Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-28)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { رَقٍّ } الرَّق بالفتح والكسر جلد رقيق يكتب فيه وقال أبو عبيدة : الرقُّ الورق وفي الصحاح : الرقُّ بالفتح ما يكتب فيه وهو جلد رقيق { ٱلْمَسْجُورِ } الموقد ناراً يقال : سجرت النار أي أوقدتها { تَمُورُ } مار الشيء يمور موراً إِذ تحرك واضطرب ، وجاء وذهب ، قال جرير : @ وما زالت القتلى تمور دماؤها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل @@ { يُدَعُّونَ } يدفعون بشدة وعنف ، والدَّع : الدفع بشدة وإِهانة { أَلَتْنَاهُمْ } أنقصناهم { رَهَينٌ } محبوس { ٱلسَّمُومِ } الريح الحارة النافذة في المسام التفسِير : { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } أقسم تعالى بجبل الطور الذي كلَّم الله عليه موسى ، وأقسم بالكتاب الذي أنزله على خاتم رسله وهو القرآن العظيم المكتوب { فِي رَقٍّ } أي في أديمٍ من الجلد الرقيق { مَّنْشُورٍ } أي مبسوط غير مطوي وغير مختوم عليه قال القرطبي : أقسم الله تعالى بالطور - وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى - تشريفاً له وتكريماً ، وتذكيراً لما فيه من الآيات ، وأقسم بالكتاب المسطور أي المكتوب وهو القرآن يقرأه المؤمنون من المصاحف ، ويقرأه الملائكة من اللوح المحفوظ ، وقيل يعني بالكتاب سائر الكتب المنزلة على الأنبياء لأن كل كتاب في رقٍّ ينشره أهله لقراءته ، والرقُّ ما رُقّق من الجلد ليكتب فيه { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } أي وأُقسم بالبيت المعمور الذي تطوف به الملائكة الأبرار ، وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض ، وفي حديث الإِسراء " ثم رفع إِليَّ البيت المعمور ، فقلت يا جبريل ما هذا ؟ قال : هذا البيت المعمور ، يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك ، إِذا خرجوا منه لم يعودوا إِليه آخر ما عليهم " وقال ابن عباس : هو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة - أي مقابلها وحذاءها - تعمره الملائكة ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إِليه { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } أي والسماء العالية المرتفعة ، الواقفة بقدرة الله بلا عمد ، سمَّى السماء سقفاً لأنها للأرض كالسقف للبيت ودليله { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } [ الأنبياء : 32 ] وقال ابن عباس : هو العرش وهو سقف الجنة { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } أي والبحر المسجور الموقد ناراً يوم القيامة كقوله { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [ التكوير : 6 ] أي أضرمت حتى تصير ناراً ملتهبة تتأجج تحيط بأهل الموقف { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } هذا جواب القسم أي إِن عذاب الله لنازل بالكافرين لا محالة قال ابن الجوزي : أقسم تعالى بهذه الأشياء الخمسة للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن عذاب المشركين حق { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } أي ليس له دافع يدفعه عنهم قال أبو حيان : والواو الأولى للقسم وما بعدها للعطف ، والجملة المقسم عليها هي { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } وفي إِضافة العذاب للرب لطيفة إِذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد ، فإِضافته إِلى الرب وإِضافته لكاف الخطاب أمانٌ له صلى الله عليه وسلم وأن العذاب واقع بمن كذبه ، ولفظ واقع أشد من كائن ، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حلَّ به { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } أي تتحرك السماء وتضطرب اضطراباً شديداً من هول ذلك اليوم { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } أي تنسف نسفاً عن وجه الأرض فتكون هباءً منثوراً كقوله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] قال الخازن : والحكمة في مور السماء وسير الجبال ، الإِنذارُ والإِعلام بأن لا رجوع ولا عود إِلى الدنيا ، وذلك لأن الأرض والسماء وما بينهما من الجبال والبحار وغير ذلك إِنما خلقت لعمارة الدنيا وانتفاع بني آدم بذلك ، فلما لم يبق لهم عودٌ إِليها أزالها الله تعالى وذلك لخراب الدنيا وعمارة الآخرة { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي هلاك ودمار وشدة عذاب للمكذبين أرسلَ الله في ذلك اليوم الرهيب { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي الذين هم في الدنيا يخوضون في الباطل غافلون ساهون عما يراد بهم { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } أي يوم يُدفعون إِلى نار جهنم دفعاً بشدة وعنف قال في البحر : وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إِلى أعناقهم ، ويجمعون نواصيهم إِلى أقدامهم ، ويدفعون بهم دفعاً إِلى النار على وجوههم وزجاً في أقفيتهم حتى يردوا إِلى النار ، فإِذا دنوا منها قال لهم خزنتها { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } أي هذه نار جهنم التي كنتم تهزءون وتكذبون بها في الدنيا { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } أي وتقول لهم الزبانية تقريعاً وتوبيخاً : هل هذا الذي ترونه بأعينكم من العذاب سحرٌ ، أم أنتم اليوم عميٌ كما كنتم في الدنيا عمياً عن الخير والإِيمان ؟ قال أبو السعود : وقوله تعالى { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } توبيخ لهم وتقريع حيث كانوا يسمون القرآن الناطق بالحق سحراً فكأنه قيل لهم : كنتم تقولون عن القرآن إِنه سحر أفهذا العذاب أيضاً سحر أم سُدَّت أبصاركم كما سدَّت في الدنيا ؟ { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } أي قاسوا شدتها فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا ، وهو توبيخ آخر { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } أي يتساوى عليكم الصبر والجزع لأنكم مخلدون في جهنم أبداً { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي إِنما تنالون جزاء أعمالكم القبيحة من الكفر والتكذيب ، ولا يظلم ربك أحداً … ولما ذكر حال الكفرة الأشقياء ذكر حال المؤمنين السعداء على عادة القرآن الكريم في الجمع بين الترهيب والترغيب فقال { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } أي إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، هم في الآخرة في بساتين عظيمة ونعيم مقيم خالد { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أي متنعمين ومتلذذين بما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة وأصناف الملاذ من مآكل ومشارب ، وملابس ومراكب ، وغير ذلك من ملاذ الجنة { وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أي وقد نجاهم ربهم من عذاب جهنم وصرف عنهم أهوالها قال ابن كثير : وتلك نعمة مستقلة بذاتها مع ما أضيف إِليها من دخول الجنة ، التي فيها من السرور ما لا عينٌ رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يقال لهم : كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً ، لا تنغيص فيه ولا كدر ، بسبب ما قدمتم من صالح الأعمال . . ثم أخبر تعالى عن حالهم عند أكلهم وشربهم فقال { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } أي جالسين على هيئة المضطجع على سرر من ذهب مكلَّلة بالدر والياقوت ، مصطفة بعضها إِلى جانب بعض ، قال ابن كثير : { مَّصْفُوفَةٍ } أي وجوه بعضهم إِلى بعض كقوله { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [ الحجر : 47 ] وفي الحديث " إن الرجل ليتكىء المتكأ مقدار أربعين سنةً ما يتحول عنه ولا يملُّه ، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه " { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } أي وجعلنا لهم قرينات صالحات ، وزوجات حساناً من الحور العين ، وهنَّ نساء بيض واسعات العيون - من الحَوَر وهو شدة البياض ، والعينُ جمع عيناء وهي كبيرة العين - والبياضُ مع سعة العين نهاية الحسن والجمال { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } أي كانوا مؤمنين وشاركهم أولادهم في الإِيمان { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } أي ألحقنا الأبناء بالآباء لتقرَّبهم أعينهم وإِن لم يبلغوا عملهم قال ابن عباس : إِن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كان لم يبلغها بعمله لتقرَّبهم عينه وتلا الآية قال الزمخشري : فيجمع الله لأهل الجنة أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم ، وبمزاوجة الحور العين ، وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين ، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } أي وما نقصنا الآباء من ثواب عملهم شيئاً قال في البحر : المعنى أنه تعالى يُلحق المقصِّر بالمحسن ولا ينقص المحسن من أجره شيئاً { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } أي كل إِنسان مرتهن بعمله لا يُحمل عليه ذنب غيره سواء كان أباً أو إِبناً وقال ابن عباس : ارتهن أهل جهنم بأعمالهم ، وصار أهل الجنة إِلى نعيمهم وقال الخازن : المراد بالآية الكافر أي كل كافر بما عمل من الشرك مرتهن بعمله في النار ، والمؤمن لا يكون مرتهناً بعمله لقوله تعالى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } [ المدثر : 38 - 39 ] … ثم ذكر ما وعدهم به من الفضل والنعمة فقال { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } أي وزدناهم - فوق ما لهم من النعيم - بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويُشتهى { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أي يتعاطون في الجنة كأساً من الخمر ، يتجاذبها بعضهم من بعض تلذذاً وتأنساً قال الألوسي : أي يتجاذبونها تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامى في الدنيا لشدة سرورهم { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي لا يقع بينهم بسبب شربها هذيان حتى يتكلموا بساقط الكلام ، ولا يلحقهم إِثم كما يلحق شارب الخمر في الدنيا قال قتادة : نزّه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها ، فنفى عنها صُداع الرأس ، ووجع البطن ، وإِزالة العقل ، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام الفارغ الذي لا فائدة فيه ، المتضمن للهذيان والفحش ، ووصفها بحسن منظرها وطيب طعمها ، فقال { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [ الصافات : 46 - 47 ] ثم قال تعالى { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } أي ويطوف عليهم للخدمة غلمان مماليك خصصهم تعالى لخدمتهم { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } أي كأنهم في الحسن ، والبياض ، والصفاء اللؤلؤ المصون في الصدف قال القرطبي : وهؤلاء الغلمان قيل هم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة ، وليس في الجنة نصب ولا حاجة إِلى خدمة ، ولكنه أخبر بأنهم على غاية النعيم { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } أي أقبل أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا ، تلذذاً بالحديث ، واعترافاً بالنعمة { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } أي قال المسئولون : إِنا كنا في دار الدنيا خائفين من ربنا ، مشفقين من عذابه وعقابه { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } أي فأكرمنا الله بالمغفرة والجنة ، وأجارنا مما نخاف ، وحمانا من عذاب جهنم النافذة في المسام نفوذ الريح الحارة الشديدة وهي التي تسمى { ٱلسَّمُومِ } قال الفخر الرازي : والآية إِشارة إِلى أن أهل الجنة يعلمون ما جرى عليهم في الدنيا ويذكرونه ، وكذلك الكافر لا ينسى ما كان له من النعيم في الدنيا ، فتزداد لذة المؤمن حيث يرى نفسه انتقلت من الضيق إِلى السعة ، ومن السجن إِلى الجنة ، ويزداد الكافر ألماًَ حيث يرى نفسه انتقلت من النعيم إِلى الجحيم { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ } أي قال أهل الجنة : إِنا كنا في الدنيا نعبد الله ونتضرع إِليه ، فاستجاب الله لنا فأعطانا سؤلنا { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } أي إِنه تعالى هو المحسن ، المتفضل على عباده بالرحمة والغفران ، وهو كالتعليل لما سبق ، عن مسروق أن عائشة رضي الله تعالى عنها قرأت هذه الآية { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } فقالت : اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم إِنك أنت البر الرحيم .