Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 1-10)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللغَة : { ٱلْحَشْرِ } الجمع ، وسمي يوم القيامة يوم الحشر لأنه يوم اجتماع الناس للحساب والجزاء ومنه { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ } [ النمل : 17 ] أي جمع له الجنود { قَذَفَ } ألقى وأنزل بشدة { ٱلْجَلاَءَ } الخروج من الوطن مع الأهل والولد { شَآقُّواْ } عادوا وخالفوا { لِّينَةٍ } بكسر اللام النخلة القريبة من الأرض ، الكريمة الطيبة ، سميت لينة لجودة ثمرها وأنشد الأخفش : @ قد شجاني الحمامُ حين تغنَّى بفراق الأحباب من فوقِ لينة @@ { أَوْجَفْتُمْ } الوجيف : سرعة السير يقال : أوجف البعير إِذا حثَّه وحمله على السير السريع { دُولَةً } بضم الدال الشيء الذي يتداول من الأموال ، وينتقل من يد إلى يد { خَصَاصَةٌ } فقر واحتياج { غِلاًّ } حِقداً وضغينة . سَبَبُ النّزول : لما نقض اليهود " بنو النضير " العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم صلى الله عليه وسلم وأمر بقطع نخيلهم وإِحراقه إِهانةً لهم وإِرعاباً لقلوبهم ، فقالوا يا محمد : ألست تزعم أنك نبيٌ ؟ وأنك تنهى عن الفساد ؟ فما بالك تأمر بقطع الأشجار وتحريقها ؟ فأنزل الله تعالى { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ … } الآية . التفسِير : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي نزَّه الله تعالى ومجَّده وقدَّسه جميع ما في السماواتِ والأرض من ملك ، وإِنسان ، وجماد ، وشجر كقوله تعالى { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [ الإِسراء : 44 ] قال ابن كثير : يخبر تعالى أن جميع ما في السماواتِ والأرض يسبح له ويُمجده ويقدِّسه ويُوحِّده { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي وهو العزيز في ملكه ، الحكيمُ في صنعه { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } بيانٌ لبعض أثار قدرته تعالى الباهرة وعزته الظاهرة أي هو جلَّ وعلا الذي أخرج يهود بني النضير من مساكنهم بالمدينة المنورة { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أي في أول مرة حُشروا وأخرجوا فيها من جزيرة العرب ، إِذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك قال البيضاوي : لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صالح " بني النضير " على ألاَّ يكونوا معه ولا عليه ، فلما ظهر يوم بدر قالوا : إنه النبي المنعوتُ في التوراة بالنصرة لا تُردُّ له راية ، فلما هُزم المسلمون يوم أُحد ارتابوا ونكثوا ، وخرج " كعب بن الأشرف " في أربعين راكباً إِلى مكة وحالفوا " أبا سفيان " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " محمد بن مسلمة " أخا كعبٍ من الرضاعة فقتله غيلةً ، ثم صبَّحهم بالكتائب وحاصرهم ، حتى صالحوه على الجلاء ، فجلا أكثرهم إِلى الشام ، ولحقت طائفة بخيبر ، فذلك قوله { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } قال الألوسي : ومعنى { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أن هذا أول حشرهم إِلى الشام أي أول ما حُشروا وأُخرجوا ، ونبَّه بلفظ { أول } على أنهم لم يصبهم جلاءٌ قبله { مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ } أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا من أوطانهم وديارهم بهذا الذل والهوان ، لعزتهم ومنعتهم ، وشدة بأسهم ، حيث كانوا أصحاب حصون وعقار ، ونخيلٍ وثمار { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ } أي وظنوا أن حصونهم الحصينة تمنعهم من بأس الله ، وتدفع عنهم عذابه وانتقامه قال البيضاوي : والأصل أن يُقال : وظنوا أن حصونهم تمنعهم أو مانعتهم من بأس الله ، وتغييرُ النظم بتقديم الخبر وإِسناد الجملة إِلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بكونها حصينة ، بحيث ظنوا أنه لا يخرجهم منها أحد لأنهم في عزة ومنعة { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي فجاءهم بأسُ الله وعذابه من حيث لم يكن في حسابهم ، ولم يخطر ببالهم { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي وألقى في قلوب بني النظير الخوف الشديد ، مما أضعف قوتهم ، وسلبهم الأمن والطمأنينة ، حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث " نُصرت بالرعب من مسيرة شهر " { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي يهدمون بيوتهم بأيديهم من الداخل ، وأيدي المؤمنين من الخارج قال المفسرون : كان بنو النضير قبل إِجلائهم عن ديارهم يخربون بيوتهم فيقلعون العُمد ، وينقضون السقوف ، وينقبون الجدران ، لئلا يسكنها المؤمنون حسداً منهم وبغضاً ، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب من ظاهرها ليقتحموا حصونهم { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } أي فاتعظوا بما جرى عليهم يا ذوي العقول والألباب { وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ } أي ولولا أن الله تعالى قضى عليهم بالخروج من أوطانهم مع الأهل والأولاد { لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا } أي لعذبهم في الدنيا بالسيف كما فعل بإِخوانهم بني قريظة { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } أي ولهم مع عذاب الدنيا عذاب جهنم المؤبد { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي ذلك الجلاء والعذاب بسبب أنهم خالفوا الله وعادوه وعصوا أمره ، وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم ، ونقضٍ للعهود في حق رسوله { وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي ومن يخالف أمر الله ، ويعادِ دينه فاللهُ ينتقم منه لأن عذابه شديد ، وعقابه أليم { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] … ثم أخبر تعالى أن كل ما جرى من المؤمنين من قطع النخيل ، وإِحراق بعض الأشجار المثمرة ، فإِنما كان بأمر الله وإِرادته فقال { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي ما قطعتم أيها المؤمنون من شجرة نخيل ، أو تركتموها كما كانت قائمة على سوقها فبأمر الله وإِرادته ورضاه { وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي وليغيظ اليهود ويذلهم ، بقطع أشجارهم ونخيلهم قال الرازي : المعنى إِنما أذن تعالى في ذلك حتى يزداد غيظ الكفار ، وتتضاعف حسرتهم ، بسبب نفاذ حكم أعدائهم في أعزَّ أموالهم قال المفسرون : لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، كان بعض الصحابة قد شرع يقطع ويحرق في نخيلهم ، إِهانةً لهم وإِرعاباً لقلوبهم ، فقالوا : ما هذا الإِفساد يا محمد ؟ إِنك كنت تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي وما أعاد الله وردَّه غنيمة على رسوله من أموال يهود بني النضير { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } أي لم تسيِّروا إِليه خيلكم ولا ركابكم ، ولا تعبتم في تحصيله قال القرطبي : يقال : وجف البعير وجيفاً إِذا أسرع السير ، وأوجفه صاحبه إِذا حمله على السير السريع ، والركاب : ما يُركبُ من الإِبل ، والمعنى : لم تقطعوا إِليها شُقةً ، ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة ، وإِنما كانت من المدينة على ميلين ، فافتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحاً ، وأجلاهم عنها وأخذ أموالهم ، فجعلها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث شاء { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } أي ولكنه تعالى من سنته أن ينصر رسله بقذف الرعب في قلوب أعدائه ، من غير أن يقاسوا شدائد الحروب { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي هو تعالى قادر على كل شيءٍ ، لا يُغالب ولا يُمانع ولا يعجزه شيء . . ثم بيَّن تعالى حكم الفيء عامةً - وهو ما يغنمه المسلمون بدون حرب - فقال { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } أي ما جعله الله غنيمةً لرسوله بدون قتال من أموال الكفار قال ابن عباس : هي قريظة ، والنضير ، وفدك ، وخيبر { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } أي فحكمها أنها لله تعالى يضعها حيث يشاء ، ولرسوله يصرفها على نفسه وعلى مصالح المسلمين { وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } أي ولأقرباء الرسول من بني هاشم وعبد المطلب ، ولليتامى الذين مات آباؤهم ، وللمساكين ذوي الحاجة والفقر { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي وللغريب المنقطع في سفره قال في التسهيل : لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال ، فإِن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال وإِيجاف الخيل والركاب ، فتلك يؤخذ منها الخمس ويقسم الباقي على الغانمين ، وأما هذه ففي " حكم الفيء " وهو ما يؤخذ من الكفار من غير قتال فلا تعارض بينهما ولا نسخ ، وقد قرر الفقهاء الفرق بين الغنيمة والفيء ، وأنَّ حكمهما مختلف ، فالغنيمة ما أُخذت بالقتال ، والفيءُ ما أُخذ صلحاً ، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } وذكر في الأنفال لفظ الغنيمة { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ } [ الأنفال : 41 ] ! ! { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ } أي لئلا ينتفع بهذا المال ويستأثر به الأغنياء دون الفقراء ، مع شدة حاجة الفقراء للمال قال القرطبي : أي فعلنا ذلك كيلا يتقاسمه الرؤساء والأغنياء بينهم دون الفقراء والضعفاء ، لأن أهل الجاهلية كانوا إِذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه - وهو المرباعُ - ثم يصطفي منها أيضاً ما يشاء قال المفسرون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير على المهاجرين فإِنهم كانوا حينئذٍ فقراء ، ولم يُعط الأنصار منها شيئاً فإِنهم كانوا أغنياء ، فقال بعض الأنصار : لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل الله هذه الآية { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } أي ما أمركم به الرسول صلى الله عليه وسلم فافعلوه ، وما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإِنه إِنما يأمر بكل خير وصلاح ، وينهى عن كل شرٍّ وفساد قال المفسرون : والآية وإِن نزلت في أموال الفيء ، إِلا أنها عامة في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه من واجبٍ ، أو مندوب ، أو مستحب ، أو محرم ، فيدخل فيها الفيء وغيره ، عن ابن مسعود أنه قال : " لعن اللهُ الواشمات ، والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيِّرات خلق الله " فبلغ ذل امرأةً من بني أسد يُقال لها " أم يعقوب " - وكانت تقرأ القرآن - فأتته فقالت : ما حديثٌ بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا ! ! وذكرته له ، فقال ابن مسعود : وما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى ؟ فقالت المرأةُ : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ! فقال : إِن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأتِ قول الله عز وجل { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } ؟ { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا ربكم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي فإِن عقابه أليم وعذابه شديد ، لمن عصاه وخالف ما أمره به { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } هذا متعلقٌ بما سبق من حكم الفيء كأنه يقول : الفيءُ والغنائم لهؤلاء الفقراء المهاجرين الذين ألجأهم كفار مكة إِلى الهجرة من أوطانهم ، فتركوا الديار والأموال ، ابتغاء مرضاة الله ورضوانه { وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي قاصدين بالهجرة إِعلاء كلمة الله ونصرة دينه { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } أي هؤلاء الموصوفون بالصفات الحميدة هم الصادقون في إِيمانهم قال قتادة : هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال ، والأهلين والأوطان ، حباً لله ورسوله ، حتى إِن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه ليُقيم به صُلبه من الجوع . . ثم مدح تعالى الأنصار وبيَّن فضلهم وشرفهم فقال { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } أي والذين اتخذوا المدينة منزلاً وسكناً وآمنوا قبل كثيرٍ من المهاجرين وهم الأنصار قال القرطبي : أي تبوءوا الدار من قبل المهاجرين ، واعتقدوا الإِيمان وأخلصوه ، والتبوء : التمكن والاستقرار ، وليس يريد أن الأنصار آمنوا قبل المهاجرين ، بل أراد آمنوا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إِليهم { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } أي يحبون إِخوانهم المهاجرين ويواسونهم بأموالهم قال الخازن : وذلك أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم ، وأشركوهم في أموالهم { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } أي ولا يجد الأنصار حزازةً وغيظاً وحسداً مما أعطي المهاجرون من الغنيمة دونهم قال المفسرون : إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إِلا ثلاثة منهم ، فطابت أنفس الأنصار بتلك القسمة { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي يفضلون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الحاجة والفاقة إِليه ، فإِيثارهم ليس عن غنى عن المال ، ولكنه عن حاجة وفقر ، وذلك غاية الإِيثار { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي ومن حماه الله وسلم من البخل فقد أفلح ونجح ، والشُحُّ هو البخل الشديد مع الجشع والطمع ، وهو غريزة في النفس ولذلك أضيف إِليها ، قال ابن عمر : ليس الشح أن يمنع الرجل ماله ، إِنما الشحُّ أن تطمع عينه فيما ليس له وفي الحديث " واتقوا الشُحَّ فإِنه أهلك من كان قبلكم ، حملهم علىأن سفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم " { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين المستحقين للإِحسان والفضل ، وهم التابعون لهم بإِحسان إِلى يوم القيامة { يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ } أي يدعون لهم قائلين : يا ربنا اغفر لنا ولإِخواننا المؤمنين الذين سبقونا بالإِيمان قال أبو السعود : وصفوهم بالسبق بالإِيمان اعترافاً بفضلهم ، لأن أخوة الدين عندهم أعزُّ وأشرف من النسب { وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } أي ولا تجعل في قلوبنا بغضاً وحسداً لأحدٍ من المؤمنين { رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي مبالغٌ في الرأفة والرحمة فاستجب دعاءنا ، قال ابن كثير : وما أحسن ما استنبط الإِمام مالك من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الغنيمة شيء لعدم اتصافه بأوصاف المؤمنين ، وقال شيخ زاده : بيَّن تعالى أن من شأن من جاء من بعد المهاجرين والأنصار أن يذكر السابقين بالرحمة والدعاء ، فمن لم يكن كذلك بل ذكرهم بسوء فقد كان خارجاً عن جملة أقسام المؤمنين بمقتضى هذه الآيات ، وقد روي عن الشعبي أنه قال : تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة ، سئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا أصحاب موسى وسئلت النصارى فقالوا : أصحاب عيسى ، وسئلت الرافضة من شرُّ أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم أُمروا بالاستغفار لهم فسبُّوهم ، فالسيف عليهم مسلول إِلى يوم القيامة … اللهم ارزقنا محبة أصحاب نبيك الكريم .