Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 11-24)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى أوصاف المؤمنين الصادقين ، أعقبه بذكر أوصاف المنافقين المخادعين ، الذين تركوا نصرة المؤمنين وصادقوا اليهود وحالفوهم على حرب المسلمين ، ثم ذكر البون الشاسع بين أصحاب النار وأصحاب الجنة ، وأنهم لا يستوون في الحال ولا المآل ، وختم السورة الكريمة بذكر بعض أسماء الله الحسنى ، وصفاته العليا . اللغَة : { شَتَّىٰ } متفرقة تشتَّت جمعهم أي تفرق { خَاشِعاً } ذليلاً خاضعاً { مُّتَصَدِّعاً } متشققاً تصدَّع البنيان أي تشقق { ٱلْقُدُّوسُ } المنزَّه عن كل نقص وعيب { ٱلْمُؤْمِنُ } المصدّق لرسله بالمعجزات { ٱلْمُهَيْمِنُ } الرقيب على كل شيء { ٱلْعَزِيزُ } القويُ الغالب { ٱلْجَبَّارُ } العظيم القاهر ، صاحب العظمة والجبروت { ٱلْمُتَكَبِّرُ } المبالغ في الكبرياء والعظمة { ٱلْبَارِىءُ } المبدع المخترع { ٱلْمُصَوِّرُ } خالق الصور . التفسِير : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } تعجيبٌ من الله تعالى لرسوله من حال المنافقين أي ألا تعجب يا محمد من شأن هؤلاء المنافقين الذين أظهروا خلاف ما أضمروا ؟ { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } أي يقولون ليهود بني قريظة والنضير الذين كفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } أي لئن أخرجتم من المدينة لنخرجنَّ معكم منها قال في التسهيل : نزلت في عبد الله بن أُبي بن سلول وقوم من المنافقين ، بعثوا إِلى بني النضير وقالوا لهم : اثبتوا في حصونكم فإِنا معكم كيف ما تقلبت حالكم ، وإِنما جعل المنافقين إِخوانهم لأنهم كفار مثلهم { وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً } أي ولا نطيع أمر محمد في قتالكم ، ولا نسمع من أحدٍ إِذا أمرنا بخذلانكم { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } أي ولئن قاتلكم أحد لنعاوننكم على عدوكم ونكون بجانبكم { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي والله يشهد إِن المنافقين لكاذبون فيما قالوه ووعدوهم به … ثم أخبر الله عن حال المنافقين بالتفصيل فقال { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ } أي لئن أخرج اليهود لا يخرج المنافقون معهم { وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ } أي ولئن قوتل اليهود لا ينصرهم المنافقون ولا يقاتلون معهم قال القرطبي : وفي هذا دليل على صحة نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم من جهة أمر الغيب ، لأنهم أُخرجوا فلم يخرجوا معهم ، وقوتلوا فلم ينصروهم كما أخبر عنه القرآن { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } أي ولئن جاءوا لنصرتهم وقاتلوا معهم - على سبيل الفرض والتقدير - فسوف ينهزمون ، ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين قال الإِمام الفخر : أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا فإِن المنافقين لا يخرجون معهم - وقد كان الأمر كذلك ، فإِن بني النضير لما أُخرجوا لم يخرج معهم المنافقون وقُوتلوا كذلك فما نصروهم - وأما قوله تعالى { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } فهذا على سبيل الفرض والتقدير أي بتقدير أنهم أرادوا نصرتهم لا بدَّ وأن يتركوا تلك النصرة وينهزموا { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي لأنتم يا معشر المسلمين أشدُّ خوفاً وخشيةً في قلوب المنافقين من الله ، فإِنهم يرهبون ويخافون منكم أشدَّ من رهبتهم من الله { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } أي ذلك الخوف منكم بسبب أنهم لا يعلمون عظمة الله تعالى حتى يخشوه حقَّ خشيته قال القرطبي : أي لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته . . ثم أخبر تعالى عن اليهود والمنافقين بأنهم جبناء من شدة الهلع ، وأنهم لا يقدرون على قتال المسلمين إِلا إِذا كانوا متحصنِّين في قلاعهم وحصونهم فقال { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } أي لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إِلا إِذا كانوا في قرى محصَّنة بالأسوار والخنادق { أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ } أي أو يكونوا من وراء الحيطان ليتستروا بها ، لفرط جبنهم وهلعهم { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي عداوتهم فيما بينهم شديدة { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } أي تظنهم مجتمعين على أمرٍ ورأي - في الصورة - ذوي ألفةٍ واتحاد ، وهم مختلفون غاية الاختلاف لأن آراءهم مختلفة ، وقلوبهم متفرقة قال قتادة : أهل الباطل مختلفةٌ آراؤهم ، مختلفة أهواؤهم ، مختلفةٌ شهادتهم ، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أي ذلك التفرق والتشتت بسبب أنهم لا عقل لهم يعقلون به أمر الله قال في البحر : وموجب ذلك التفرق والشتات هو انتفاء عقولهم ، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً } أي صفةُ بني النضير فيما وقع لهم من الجلاء والذل ، كصفةِ كفار مكة فيما وقع لهم يوم بدر من الهزيمة والأسر قال البيضاوي : أي مثل اليهود كمثل أهل بدر ، أو المهلكين من الأمم الماضية في زمان قريب { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي ذاقوا سوء عاقبة إِجرامهم في الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ولهم عذاب شديد موجعٌ في الآخرة { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ } أي مثل المنافقين في إِغراء اليهود على القتال ، كمثل الشيطان الذي أغرى الإِنسان بالكفر ثم تخلى عنه وخذله { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ } أي فلما كفر الإِنسان تبرأ منه الشيطان وقال { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } أي أخاف عذاب الله وانتقامه إِن كفرتُ به قال في التسهيل : هذا مثلٌ ، مثَّل اللهُ للمنافقين - الذين أغووا يهود بني النضير ثم خذلوهم بعد ذلك - بالشيطان الذي يُغوي ابن آدم ثم يتبرأ منه ، والمراد بالشيطان والإِنسان هنا الجنس ، وقولُ الشيطان { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } كذبٌ منه ورياءٌ لأنه لو خاف الله لامتثل أمره وما عصاه { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } أي فكان عاقبة المنافقين واليهود ، مثل عاقبة الشيطان والإِنسان ، حيث صارا إِلى النار المؤبدة { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } أي وذلك عقاب كل ظالم فاجر ، منتهكٍ لحرمات الله والدين . . ولمَّا ذكر صفات كلٍ من المنافقين واليهود وضرب لهم الأمثال ، وعظ المؤمنين بموعظةٍ حسنة ، تحذيراً من أن يكونوا مثل من تقدم ذكرهم فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا الله واحذروا عقابه ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أي ولتنظر كلُّ نفسٍ ما قدَّمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة قال ابن كثير : انظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، وسُمي يوم القيامة غداً لقرب مجيئه { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [ النحل : 77 ] والتنكير فيه للتفخيم والتهويل { وَٱتَّقُواْ } كرَّره للتأكيد ولبيان منزلة التقوى التي هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ النساء : 131 ] { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } أي ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تركوا ذكر الله ومراقبته وطاعته ، فأنساهم حقوق أنفسهم والنظر لها بما يصلحها قال أبو حيان : وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب ، تركوا عبادة الله وامتثال أوامره ، فعوقبوا على ذلك بأن أنساهم حظَّ أنفسهم ، حتى لم يقدموا له خيراً ينفعها { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي أولئك هم الفجرة الخارجون عن طاعة الله { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } أي لا يتساوى يوم القيامة الأشقياء والسعداء ، أهل النار وأهل الجنة في الفضل والرتبة { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } أي أصحاب الجنة هم الفائزون بالسعادة الأبدية في دار النعيم ، وذلك هو الفوز العظيم … ثم ذكر تعالى روعة القرآن ، وتأثيره على الصمِّ الراسيات من الجبال فقال { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي لو خلقنا في الجبل عقلاً وتمييزاً كما خلقنا للإِنسان ، وأنزلنا عليه هذا القرآن ، بوعده ووعيده ، لخشع وخضع وتشقق ، خوفاً من الله تعالى ، ومهابةً له وهذا تصويرٌ لعظمة قدر القرآن ، وقوة تأثيره ، وأنه بحيث لو خوطب به جبلٌ - على شدته وصلابته - لرأيته ذليلاً متصدعاً من خشية الله ، والمراد منه توبيخ الإِنسان بأنه لا يتخشع عند تلاوة القرآن ، بل يعرض عما فيه من عجائب وعظائم ، فهذه الآية في بيان عظمة القرآن ، ودناءة حال الإِنسان وقال في البحر : والغرضُ توبيخ الإِنسان على قسوة قلبه ، وعدم تأثره بهذا الذي لو أُنزل على الجبل لتخشَّع وتصدَّع ، وإِذا كان الجبل على عظمته وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع ، فابن آدم كان أولى بذلك ، لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي وتلك الأمثال نفصّلها ونوضحها للناس لعلهم يتفكرون في آثار قدرة الله ووحدانتيه فيؤمنون … ثم لما وصف القرآن بالرفعة والعظمة ، أتبعه بشرح عظمة الله وجلاله فقال { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي هو جلَّ وعلا الإِله المعبود بحقٍ لا إِله ولا رب سواه { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي عالم السر والعلن ، يعلم ما غاب عن العباد مما لم يبصروه ، وما شاهدوه وعلموه { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } أي هو تعالى ذو الرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كرر اللفظ اعتناءً بأمر التوحيد أي لا معبود ولا رب سواه { ٱلْمَلِكُ } أي المالك لجميع المخلوقات ، المتصرف في خلقه بالأمر والنهي ، والإِيجاد والإِعدام { ٱلْقُدُّوسُ } أي المنزَّه عن القبائح وصفات الحوادث قال في التسهيل : القُدُّوسُ مشتقٌ من التقديس وهو التنزه عن صفات المخلوقين ، وعن كل نقص وعيب ، والصيغة للمبالغة كالسبُّوح ، وقد ورد أن الملائكة تقول في تسبيحها : " سبُّوح قُدُّوس ، ربُّ الملائكة والروح " { ٱلسَّلاَمُ } أي الذي سلم الخلق من عقابه ، وأمنوا من جوره { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] وقال البيضاوي : أي ذو السلامة من كل نقص وآفة ، وهو مصدر وصف به للمبالغة { ٱلْمُؤْمِنُ } أي المصدِّق لرسله بإِظهار المعجزات على أيديهم { ٱلْمُهَيْمِنُ } أي الرقيبُ الحافظ لكل شيء وقال ابن عباس : الشهيد على عباده بأعمالهم الذي لا يغيب عنه شيء { ٱلْعَزِيزُ } أي القادر القاهر الذي لا يُغلب ولا يناله ذل { ٱلْجَبَّارُ } أي القهار العالي الجناب الذي يذل له من دونه قال ابن عباس : هو العظيم الذي إِذا أراد أمراً فعله ، وجبروتُ الله عظمته { ٱلْمُتَكَبِّرُ } أي الذي له الكبرياء حقاً ولا تليق إِلا به وفي الحديث القدسي " العظمة إِزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي " قال الإِمام الفخر : واعلم أن المتكبر في صفة الناس صفة ذم ، لأن المتكبر هو الذي يُظهر من نفسه الكِبْر ، وذلك نقصٌ في حق الخلق ، لأنه ليس له كبر ولا علوٍ ، بل ليس له إِلا الذلة والمسكنة ، فإِذا أظهر العلو كان كاذباً فكان مذموماً في حق الناس ، وأما الحقُّ سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء ، فإِذا أظهره فقد أرشد العباد إِلى تعريف جلاله وعظمته وعلوه ، فكان ذلك في غاية المدح في حقه جل وعلا ، ولهذا قال في آخر الآية { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي تنزَّه الله وتقدَّس في جلاله وعظمته ، عمَّا يلحقون به من الشركاء والأنداد { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ } أي هو جل وعلا الإِله الخالق لجميع الأشياء ، الموجد لها من العدم ، المنشىء لها بطريق الاختراع { ٱلْمُصَوِّرُ } أي المبدع للأشكال على حسب إرادته { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ } [ آل عمران : 6 ] قال الخازن : أي الذي يخلق صورة الخلق على ما يريده { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي له الأسماء الرفيعة الدالة على محاسن المعاني { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي ينزهه تعالى عن صفات العجز والنقص جميع ما في الكون بلسان الحال أو المقال قال الصاوي : ختم السورة بالتسبيح كما ابتدأها به إشارة إلى أنها المقصود الأعظم ، والمبدأ والنهاية ، وأن غاية المعرفة بالله تنزيه عظمته عما صورته العقول { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي العزيز في ملكه ، الحكيم في خلقه وصنعه . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - طباق السلب { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } [ الحشر : 2 ] . 2 - المقابلة اللطيفة بين { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ } [ الحشر : 7 ] وبين { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . 3 - وضع الضمير بين المبتدأ والخبر لإِفادة الحصر { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحشر : 8 ] . 4 - الاستعارة اللطيفة { تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } [ الحشر : 9 ] شبَّه الإِيمان المتمكن في نفوسهم ، بمنزلٍ ومستقرٍ للإِنسان نزل فيه وتمكَّن منه حتى صار منزلاً له ، وهو ومن لطيف الاستعارة . 5 - الاستفهام الذي يراد به الإِنكار والتعجيب { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ … } الآية . 6 - الطباق بين جميعاً وشتى في قولهم { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } . 7 - التشبيه التمثيلي { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ … } وجه الشبه منتزع من متعدد . 8 - الكناية اللطيفة { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } كنَّى عن القيامة بالغد لقربها . 9 - الطباق بين { ٱلْغَيْبِ … وَٱلشَّهَادَةِ } وبين { ٱلْجَنَّةِ … وٱلنَّارِ } الخ . لطيفَة : أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجلٌ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : إني مجهود - أي اشتد بي الجوع والفاقة - فأرسل إِلى بعض نسائه يسألها هل عندك شيء ؟ فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إِلا الماء ، ثم أرسل إِلى أُخرى فقال مثل ذلك ، وقلن كلهن مثل ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يضيفه هذه الليلة يرحمه الله ؟ فقام رجل من الأنصار يقال له " أبو طلحة " فقال أنا يا رسول الله ! ! فانطلق به إِلى رحله - أي إِلى منزله - فقال لها : هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخري عنه شيئاً وأكرميه ، فقالت : ما عندي إلا قوتُ الصبيان ، فقال علّليهم بشيء ونوِّميهم ، فإِذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل ثم قومي إِلى السراج كي تصلحيه فأطفئيه ، ففعلت فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ، ثم قال : لقد عجب الله من صنيعكما الليلة بصاحبكما وأنزل الله { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ … } " الآية .