِما أن تقتلوهم أو يدخلوا في دينكم بلا قتال { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } أي فإِن تستجيبوا وتخرجوا لقتالهم يعطكم الله الغنيمة والنصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي وإِن تتخلفوا عن الخروج كما تخلفتم زمن الحديبية ، يعذبكم اللهُ عذاباً شديداً مؤلماً في نار جهنم . . ثم ذكر تعالى الأعذار في ترك الجهاد فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } أي ليس على هؤلاء إِثم أو ذنب في ترك الخروج للجهاد لما بهم من الأعذار الظاهرة { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي من يطع أمر الله وأمر الرسول يدخله جنات النعيم خالداً فيها { وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } أي ومن ينكل عن الجهاد لغير عذر يعذبه الله عذاباً شديداً ، في الدنيا بالمذلة وفي الآخرة بالنار .