Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 10-14)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما بيَّن تعالى أن المشركين يريدون إِطفاء نور الله ، أمر المؤمنين بمجاهدة أعداء الدين ، ودعاهم إِلى التضحية بالمال والنفس والجهاد في سبيل الله ، وبيَّن لهم أنها التجارة الرابحة لمن أراد سعادة الدارين . اللغَة : { تُنجِيكُم } تخلّصكم وتنقذكم { ٱلْحَوَارِيُّونَ } الأصفياء والخواص من أتباع عيسى ، وهم الذين ناصروا المسيح عليه السلام { أَيَّدْنَا } قوَّينا وساندنا { ظَاهِرِينَ } غالبين بالحجة والبرهان . سَبَبُ النّزول : روي أن بعض الصحابة قالوا يا نبيَّ الله : لوددنا أن نعلم أيَّ التجارات أحبَّ إِلى الله فنتجر فيها ! ! فنزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } ؟ الآيات . التفسِير : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ } أي يا من صدقتم الله ورسوله وآمنتم بربكم حقَّ الإِيمان ، هل أدلكم على تجارة رابحة جليلة الشأن ؟ والاستفهام للتشويق { تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي تخلِّصكم وتنقذكم من عذاب شديد مؤلم … ثم بيَّن تلك التجارة ووضحها فقال { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } إيماناً صادقاً ، لا يشوبه شكٌ ولا نفاق { وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } أي وتجاهدون أعداء الدين بالمال والنفس ، لإِعلاء كلمة الله قال المفسرون : جعل الإِيمان والجهاد في سبيله " تجارة " تشبيهاً لهما بالتجارة ، فإِنها عبارة عن مبادلة شيء بشيء ، طمعاً في الربح ، ومن آمن وجاهد بماله ونفسه فقد بذل ما عنده وما في وسعه ، لنيل ما عند ربه من جزيل ثوابه ، والنجاة من أليم عقابه ، فشبَّه هذا الثواب والنجاة من العذاب بالتجارة لقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } [ التوبة : 111 ] قال الإِمام الفخر : والجهاد ثلاثةُ أنواع : 1 - جهادٌ فيما بينه وبين نفسه ، وهو قهرُ النفس ومنعُها عن اللذات والشهوات . 2 - وجهادٌ فيما بينه وبين الخلق ، وهو أن يدع الطمع منهم ويشفق عليهم ويرحمهم 3 - وجهادُ أعداء الله بالنفس والمال نصرةً لدين الله { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي ما أمرتكم به من الإِيمان والجهاد في سبيل الله ، خيرٌ لكم من كل شيء في هذه الحياة ، إن كان عندكم فهمٌ وعلم { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } هذا جواب الجملة الخبرية { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } لأن معناها معنى الأمر أي آمنوا بالله وجاهدوا في سبيله فإِذا فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم اي يسترها عليكم ، ويمحها بفضله عنكم { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي ويدخلكم حدائق وبساتين ، تجري من تحت قصورها أنهار الجنة { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي ويسكنكم في قصور رفيعة في جنات الإِقامة { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك الجزاء المذكور هو الفوز العظيم الذي لا فوز وراءه ، والسعادة الدائمة الكبيرة التي لا سعادة بعدها { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } أي ويمنُّ عليكم بخصلةٍ أُخرى تحبونها وهي { نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي أن ينصركم على أعدائكم ، ويفتح لكم مكة وقال ابن عباس : يريد فتح فارس والروم { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي وبشِّر يا محمد المؤمنين ، بهذا الفضل المبين قال في البحر : لما ذكر تعالى ما يمنحهم من الثواب في الآخرة ، ذكر لهم ما يسرُّهم في العاجلة ، وهي ما يفتح الله عليهم من البلاد ، فهذه هي خير الدنيا موصولٌ بنعيم الآخرة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ } أي انصروا دين الله وأعلوا مناره { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ } أي كما نصر الحواريون دين الله حين قال لهم عيسى بن مريم { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } أي من ينصرني ويكون عوني لتبليغ دعوة الله ، ونصرة دينه ؟ { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ } أي قال أتباع عيسى - وهم المؤمنون الخُلُّص من خاصته المستجيبون لدعوته - نحن أنصار دين الله قال البيضاوي : والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به ، مشتقٌ من الحور وهو البياض ، وكانوا اثني عشر رجلاً وقال الرازي : والتشبيه في الآية محمول على المعنى أي كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار الله { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ } أي فانقسم بنو إِسرائيل إِلى جماعتين : جماعةٌ آمنت به وصدَّقته ، وجماعةٌ كفرت وكذبت برسالة عيسى { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } أي فقوينا المؤمنين على أعدائهم الكافرين { فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } أي حتى صاروا غالبين عليهم بالحجة والبرهان قال ابن كثير : لما بلَّغ عيسى بن مريم رسالة ربه ، اهتدت طائفة من بني إِسرائيل بما جاءهم به ، وضلَّت طائفة فجحدوا نبوته ، ورموه وأُمه بالعظائم ، وهم اليهود عليهم لعنة الله ، وغلت فيه طائفةٌ من أتباعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة ، وافترقوا فيه فرقاً وشيعاً ، فمنهم من زعم أنه ابنُ الله ، ومنهم من قال إِنه ثالث ثلاثة " الأب والابن وروح القدس " ومنهم من قال : إِنه اللهُ - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - فنصر الله المؤمنين على من عاداهم من فرق النصارى . البَلاَغَة : تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يأتي : 1 - أسلوب التوبيخ { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 ] وهي " ما " الاستفهامية حذفت ألفها تخفيفاً ، والغرض من الاستفهام التوبيخ . 2 - الإِطناب بتكرار ذكر اللفظ لبيان غاية قبح ما فعلوه { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 3 ] وبين { تَقُولُواْ … وتفعلوا } طباقٌ . 3 - التشبيه المرسل المفصَّل { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] أي في المتانة والتراص . 4 - الاستعارة اللطيفة { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } [ الصف : 8 ] استعار نور الله لدينه وشرعه المنير ، وشبَّه من أراد إِبطال الدين بمن أراد إِطفاء الشمس بفمه الحقير ، على طريق الاستعارة التمثيلية ، وهذا من لطيف الاستعارات . 5 - الاستفهام للترغيب والتشويق { هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ } ؟ . 6 - الطباق { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ … وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ } . 7 - السجع المرصَّع كأنه حبات در منظومة في سلك واحد مثل { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ الصف : 5 ] { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الصف : 6 ] { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهو من المحسنات البديعية . تنبيه : إِنما قرنت قصة موسى وعيسى في هذه السورة لأنهما من أنبياء بني إِسرائيل ، وهما من أعظم أنبيائهم ومن أولي العزم الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز بالثناء والتبجيل .