Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-12)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { يَغُضُّونَ } غضَّ صوته خفضه وخافت به { فَاسِقٌ } الفاسق : الخارج من حدود الشرع ، وهو في أصل الاشتقاق موضوع لما يدل على معنى الخروج ، مأخوذ من قولهم : فسقت الرطبة إِذا خرجت من قشرها ، وسمي فاسقاً لخروجه عن الطاعة { نبأ } النبأ : الخبر الهام قال الراغب : لا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يكون ذا فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن { عَنِتُّمْ } وقعتم في العَنت وهو المشقة والهلاك قال في اللسان : العنت : الهلاك وأعنته أوقعه في الهلكة { ٱلرَّاشِدُونَ } جمع راشد وهو المهتدي إِلى محاسن الأمور { تَفِيۤءَ } ترجع { بَغَتْ } اعتدت واستطالت وأصله مجاوزة الحد في الظلم والطغيان { تَلْمِزُوۤاْ } تعيبوا . سَبَبُ النّزول : أ - روي أن بعض الأعراب الجفاة جاءوا إِلى حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه : يا محمد أُخرج إِلينا ، يا محمد أُخرج إِلينا فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } . ب - وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث " الوليد بن عقبة " إِلى الحارث بن ضرار ليقبض ما كان عنده من الزكاة التي جمعها من قومه ، فلما سار الوليد واقترب منهم خاف وفزع ، فرجع إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله : إِنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة ، فهمَّ بعض الصحابة بالخروج إِليهم وقتالهم فأنزل الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ … } الآية . ج - عن أنس قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت " عبد الله بن أُبيٍّ " - وهو رأس المنافقين - فانطلق إِليه وركب حماراً ، وانطلق معه المسلمون يمشون ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال له : إِليك عني - أي تنحَّ وابتعد عني - فوالله لقد آذاني نتنُ حمارك ، فقال رجل من الأنصار والله لحمارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه ، وغضب للأنصاري آخرون من قومه ، فكان بينهم ضربٌ بالجريد والأيدي والنعال ، فأنزل الله { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا … } الآية . التفسِير : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي يا أيها المؤمنون ، يا من اتصفتم بالإِيمان ، وصدَّقتم بكتاب الله ، لا تُقدموا أمراً أو فعلاً بين يدي الله ورسوله ، وحُذِف المفعول للتعميم ليذهب ذهن السامع إِلى كل ما يمكن تقديمه من قولٍ أو فعل ، كما إِذا عرضت مسألة في مجلسه صلى الله عليه وسلم لا يسبقونه بالجواب ، وإِذا حضر الطعام لا يبتدئون بالأكل ، وإِذا ذهبوا معه إِلى مكان لا يمشون أمامه ونحو ذلك قال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه صلى الله عليه وسلم وقال الضحاك : لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال البيضاوي : المعنى لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكم الله ورسوله به ، وقيل : المراد بين يدي رسول الله ، وذُكر اللهُ تعظيماً له وإِشعاراً بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي واتقوا الله فيما أمركم به ، إِن الله سميعٌ لأقوالكم ، عليمٌ بنياتكم وأحوالكم ، وإِظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والروعة في النفس . . ثم أرشد تعالى المؤمنين إلى وجوب توقير الرسول وإِجلاله واحترامه فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } أي إِذا كلمتم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فاخفضوا أصواتكم ولا ترفعوها على صوتِ النبي { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي ولا تبلغوا حدَّ الجهر عند مخاطبته صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضكم في الحديث مع البعض ، ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضاً فتقولوا : يا محمد ، ولكنْ قولوا يا نبيَّ الله ، ويا رسول الله ، تعظيماً لقدره ، ومراعاةً للأدب قال المفسرون : نزلت في بعض الأعراب الجفاة الذين كانوا ينادون رسول الله باسمه ، ولا يعرفون توقير الرسول الكريم { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي خشية أن تبطل أعمالكم من حيث لا تشعرون ولا تدرون ، فإِن في رفع الصوت والجهر بالكلام في حضرته صلى الله عليه وسلم استخفافاً قد يؤدي إِلى الكفر المحبط للعمل قال ابن كثير : روي " أن ثابت بن قيس كان رفيع الصوت ، فلما نزلت الآية قال : أنا الذي كنتُ أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا من أهل النار ، حبط عملي ، وجلس في أهله حزيناً ، فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إِليه فقالوا له : تفقَّدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك ؟ فقال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم حبط عملي أنا من أهل النار ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بل هو من أهل الجنة " وفي رواية " أترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة ؟ فقال : رضيتُ ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم " { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } أي إِن الذين يخفضون أصواتهم في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الذين أخلص الله قلوبهم للتقوى ومرَّنها عليها وجعلها صفة راسخةً فيها قال ابن كثير : أي أخلصها للتقوى وجعلها أهلا ومحلاً { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي لهم في الآخرة صفحٌ عن ذنوبهم ، وثواب عظيم في جنات النعيم . . ثم ذمَّ تعالى الأعراب الجفاة الذين ما كانوا يتأدبون في ندائهم للرسول صلى الله عليه وسلم فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } أي يدعونك من وراء الحجرات ، منازِل أزواجك الطاهرات { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي أكثر هؤلاء غير عقلاء ، إذ العقل يقتضي حسن الأدب ، ومراعاة العظماء عند خطابهم ، سيّما لمن كان بهذا المنصب الخطير قال البيضاوي : قيل إِن الذي ناداه " عُيينة بن حُصين " و " الأقرع بن حابس " وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد أخرج إِلينا { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي ولو أنَّ هؤلاء المنادين لم يزعجوا الرسول صلى الله عليه وسلم بمناداتهم وصبروا حتى يخرج إِليهم لكان ذلك الصبر خيراً لهم وأفضل عند الله وعند الناس ، لما فيه من مراعاة الأدب في مقام النبوة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي الغفور لذنوب العباد ، الرحيم بالمؤمنين حيث اقتصر على نصحهم وتقريعهم ، ولم يُنزل العقاب بهم … ثم حذَّر تعالى من الاستماع للأخبار بغير تثبت فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } أي إِذا أتاكم رجل فاسق - غير موثوق بصدقه وعدالته - بخبرٍ من الأخبار { فَتَبَيَّنُوۤاْ } أي فتثبتوا من صحة الخبر { أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } أي لئلا تصيبوا قوماً وأنتم جاهلون حقيقة الأمر { فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } أي فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي واعلموا - أيها المؤمنون - أنَّ بينكم الرسول المعظَّم ، والنبيُّ المكرم ، المعصوم عن اتباع الهوى { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } أي لو يسمع وشاياتكم ، ويصغي بسمعه لإِرادتكم ، ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه من الأمور ، لوقعتم في الجهد والهلاك قال ابن كثير : أي اعلموا أنَّ بين أظهركم رسول الله فعظّموه ووقروه ، فإِنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم ، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدَّى ذلك إلى عنتكم وحرجكم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ } أي ولكنه تعالى - بمنّه وفضله - نوَّر بصائركم فحبَّب إِلى نفوسكم الإِيمان { وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي وحسَّنه في قلوبكم ، حتى أصبح أغلى عندكم من كل شيء { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } أي وبغَّض إِلى نفوسكم أنواع الضلال ، من الكفر والمعاصي والخروج عن طاعة الله قال ابن كثير : والمراد بالفسوق الذنوبُ الكبار ، وبالعصيان جميع المعاصي { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } أي أولئك المتصفون بالنعوت الجليلة هم المهتدون ، الراشدون في سيرتهم وسلوكهم ، والجملة تفيد الحصر أي هم الراشدون لا غيرهم { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } أي هذا العطاء تفضلٌ منه تعالى عليكم وإِنعام { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليمٌ بمن يستحق الهداية ، حكيم في خلقه وصنعه وتدبيره . . ثم عقَّب تعالى على ما يترتب على سماع الأنباء المكذوبة من تخاصم وتباغضٍ وتقاتل فقال { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } أي وإِنْ حدث أنَّ فئتين وجماعتين من إِخوانكم المؤمنين جنحوا إِلى القتال فأصلحوا بينهما ، واسعوا جهدكم للإِصلاح بينهما ، والجمعُ { ٱقْتَتَلُواْ } باعتبار المعنى ، والتثنية { بَيْنَهُمَا } باعتبار اللفظ { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } أي فإِن بغت إحداهما على الأخرى ، وتجاوزت حدَّها بالظلم والطغيان ، ولم تقبل الصلح وصمَّمت على البغي { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي فقاتلوا الفئة الباغية حتى ترجع إِلى حكم الله وشرعه ، وتُقلع عن البغي والعدوان ، وتعمل بمقتضى أخوة الإِسلام { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ } أي فإِن رجعت وكفَّت عن القتال فأصلحوا بينهما بالعدل ، دون حيفٍ على إِحدى الفئتين ، واعدلوا في جميع أموركم { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } أي يحبُّ العادلين الذين لا يجورون في أحكامهم قال البيضاوي : والآية نزلت في قتالٍ حدث بين " الأوس " و " الخزرج " في عهده صلى الله عليه وسلم كان فيه ضرب بالسَّعف والنعال ، وهي تدلُّ على أن الباغي مؤمن ، وأنه إِذا كفَّ عن الحرب ترك ، وأنه يجب تقديم النصح والسعي في المصالحة { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أي ليس المؤمنون إِلا إخوة ، جمعتهم رابطة الإِيمان ، فلا ينبغي أن تكون بينهم عداوة ولا شحناء ، ولا تباغضٌ ولا تقاتل قال المفسرون : { إِنَّمَا } للحصر فكأنه يقول : لا أخوَّة إلا بين المؤمنين ، ولا أخوة بين مؤمن وكافر ، وفي الآية إشارة إلى أنَّ أخوة الإِسلام أقوى من أخوَّة النسب ، بحيث لا تعتبر أخوَّة النسب إِذا خلت عن أخوة الإِسلام { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } أي فأصلحوا بين إِخوانكم المؤمنين ، ولا تتركوا الفرقة تدبُّ ، والبغضاء تعمل عملها { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، لتنالكم رحمته ، وتسعدوا بجنته ومرضاته { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي يا معشر المؤمنين ، يا من اتصفتم بالإِيمان ، وصدَّقتم بكتاب الله وبرسوله ، لا يهزأ جماعة بجماعة ، ولا يسخر أحد من أحد ، فقد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر ، وربَّ أشعث أغبر ذو طمرين لو أقسم على الله لأبرَّه { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } أي ولا يسخر نساء من نساء فعسى أن تكون المحتقر منها خيراً عند الله وأفضل من الساخرة { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } أي ولا يعب بعضكم بعضاً ، ولا يدع بعضكم بعضاً بلقب السوء ، وإِنما قال { أَنفُسَكُمْ } لأن المسلمين كأنهم نفسٌ واحدة { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ } أي بئس أن يسمى الإِنسان فاسقاً بعد أن صار مؤمناً قال البيضاوي : وفي الآية دلالة على أن التنابز فسقٌ ، والجمع بينه وبين الإِيمان مستقبح { وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } أي ومن لم يتبْ عن اللَّمز والتنابز فأولئك هم الظالمون بتعريض أنفسهم للعذاب { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ } أي ابتعدوا عن التهمة والتخون وإِساءة الظنِّ بالأهل والناس ، وعبَّر بالكثير ليحتاط الإِنسان في كل ظنٍّ ولا يسارع فيه بل يتأملُ ويتحقَّق { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ } أي إِنَّ في بعض الظنِّ إِثم وذنب يستحق صاحبه العقوبة عليه قال عمر رضي الله عنه : " لا تظُنَّنَّ بكلمةٍ خرجت من أخيكَ المؤمنِ إِلا خيراً ، وأنت تجدُ لها في الخير محملاً " { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوا معايبهم { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } أي لا يذكر بعضكم بعضاً بالسوء في غيبته بما يكرهه { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } تمثيلٌ لشناعة الغيبة وقبحها بما لا مزيد عليه من التقبيح أي هل يحب الواحد منكم أن يأكل لحم أخيه المسلم وهو ميت ؟ { فَكَرِهْتُمُوهُ } أي فكما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا الغيبة شرعاً ، فإِن عقوبتها أشدُّ من هذا . . شبَّه تعالى الغيبة بأكل لحم الأخ حال كونه ميتاً ، وإِذا كان الإِنسان يكره لحم الإِنسان - فضلاً عن كونه أخاً ، وفضلاً عن كونه ميتاً وجب عليه أن يكره الغيبة بمثل هذه الكراهة أو أشد { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا الله واحذروا عقابه ، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } أي إِنه تعالى كثير التوبة ، عظيم الرحمة ، لمن اتقى اللهَ وتاب وأناب ، وفيه حثٌ على التوبة ، وترغيبٌ بالمساعة إِلى الندم والاعتراف بالخطأ لئلا يقنط الإِنسان من رحمة الله .