Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 75-93)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن المنافقين ، وتفضح أسرارهم ، وتكشف أحوالهم ، باعتبار خطرهم الداهم على الإِسلام والمسلمين . اللغَةَ : { أَعْقَبَهُمْ } قال الليث : يقال أعقبت فلاناً ندامة إِذا صارت عاقبة أمره ذلك ، ويقال : أكل أكلة أعقبته سقماً أي حصل له بها السقم قال الهذلي : @ أودى بني وأعقبوني حسرة بعد الرقاد وعبرة لا تقلع @@ { سِرَّهُمْ } السر : ما ينطوي عليه الصدر { نَجْوَاهُمْ } النجوى : ما يكون بين شخصين أو أكثر من الحديث مأخوذ من النجوة وهو الكلام الخفي ، كأن المتناجيين منعا إِدخال غيرهما معهما { يَلْمِزُونَ } يعيبون واللمز : العيب { ٱلْمُخَلَّفُونَ } المخلف ، المتروك الذي تخلف عن الجهاد { ٱلطَّوْلِ } الغنى { ٱلْمُعَذِّرُونَ } جمع معذر كمقصِّر وهو الذي يعتذر بغير عذر قال الجوهري : هو الذي يعتذر بالكذب وأصله من العذر وفي الأمثال " أُعذر من أنذر " أي بالغ في العذر من تقدم إِليك فأنذرك . سَبَبُ النّزول : أ - روي " أن رجلاً يسمى ثعلبة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : ادع الله أن يرزقني مالاً فقال : ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره ، خير من كثير ، لا تطيقه ، فقال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه ، فلم يزل يراجعه حتى دعا له ، فاتخذ غنماً فنمَت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما ، ثم نمت وكثرت حتى ترك الجمعة والجماعة ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فأخبروه يخبره فقال : يا ويح ثعلبة ثلاثاً ، فأنزل الله { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ … } الآية " فهلك في خلافة عثمان . ب - عن ابن عمر قال : " لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فقام عمر فقال يا رسول الله : أعلى عدو الله تصلي ؟ فقال : أخر عني يا عمر إِني خُيرت فاخترت فقيل لي { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت ، ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره فما كان إِلا يسيراً حتى أنزل الله { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً … } " الآية . التفسِير : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } أي ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه { لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ } أي لئن أعطانا الله من فضله ووسع علينا في الرزق { لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي لنصدقن على الفقراء والمساكين ، ولنعملن فيها بعمل أهل الخير والصلاح { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ } أي فلما رزقهم الله وأغناهم من فضله { بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } أي بخلوا بالإِنفاق ونقضوا العهد وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } أي جعل الله عاقبتهم رسوخ النفاق في قلوبهم إِلى يوم لقاء الله { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } أي بسبب إِخلافهم ما عاهدوا الله عليه من التصدق والصلاح { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } أي وبسبب كذبهم في دعوى الإِيمان والإِحسان { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ } الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله يعلم أسرارهم وأحوالهم , ما يخفونه في صدورهم ، وما يتحدثون به بينهم ؟ { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } أي لا يخفى عليه شيء مما غاب عن الأسماع والأبصار والحواس ؟ { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } أي يعيبون المتطوعين المتبرعين من المؤمنين في صدقاتهم { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } أي ويعيبون الذين لا يجدون إِلا طاقتهم فيهزءون منهم روى الطبري عن ابن عباس قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاء رجل من الأنصار بصاعٍ من تمر ، فقال بعض المنافقين : والله ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إِلا رياءٌ ، وإِن كان الله ورسوله لغنيين عن هذا الصاع فنزلت { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } أي جازاهم على سخريتهم وهو من باب المشاكلة { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي عذاب موجع ، هو عذاب الآخرة المقيم { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } أمر ومعناه الخبر أي سواء يا محمد استغفرت لهؤلاء المنافقين أم لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } قال الزمخشري : والسبعون جارٍ مجرى المثل في كلامهم للتكثير والمعنى مهما أكثرت من الاستغفار لهم وبالغت فيه فلن يغفر الله لهم أبداً { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي عدم المغفرة لهم بسبب كفرهم بالله ورسوله كفراً شنيعاً حيث أظهروا الإِيمان وأبطنوا الكفر { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي لا يوفق للإِيمان الخارجين عن طاعته ، ولا يهديهم إِلى سبيل السعادة { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } أي فرح المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك بقعودهم بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفة له حين سار وأقاموا { وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي وكرهوا الخروج إِلى الجهاد إِيثاراً للراحة وخوف إِتلاف النفس والمال لما في قلوبهم من الكفر والنفاق { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } أي قال بعضهم لبعض : لا تخرجوا إِلى الجهاد في وقت الحر ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفرهم إِلى هذه الغزوة في حر شديد ، قال أبو السعود : وإِنما قال { وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } على قوله " وكرهوا أن يخرجوا إِلى الغزو " إِيذاناً بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجلِّ الرغائب ، وأشرف المطالب ، التي يجب ان يتنافس فيها المتنافسون قد كرهوه ، كما فرحوا بأقبح القبائح الذي هو القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لإِخوانهم تواصياً فيما بينهم بالشر والفساد لا تنفروا في الحر ، فقد جمعوا ثلاث خصال من الكفر والضلال : الفرح بالقعود ، وكراهية الجهاد ، ونهي الغير عن ذلك ، قال تعالى رداً عليهم { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً } أي قل لهم يا محمد : نار جهنم التي تصيرون إِليها بتثاقلكم عن الجهاد أشد حراً مما تحذرون من الحر المعهود ، فإِن حر الدنيا يزول ولا يبقى ، وحر جهنم دائم لا يفتر ، فما لكم لا تحذرون نار جهنم ؟ قال الزمخشري : وهذا استجهال لهم ، لأن من تصوَّن من مشقة ساعة ، فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل { لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } أي لو كانوا يفهمون لنفروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحر ، ليتقوا به حر جهنم الذي هو أضعاف أضعاف هذا ولكنهم " كالمستجير من الرمضاء بالنار " { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } أمر يراد به الخبر معناه : فسيضحكون قليلاً ، وسيبكون كثيراً ، قال ابن عباس : الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإِذا انقطعت الدنيا وصاروا إِلى الله عز وجل استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبداً { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي جزاءً لهم على ما اجترحوا من فنون المعاصي { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } أي فإِن ردك الله من غزوة تبوك إِلى طائفة من المنافقين الذين تخلفوا بغير عذر { فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } أي طلبوا الخروج معك لغزوة أخرى { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } أي قل لهم لن تخرجوا معي للجهاد أبداً { وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } أي لن يكون لكم شرف القتال معي لأعداء الله ، وهو خبر معناه النهي للمبالغة ، جارٍ مجرى الذم لهم لإِظهار نفاقهم { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي قعدتم عن الخروج معي أول مرة حين لم تخرجوا إِلى تبوك { فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } أي فاقعدوا مع المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } أي لا تصل يا محمد على أحدٍ من هؤلاء المنافقين إِذا مات ، لأن صلاتك رحمة ، وهم ليسوا أهلاً للرحمة { وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } أي لا تقف على قبره للدفن ، أو للزيارة والدعاء { إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي لأنهم كانوا في حياتهم منافقين يظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر { وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } أي وماتوا وهم على نفاقهم خارجون من الإِسلام متمردون في العصيان ، نزلت في ابن سلول { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ } أي لا تستحسن ما أنعمنا به عليهم من الأموال والأولاد { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا } أي لا يريد بهم الخير إِنما يريد أن يعذبهم بها في الدنيا بالمصائب والنكبات { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } أي تخرج أرواحهم ويموتوا على الكفر منشغلين بالتمتع بالأموال والأولاد عن النظر والتدبر في العواقب { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } التنكير للتفخيم أي وإِذا أنزلت سورة جليلة الشأن { أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ } أي بأن آمنوا بالله بصدقٍ ويقين ، وجاهدوا مع الرسول لنصرة الحق وإِعزاز الدين { ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ } أي استأذنك في التخلف أُولوا الغنى والمال الكثير { وَقَالُواْذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } أي دعنا نكن مع الذين لم يخرجوا للغزو وقعدوا لعذر ، قال تعالى تقبيحاً لهم وذماً { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة الذين تخلفوا في البيوت { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي ختم عليها { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } أي فهم لا يفهمون ما في الجهاد وطاعة الرسول من السعادة ، وما في التخلف عنه من الشقاوة { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } قال الرازي : لما شرح حال المنافقين ، بيّن حال الرسول والمؤمنين بالضد منه ، حيث بذلوا المال والنفس في طلب رضوان الله والتقرب إِليه والمعنى : إِن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا ، فقد جاهد من هو خير منهم وأخلص نية واعتقاداً { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } أي لهم منافع الدارين : النصر والغنيمة في الدنيا ، والجنة والكرامة في الآخرة { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي الفائزون بالمطلوب { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي أعد الله لهم على إِيمانهم وجهادهم بساتين تجري من تحت قصورها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَا } أي لابثين في الجنة أبداً { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك هو الظفر العظيم الذي لا فوز وراءه { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } أي جاء المعتذرون من الأعراب الذين انتحلوا الأعذار وتخلفوا عن الجهاد { لِيُؤْذَنَ لَهُمْ } أي في ترك الجهاد ، وهذا بيان لأحوال المنافقين من الأعراب بعد بيان أحوال المنافقين من أهل المدينة ، قال البيضاوي : هم " أسد " و " غطفان " استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال { وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي وقعد عن الجهاد الذين كذبوا الله ورسوله في دعوى الإِيمان ، وهم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا عن تخلفهم { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وعيد لهم شديد أي سينال هؤلاء المتخلفين الكاذبين في دعوى الإِيمان عذاب أليم بالقتل والأسر في الدنيا ، والنار في الآخرة { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } أي ليس على الشيوخ المسنين ، ولا على المرضى العاجزين الذين لا يستطيعون الجهاد لعجزهم أو مرضهم { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } أي الفقراء الذين لا يجدون نفقة للجهاد { حَرَجٌ } أي إِثم في القعود { إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ } أي أخلصوا الإِيمان والعمل الصالح ، فلم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم ، ولم يثيروا الفتن ، فليس على هؤلاء حرج إِذا تركوا الغزو لأنهم أصحاب أعذار { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } أي ليس عليهم جناح ولا إِلى معاتبتهم سبيل قال في التسهيل : وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله ، ورفع عنهم العقوبة والتعنيف واللوم ، وهذا من بليغ الكلام لأن معناه : لا سبيل لعاتب عليهم ، وهو جارٍ مجرى المثل { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي عظيم المغفرة والرحمة حيث وسع على أهل الأعذار { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } نزلت في البكائين الذين أرادوا الغزو مع رسول الله ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه قال البيضاوي : هم البكاءون سبعة من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : قد نذرنا الخروج فاحملنا نغزو معك ، فقال عليه السلام : لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم يبكون { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } أي ليس عندي ما أحملكم عليه من الدواب { تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً } أي انصرفوا وأعينهم تسيل دمعاً من شدة الحزن { أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } أي لأنهم لم يجدوا ما ينفقونه لغزوهم ، ولم يكن عند الرسول ما يحملهم عليه { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ } أي إِنما الإِثم والحرج على الذين يستأذنونك في التخلف وهم قادرون على الجهاد وعلى الإِنفاق لغناهم { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي ختم عليها فهم لذلك لا يهتدون . البَلاَغَة : 1 - { يَعْلَمُ … وعَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } بين يعلم وعلام جناس الاشتقاق . 2 - { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } التنوين في عذابٌ للتهويل والتفخيم . 3 - { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } بينهما طباق السلب ، وقد خرج الأمر عن حقيقته إِلى التسوية . 4 - { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } فيه من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة . 5 - { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } الخوالف : النساء المقيمات في دار الحي بعد رحيل الرجال ففيه استعارة ، وإِنما سمي النساء خوالف تشبيهاً لهن بالخوالف وهي الأعمدة تكون في أواخر بيوت الحي فشبههن لكثرة لزوم البيوت بالخوالف التي تكون في البيوت . 6 - { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ } هو من عطف الخاص على العام اعتناءً بشأنهم أفاده الألوسي . فَائِدَة : قال الزمخشري عند قوله تعالى { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } لفظ السبعين جارٍ مجرى المثل في كلام العرب للتكثير قال علي بن أبي طالب : @ لأصبحن العاص وابن العاصي سبعين ألفاً عاقدي النواصي @@ فذكرها ليس لتحديد العدد ، وإِنما هو للمبالغة جرياً على أساليب العرب . تنبيهْ : إِنما منع صلى الله عليه وسلم من الصلاة على المنافقين ، لأن الصلاة على الميت دعاء واستغفار واستشفاع له ، والكافر ليس بأهل لذلك . لطيفَة : " اشتهر " حذيفة بن اليمان " بأنه صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال له صلى الله عليه وسلم : إِني مسرٌ إليك سراً فلا تذكره لأحد ، إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان ، لرهط ذوي عدد من المنافقين ، ولذلك كان عمر رضي الله عنه يأتيه فيقول : أسألك باللهِ هل عدَّني رسول الله من المنافقين ؟ ! " .