Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 33-55)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى المكذبين من قوم " عاد وثمود " ذكر هنا قوم لوط وقوم فرعون وما حل بهم من العذاب والدمار ، تذكيراً لكفار مكة بانتقام الله من أعدائه وأعداء رسله ، وختم السورة الكريمة ببيان سنة الله في عقاب الكفرة المجرمين . اللغَة : { حَاصِباً } الحاصب : الحجارة وقيل : هي الريح الشديد التي تثير الحصباء وهي الحصى { بَطْشاً } عقابنا الشديد { ٱلزُّبُرِ } الكتب السماوية جمع زبور وهو الكتاب الإِلهي { أَدْهَىٰ } أفظع من الداهية وهي الأمر المنكر العظيم { سُعُرٍ } خسرانٍ وجنون { سَقَرَ } اسم من أسماء جهنم أعاذنا الله منها . سَبَبُ النّزول : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء مشركوا قريشٍ يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . التفسِير : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } أي كذبوا بالإِنذارات التي أنذرهم بها نبيهم لوط عليه السلام { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } أي أرسلنا عليهم حجارة قذفوا بها من السماء قال ابن كثير : أمر تعالى جبريل فحمل مدائنهم حتى وصل بها إِلى عنان السماء ، ثم قلبها عليهم وأرسلها وأُتبعت بحجارةٍ من سجيلٍ منضود ، والحاصب هي الحجارة { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } أي غير لوطٍ وأتباعه المؤمنين { نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } أي نجيناهم من الهلاك قُبيل الصبح وقت السَّحر { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أي إِنعاماً منَّا عليهم نجيناهم من العذاب { كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } أي مثل ذلك الجزاء الكريم ، نجزي من شكر نعمتنا بالإِيمان والطاعة { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا } أي ولقد خوفهم لوط عقوبتنا الشديدة ، وانتقامنا منهم بالعذاب { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } أي فتشككوا وكذبوا بالإِنذار والوعيد { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } أي طلبوا منه أن يسلّم لهم أضيافه وهم الملائكة ليفجروا بهم بطريق اللواطة { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } أي أعمينا أعينهم وأزلنا أثرها حتى فقدوا أبصارهم قال المفسرون : لما جاءت الملائكة إِلى لوط في صورة شبابٍ مردٍ حسان ، أضافهم لوط عليه السلام ، فجاء قومه يُهرعون إِليه لقصد الفاحشة بهم ، فأغلق لوط دونهم الباب ، فجعلوا يحاولون كسر الباب ، فخرج عليهم جبريل فضرب أعينهم بطرف جناحه فانطمست أعينهم وعموا { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي فذوقوا عذابي وإِنذاري الذي أنذركم به لوط { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } أي جاءهم وقت الصبح عذابٌ دائم متصل بعذاب الآخرة قال الصاوي : وذلك أن جبريل قلع بلادهم فرفعها ثم قلبها بهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل ، واتصل عذاب الدنيا بعذاب الآخرة فلا يزول عنهم حتى يصلوا إِلى النار { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي فذوقوا أيها المجرمون عذابي الأليم ، وإِنذاري لكم على لسان رسولي { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } أي ولقد يسرنا القرآن للحفظ والتدبر فهل من متعظٍ ومعتبر ؟ قال المفسرون : حكمة تكرار ذلك في كل قصة ، التنبيهُ على الاتعاظ والتدبر في أنباء الغابرين ، وللإِشارة إِلى أن تكذيب كل رسولٍ مقتضٍ لنزول العذاب كما كرر قوله { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] تقريراً للنعم المختلفة المعدودة ، فكلما ذكر نعمةً وبَّخ على التكذيب بها { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } أي جاء فرعون وقومه الإِنذارات المتكررة فلم يعتبروا قال أبو السعود : صُدّرت قصتهم بالقسم المؤكد لإِبراز كمال الاعتناء بشأنها ، لغاية عظم ما فيها من الآيات وكثرتها ، وهول ما لاقوه من العذاب ، وفرعون رأس الطغيان { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا } أي كذَّبوا بالمعجزات التسع التي أعطيها موسى { فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } أي فانتقمنا منهم بإِغراقهم في البحر ، وأخذناهم بالعذاب أخذ إِلهٍ غالب في انتقامه ، قادرٍ على إِهلاكهم لا يعجزه شيء … ثم خوَّف تعالى كفار مكة فقال { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } ؟ الاستفهام إِنكاري للتقريع والتوبيخ أي أكفاركم يا معشر العرب خيرٌ من أولئكم الكفار الذين أحللت بهم نقمتي مثل قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم فرعون ، حتَّى لا أعذبهم ؟ قال القرطبي : استفهام إنكار ومعناه النفي أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } أي أم لكم يا كفار قريش براءة من العذاب في الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء ؟ { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي بل أيقولون نحن جمعٌ كثير ، واثقون بكثرتنا وقوتنا ، منتصرون على محمد ؟ قال تعالى رداً عليهم { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } أي سيهزم جمع المشركين ويولون الأدبار منهزمين قال ابن الجوزي : وهذا مما أخبر الله به نبيه من علم الغيب ، فكانت الهزيمةُ يوم بدر { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } أي ليس هذا تمام عقابهم بل القيامة موعد عذابهم { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي أعظم داهيةً وأشدُّ مرارةً من القتل والأسر { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أي إِن المجرمين في حيرةٍ وتخبطٍ في الدنيا ، وفي نيرانٍ مسعَّرة في الآخرة قال ابن عباس : في خسرانٍ وجنون { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } أي يوم يُجرُّون في النار على وجوههم عقاباً وإِذلالاً لهم { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي يقال لهم : ذوقوا أيها المكذبون عذاب جهنم قال أبو السعود : وسقر علمٌ لجهنم ولذلك لم يُصرف { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أي إِنا خلقنا كل شيءٍ مقدَّراً مكتوباً في اللوح المحفوظ من الأزل { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } أي وما شأننا في الخلق والإِيجاد إِلا مرة واحدة كلمح البصر في السرعة نقول للشيء : كن فيكون قال ابن كثير : أي إِنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إِلى تأكيد بثانية ، فيكون ذلك موجوداً كلمح البصر لا يتأخر طرفة عين { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ } أي ووالله لقد أهلكنا أشباهكم ونظراءكم في الكفر والضلال من الأمم السالفة { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أي فهل من يتذكر ويتعظ ؟ { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } أي وجميع ما فعلته الامم المكذبة من خير وشر مكتوب عليهم ، مسجل في كتب الحفظة التي بأيدي الملائكة قال ابن زيد : { فِي ٱلزُّبُرِ } أي في دواوين الحفظة { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } أي وكل صغيرٍ وكبير من الأعمال مسطورٌ في اللوح المحفوظ ، مثبتٌ فيه { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي في جنات وأنهار قال القرطبي : يعني أنهار الماء ، والخمر ، والعسل ، واللبن { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي في مكانٍ مرضيٍ ، ومقام حسن { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أي عند ربٍ عظيم جليل ، قادرٍ في ملكه وسلطانه ، لا يعجزه شيء ، وهو الله رب العالمين . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - الاستعارة التمثيلية { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ } [ القمر : 11 ] شبه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت بها أبواب السماء ، وانشق بها أديم الخضراء بطريق الاستعارة التمثيلية . 2 - جناس الاشتقاق { يَدْعُ ٱلدَّاعِ } . 3 - الكناية { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } [ القمر : 13 ] كناية عن السفينة التي تحوي الأخشاب والمسامير . 4 - التشبيه المرسل والمجمل { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] ومثله { فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [ القمر : 31 ] . 5 - صيغة المبالغة { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } [ القمر : 25 ] أي كثير الكذب عظيم البطر لأن فعَّال وفعل للمبالغة . 6 - الإطناب بتكرار اللفظ { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ } لزيادة التخويف والتهويل . 7 - المقابلة بين المجرمين والمتقين { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } و { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } . 8 - الطباق بين { صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ } . 9 - السجع المرصَّع غير المتكلف الذي يزيد في جمال اللفظ وموسيقاه إقرأ مثلاً قوله تعالى { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } الخ .