Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 1-22)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { مَّرِيجٍ } مختلط قال ابن قتيبة : مرج الأمر ومرج الدين اختلط ، وأصله أن يقلق الشيء ولا يستقر يقال : مرج الخاتم في يدي إِذا قلق للهزال { فُرُوجٍ } شقوق وصدوع جمع فرج وهو الشقُّ { بَاسِقَاتٍ } طوال بسق الشيء بُسوقاً إِذا طال { نَّضِيدٌ } متراكب بعضه فوق بعض { لَبْسٍ } حيرة وشك واضطراب { عَيِينَا } عجزنا يقال : عيي به يعيا أي عجز عنه { رَقِيبٌ } حافظ شاهد على أعمال الإِنسان { عَتِيدٌ } حاضر مهيأ قال الجوهري : العتيد الشيء الحاضر المهيأ ومنه { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } [ يوسف : 31 ] وفرسٌ عتد معدٌّ للجري { حَدِيدٌ } حادٌّ نافذ . التفسِير : { قۤ } الحروف المقطعة للتنبيه على إِعجاز القرآن ، وللإِشارة إِلى أن هذا الكتاب المعجز منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } قسمٌ حذف جوابه أي أقسم بالقرآن الكريم ، ذي المجد والشرف على سائر الكتب السماوية لتبعثنَّ بعد الموت قال ابن كثير : وجواب القسم محذوف وهو مضمون الكلام بعده وهو إِثبات النبوة ، وإِثبات المعاد وتقديره إِنك يا محمد لرسول وانَّ البعث لحق ، وهذا كثير في القرآن وقال أبو حيان : والقرآنُ مقسم به ، والمجيد صفته وهو الشريف على غيره من الكتب ، والجواب محذوفٌ يدل عليه ما بعده تقديره : لقد جئتهم منذراً بالبعث فلم يقبلوا { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } أي تعجب المشركون من إِرسال رسول إِليهم من البشر يخوفهم من عذاب الله { فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أي فقال كفار مكة : هذا شيءٌ في منتهى الغرابة والعجب والإِظهار في موضع الإِضمار لتسجيل جريمة الكفر عليهم ، والآية إِنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ، فإِنهم قد عرفوا صدق الرسول وأمانته ونصحه ، فكان الواجب عليهم أن يسارعوا إِلى الإِيمان لا أن يعجبوا ويستهزئوا ، ثم أخبر تعالى عن وجه تعجبهم فقال { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } أي أئذا متنا واستحالت أجسادنا إِلى تراب هل سنحيا ونرجع كما كنَّا ؟ { ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } أي ذلك رجوع بعيد غاية البعد ، مستحيل حصوله { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ } أي قد علمنا ما تنقصه الأرض من أجسادهم ، وما تأكله من لحومهم وأشعارهم ودمائهم إِذا ماتوا ، فلا يضل عنا شيءٌ حتى تتعذَّر علينا الإِعادة { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } أي ومع علمنا الواسع عندنا كتاب حافظ لعددهم وأسمائهم وما تأكله الأرض منهم ، وهو اللوح المحفوظ الذي يحصي تفصيل كل شيء { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } إِضراب إِلى ما هو أفظع وأشنع من التعجب وهو التكذيب بالقرآن العظيم أي كذبوا بالقرآن حين جاءهم ، مع سطوع آياته ، ووضوح بيانه { فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أي فهم في أمرٍ مختلط مضطرب ، فتارة يقولون عن الرسول إِنه ساحر ، وتارةً يقولون إِنه شاعر ، وتارة يقولون إِنه كاهن ، وهكذا قالوا أيضاً عن القرآن إِنه سحر ، أو شعر ، أو أساطير الأولين إِلى غير ذلك . . ثم ذكر تعالى دلائل القدرة والوحدانية الدالة على عظمة رب العالمين فقال { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ } أي أفلم ينظروا نظر تفكر واعتبار ، إِلى السماء في ارتفاعها وإِحكامها ، فيعلموا أن القادر على إِيجادها قادر على إِعادة الإِنسان بعد موته ؟ { كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا } أي كيف رفعناها بلا عمد وزيناها بالنجوم { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } أي ما لها من شقوق وصدوع { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } أي والأرض بسطناها ووسعناها { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } أي وجعلنا فيها جبالاً ثوابت تمنعها من الاضطراب بسكانها { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي وأنبتنا فيها من كل نوعٍ من النبات حسن المنظر ، يبهج ويسر الناظر إِليه { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي فعلنا ذلك تبصيراً منا وتذكيراً عن كمال قدرتنا ، لكل عبد راجع إِلى الله متفكر في بديع مخلوقاته { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً } أي ونزلنا من السحاب ماءً كثير المنافع والبركة { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } أي فأخرجنا بهذا الماء البساتين الناضرة ، والأشجار المثمرة ، وحبَّ الزرع المحصود ، كالحنطة والشعير وسائر الحبوب التي تحصد { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } أي وأخرجنا شجر النخيل طوالاً مستويات { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } أي لها طلعٌ منضود ، منظمٌ بعضه فوق بعض ، قال أبو حيان : يريد كثرة الطلع وتراكمه وكثرة ما فيه من الثمر ، وأول ظهور الثمر يكون منضَّداً كحب الرمان ، فما دام ملتصقاً بعضه ببعض فهو نضيد ، فإِذا خرج من أكمامه فليس بنضيد { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ } أي أنبتنا كل ذلك رزقاً للخلق لينتفعوا به { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } أي وأحيينا بذلك الماء أرضاً جدبة لا ماء فيها ولا زرع فأنبتنا فيها الكلأ والعشب { كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } أي كما أحييناها بعد موتها كذلك نخرجكم أحياء بعد موتكم قال ابن كثير : وهذه الأرض الميتة كانت هامدة ، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها ، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء ، فهذا مثال للبعث بعد الموت ، فكما أحيا الله الأرض الميتة كذلك يحيي الله الموتى … ثم ذكَّر تعالى كفار مكة بما حلَّ بمن سبقهم من المكذبين إِنذاراً لهم وإِعذاراً فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } أي كذَّب قبل هؤلاء الكفار قوم نوح { وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ } أي وأصحاب البئر وهم بقية من ثمود رسُّوا نبيَّهم فيها أي دسُّوه فيها { وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ } سمَّاهم إِخوانه لأنه صاهرهم وتزوج منهم { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ } أي وأصحاب الشجر الكثير الملتف وهم قوم شعيب ، نُسبوا إِلى الأيكه لأنهم كانت تحيط به البساتين والأشجار الكثيرة ، الملتف بعضُها على بعض { وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } قال المفسرون : هو ملكٌ كان باليمن أسلم ودعا قومه إِلى الإِسلام فكذبوه وهو تُبَّع اليماني { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } أي جميع هؤلاء المذكورين كذبوا رسولهم قال ابن كثير : وإِنما جمع الرسل لأن من كذب رسولاً فإِنما كذب جميع الرسل كقوله تعالى { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الشعرا : 105 ] { فَحَقَّ وَعِيدِ } أي فوجب عليهم وعيدي وعقابي ، والآية تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفرة المجرمين { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } أي أفعجزنا عن ابتداء الخلق حتى نعجز عن إِعادتهم بعد الموت ؟ قال القرطبي : وهو توبيخٌ لمنكري البعث ، وجوابٌ لقولهم { ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } ومراده أن ابتداء الخلق لم يعجزنا ، والإِعادةُ أسهلُ منه فكيف يُتوهم عجزنا عن البعث والإِعادة { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي بل هم في خلطٍ وشبهةٍ وحيرة من البعث والنشور قال الألوسي : وإِنما نكَّر الخلق ووصف بجديد ، ولم يقل : من الخلق الثاني تنبيهاً على استبعادهم له وأنه خلق عظيم يجب أن يهتم بشأنه فله نبأ عظيم ثم نبه تعالى على سعة علمه وكمال قدرته فقال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } أي خلقنا جنس الإِنسان ونعلم ما يجول في قلبه وخاطره ، لا يخفى علينا شيء من خفاياه ونواياه { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } أي ونحن أقرب إِليه من حبل وريده ، وهو عرق كبير في العنق متصل بالقلب قال أبو حيان : ونحن أقرب إِليه قرب علم ، نعلم به وبأحواله لا يخفى علينا شيء من خفياته ، فكأن ذاته تعالى قريبة منه ، وهو تمثيل لفرط القرب كقول العرب : هو مني معقد الإِزار وقال ابن كثير : المراد ملائكتنا أقرب إِلى الإِنسان من حبل وريده إِليه ، والحلول والاتحاد منفيان بالإِجماع تعالى الله وتقدَّس ، وهذا كما قال في المحتضر { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } [ الواقعة : 85 ] يريد به الملائكة ، ويدل عليه قوله بعده { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } أي حين يتلقى الملكان الموكلان بالإِنسان ، ملك عن يمينه يكتب الحسنات ، وملك عن شماله يكتب السيئات ، وفي الكلام حذفٌ تقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال مجاهد : وكَّل الله بالإِنسان - مع علمه بأحواله - ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره إِلزاماً للحجة ، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات ، والآخر عن شماله يكتب السيئات فذلك قوله تعالى { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } وقال الألوسي : والمراد أنه سبحانه أعلم بحال الإِنسان من كل رقيب ، حين يتلقى المتلقيان الحفيظان ما يتلفظ به ، وفيه إِيذانٌ بأنه عز وجل غنيٌّ عن استحفاظ الملكين ، فإِنه تعالى أعلم منهما ومطَّلع على ما يخفى عليهما ، لكنْ الحكمة اقتضت كتابة الملكين لعرض صحائفهما يوم يقوم الأشهاد ، فإِذا علم العبد ذلك - مع علمه بإِحاطة الله تعالى بعلمه - ازداد رغبةً في الحسنات ، وانتهاءً عن السيئات { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } أي ما يتلفظ كلمةً من خيرٍ أو شر ، إِلا وعنده ملك يرقب قوله ويكتبه { عَتِيدٌ } أي حاضر معه أينما كان مهيأٌ لكتابة ما أُمر به قال ابن عباس : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر وقال الحسن : فإِذا مات ابن آدم طويت صحيفته وقيل له يوم القيامة { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإِسراء : 14 ] { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } أي وجاءت غمرة الموت وشدته التي تغشى الإِنسان وتغلب على عقله ، بالأمر الحق من أهوال الآخرة حتى يراها المنكر لها عياناً { ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه وتهرب منه وتفزع وفي الحديث عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول : " سبحان الله إنَّ للموت لسكرات " { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } أي ونفخ في الصور نفخة البعث ذلك هو اليوم الذي وعد الله الكفار به بالعذاب { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } أي وجاء كل إِنسان براً كان أو فاجراً ومعه ملكان : أحدهما يسوقه إِلى المحشر ، والآخر يشهد عليه بعمله قال ابن عباس : السائق من الملائكة ، والشهيد من أنفسهم وهي الأَيدي والأرجل { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان ، ملكٌ يسوقه وملك يشهد عليه { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } أي لقد كنت أيها الإِنسان في غفلةٍ من هذا اليوم العصيب { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } أي فأزلنا عنك الحجاب الذي كان على قلبك وسمعك وبصرك في الدنيا { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي فبصَرك اليوم قويٌّ نافذ ، ترى به ما كان محجوباً عنك لزوال الموانع بالكلية .