Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 61-74)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن المنافقين توضيحاً لخطرهم ، وتحذيراً للمؤمنين من مكائدهم ، وفي هذه الآيات ذكر تعالى نوعاً آخر من قبائحهم ، وهو إِيذاؤهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، وإِقدامهم على الأيمان الكاذبة ، واستهزاؤهم بآيات الله وشريعته المطهرة ، إِلى غير ما هنالك من الأعمال المنكرة ، والأفعال الخبيثة . اللغَة : { أُذُنٌ } قال الجوهري : يقال رجل أذن إِذا كان يسمع مقال كل أحد ، يستوي فيه الواحد والجمع وقال الزمخشري : الأذن : الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ، ويقبل قول كل أحد ، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع . قال الشاعر : @ قد صرت أذناً للوشاة سميعة ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا @@ { يُحَادِدِ } المحادة : المخالفة والمعاداة كالمشاقة وهي أن يكون كل واحد من المتخاصمين في حد وشق غير ما عليه صاحبه { بِخَلاقِهِمْ } الخلاق : النصيب كقوله { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } [ البقرة : 200 ] وقد تقدم { وَخُضْتُمْ } الخوض : الدخول في اللهو والباطل وهو مستعار من الخوض في الماء { حَبِطَتْ } بطلت وذهب ثوابها { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتِ } الائتفاك : الانقلاب ويراد بهم قوم لوط لأن أرضهم ائتكفت بهم أي انقلبت ، وقيل هو مجاز عن انقلاب حالها من الخير إلى الشر كقول ابن الرومي : @ وما الخسف أن تلقى أسافل بلدة أعاليها بل أن تسود الأراذل @@ سَبَبُ النّزول : أ - كان جماعة من المنافقين يؤذون رسول الله ويقولون فيه ما لا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا فإِنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا ، فقال " الجلاس بن سويد " : نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإِنما محمد أذن سامعة فأنزل الله { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ … } . ب - قال مجاهد : كان المنافقون يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي سرنا فأنزل الله { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم … } الآية . التفسِير : { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } أي ومن المنافقين أناس يؤذون الرسول بأقوالهم وأفعالهم { وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } أي يصدّق بكل خبرٍ يسمعه { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } أي هو أذن خير لا أذن شر ، يسمع الخير فيعمل به ، ولا يعمل بالشر إِذا سمعه { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي يصدِّق الله فيما يقول ، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به لعلمه بإِخلاصهم { وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي وهو رحمة للمؤمنين لأنه كان سبب إِيمانهم { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي والذين يعيبون الرسول ويقولون ما لا يليق بجنابه الشريف لهم عذاب موجع في الآخرة { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا شيئاً فيه انتقاص للرسول ليرضوكم بتلك الأيمان { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإِرضاء ، ولا يكون ذلك إِلا بالطاعة ، والمتابعة ، وتعظيم أمره عليه السلام { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي إِن كانوا حقاً مؤمنين فليرضوا الله ورسوله { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أنه من يعادي ويخالف الله والرسول ، والاستفهام للتوبيخ { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا } أي فقد حق دخوله جهنم وخلوده فيها { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } . أي ذلك هو الذل العظيم ، والشقاء الكبير ، المقرون بالفضيحة حيث يفتضحون على رءوس الأشهاد { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } أي يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تكشف عما في قلوبهم من النفاق { قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ } أي استهزئوا بدين الله كما تشتهون وهو أمر للتهديد كقوله { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] { إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } أي مظهر ما تخفونه وتحذرون ظهوره من النفاق ، قال الزمخشري : كانوا يستهزئون بالإِسلام ويحذرون أن يفضحهم الله بالوحي ، حتى قال بعضهم : والله لا أرانا إِلا شر خلق الله ، ولوددت أني جلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب ، في حقك وفي حق الإِسلام ، ليقولون لك ما كنا جادين ، وإِنما كنا نمزح ونلعب للترويح عن النفس قال الطبري : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إِلى تبوك وبين يديه ناس من المنافقين ، فقالوا : انظروا إِلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات ! ! فأطلع الله نبيه فأتاهم فقال : قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي الله : إِنما كنا نخوض ونلعب فنزلت { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } أي قل لهؤلاء المنافقين : أتستهزئون بدين الله وشرعه ، وكتابه ورسوله ؟ والاستفهام للتوبيخ ، ثم كشف تعالى أمرهم وفضح حالهم فقال { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي لا تعتذروا بتلك الأيمان الكاذبة فإِنها لا تنفعكم بعد ظهور أمركم ، فقد أظهرتم الكفر بإِيذاء الرسول بعد إِظهاركم الإِيمان { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } أي إِن نعف عن فريقٍ منكم لتوبتهم وإِخلاصهم { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } أي نعذب فريقاً آخر لأنهم أصروا على النفاق والإِجرام { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } أي المنافقون والمنافقات صنف واحد ، وهم متشابهون في النفاق والبعد عن الإِيمان ، كتشابه أجزاء الشيء الواحد قال في الكشاف : وأريد بقوله { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } نفي أن يكونوا من المؤمنين ، وتكذيبهم في قولهم { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } [ التوبة : 56 ] ثم وصفهم بما يدل على مخالفة حالهم لحال المؤمنين فقال { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } أي يأمرون بالكفر والمعاصي وينهون عن الإِيمان والطاعة { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } أي يمسكون أيديهم عن الانفاق في سبيل الله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } أي تركوا طاعته فتركهم من رحمته وفضله وجعلهم كالمنسيين { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } أي الكاملون في التمرد والعصيان ، والخروج عن طاعة الرحمن ، وكفى به زجراً لأهل النفاق { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ } أي وعد الله المنافقين والمتجاهرين بالكفر بإِصلائهم في نار جهنم { خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً { هِيَ حَسْبُهُمْ } أي هي كفايتهم في العذاب ، إِذ ليس هناك عذاب يعادلها { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي أبعدهم من رحمته وأهانهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي دائم لا ينقطع { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي حالكم يا معشر المنافقين كحال من سبقكم من المكذبين ، وفيه التفات من الغيبة إِلى الخطاب { كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } أي كانوا أقوى منكم أجساماً وأشد بطشاً { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } أي وكانوا أوفر أموالاً ، وأكثر أولاداً ، ومع ذلك أهلكهم الله فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } أي تمتعوا بنصيبهم وحظهم من ملاذ الدنيا { فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ } أي استمتعتم بملاذ الدنيا وشهواتها كما استمتع أولئك الذين سبقوكم بنصيبهم منها { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } أي وخضتم في الباطل والضلال كما خاضوا هم فيه قال الطبري : المعنى سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بالدنيا كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم ، وخضتم في الكذب والباطل على الله كخوض تلك الأمم قبلكم ، فاحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حل بهم { أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر من قبيح الفعال ذهبت أعمالهم باطلاً فلا ثواب لها إِلا النار { وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أي وأولئك هما الكاملون في الخسران { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر الأمم السابقين حين عصوا الرسل ماذا حلَّ بهم من العقوبة ؟ { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } أي قوم نوح الذين أهلكوا بالطوفان وقوم هود " عاد " الذين أهلكوا بالريح ، وقوم صالح " ثمود " الذين أهلكوا بالصيحة { وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ } الذين أهلكوا بسلب النعمة { وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ } قوم شعيب الذين أهلكوا بعذاب يوم الظلة { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتِ } قرى قوم لوط الذين انقلبت بهم فصار عاليها سافلها ، وأمطروا حجارة من سجيل { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي جاءتهم رسلهم بالمعجزات فكذبوهم { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } أي فما أهلكهم الله ظلماً إِنما أهلكهم بإِجرامهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي ولكن ظلموا أنفسهم بالكفر وارتكاب المعاصي ، أفأمن هؤلاء المنافقون أن يُسلك بهم في الانتقام سبيل أسلافهم المكذبين من أهل الإِجرام ؟ ولما ذكر تعالى صفات المنافقين الذميمة أعقبها بذكر صفات المؤمنين الحميدة فقال { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي هم إِخوة في الدين يتناصرون ويتعاضدون { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي يأمرون الناس بكل خيرٍ وجميلٍ يرضي الله ، وينهونهم عن كل قبيح يسخط الله ، فهم على عكس المنافقين الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أي يؤدونها على الوجه الكامل { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي يُعطونها إلى مستحقيها ابتغاء وجه الله { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي في كل أمر ونهي { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } أي سيدخلهم في رحمته ، ويفيض عليهم جلائل نعمته { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } أي غالب لا يُغلب من أطاعه ويذل من عصاه { حَكِيمٌ } أي يضع كل شيء في موضعه على أساس الحكمة ، في النعمة والنقمة { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي وعدهم على إِيمانهم بجنات وارفة الظلال ، تجري من تحت أشجارها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أي لابثين فيها أبداً ، لا يزول عنهم نعيمها ولا يبيد { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي ومنازل يطيب فيها العيش في جنات الخلد والاقامة قال الحسن : هي قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } أي وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله ، وفي الحديث يقول الله تعالى لأهل الجنة : " يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من خلقك ! فيقول : أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أُحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك هو الظفر العظيم الذي لا سعادة بعده { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } قال ابن عباس : جاهد الكفار بالسيف ، والمنافقين باللسان { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي اشدد عليهم بالجهاد والقتال والارعاب { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي مسكنهم ومثواهم جهنم { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي بئس المكان الذي يصار إليه جهنم { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } أي يحلف المنافقون أنهم ما قالوا الذي بلغك عنهم من السب قال قتادة : نزلت في عبد الله بن أُبي ، وذلك أنه اقتتل رجلان : جهني وانصاري ، فعلا الجهني على الأنصاري ، فقال ابن سلول للأنصار : ألا تنصرون أخاكم ؟ والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل " سمن كلبك يأكلك " فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله فيه هذه الآية { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } هي قول ابن سلول " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } أي أظهروا الكفر بعد إظهار الإِسلام { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } قال ابن كثير : هم نفر من المنافقين همّوا بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من تبوك وكانوا بضعة عشر رجلاً { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } أي ما عابوا على الرسول وما له عندهم ذنب إلا أن الله أغناهم ببركته ، ويُمن سعادته ، وهذه الصيغة تقال حيث لا ذنب . . ثم دعاهم تبارك وتعالى إلى التوبة فقال { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } أي فإِن يتوبوا عن النفاق يكن رجوعهم وتوبتهم خيراً لهم وأفضل { وَإِن يَتَوَلَّوْا } أي يعرضوا ويصروا على النفاق { يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً } أي يعذبهم عذاباً شديداً { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أي في الدنيا بالقتل والأسر ، وفي الآخرة بالنار وسخط الجبار { وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } أي ليس لهم من ينقذهم من العذاب ، أو يشفع لهم فيخلصهم وينجيهم يوم الحساب . البَلاَغَة : 1 - { هُوَ أُذُنٌ } أصله هو كالأذن يسمع كل ما يقال له ، فحذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه فصار تشبيهاً بليغاً مثل زيد أسد . 2 - { يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ } أبرز اسم الرسول ولم يأت به ضميراً { يُؤْذُونَه } تعظيماً لشأنه عليه السلام وجمعاً له بين الرتبتين العظيمتين " النبوة والرسالة " وإِضافته إِليه زيادة في التكريم والتشريف . 3 - { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } الإِشارة بالبعيد عن القريب للإيذان ببعد درجته في الهول والفظاعة . 4 - { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } قبض اليد كناية عن الشح والبخل ، كما أن بسطها كناية عن الجود والكرم . 5 - { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } من باب المشاكلة لأن الله لا ينسى أي تركوا طاعته فتركهم تعالى من رحمته . 6 - { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } إِلتفات من الغيبة إِلى الخطاب لزيادة التقريع والعتاب . 7 - { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ … } الآية فيه إِطناب والغرض منه الذم والتوبيخ لاشتغالهم بالمتاع الخسيس ، عن الشيء النفيس . 8 - { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ … } في الآية تأكيد المدح بما يشبه الذم على حد قول القائل " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم " البيت . فَائِدَة : روى ابن كثير عن علي كرم الله وجهه قال : بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف : سيف للمشركين { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 5 ] وسيف لأهل الكتاب { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ التوبة : 29 ] وسيفٍ للمنافقين { جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } وسيف للبغاة { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الحجرات : 9 ] . لطيفَة : قال الإِمام الفخر : لما وصف تعالى المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض ، ذكر بعده خمسة أمور بها يتميز المؤمن ، عن المنافق ، فالمنافق يأمر بالمنكر ، وينهى عن المعروف ، ولا يقوم إِلى الصلاة إِلا بكسل ، ويبخل بالزكاة وسائر الواجبات ، وإِذا أُمر بالمسارعة إِلى الجهاد فإِنه يتخلف ويثبط غيره ، والمؤمن بالضد منه فإِنه يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويؤدي الصلاة على الوجه الأكمل ، ويؤتي الزكاة ، ويسارع إِلى طاعة الله ورسوله ، ولهذا قابل تعالى بين صفات المؤمنين ، وصفات المنافقين بقوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } كما قابل في الجزاء بين نار جهنم والجنة فكانت مقابلة لطيفة .