Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 38-39)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد رسولاً بشرياً ، كذلك قد بعثنا المرسلين قبلك بشراً يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ، وقد قال تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ } [ الكهف : 110 ] ، وفي " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام ، وآكل اللحم ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي لم يكن يأتي قومه بخارق ، إلا إذا أذن له فيه ، ليس ذلك إليه بل إلى الله عزّ وجلّ ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها وكل شيء عند بمقدار ، { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج : 70 ] . وكان الضحاك يقول : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } : أي لكل كتاب أجل ، يعني لكل كتاب أنزل من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } منها { وَيُثْبِتُ } يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، وقوله : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } اختلف المفسرون في ذلك : فقال الثوري ، عن ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو الله ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت . وفي رواية { يَمْحُواْ ٱللَّهُ وَيُثْبِتُ } قال : كل شيء إلا الموت والحياة والشقاء والسعادة ، فإنه قد فرغ منهما ، وقال منصور : سألت مجاهداً فقلت : أرأيت دعاء أحدنا ، يقول : اللهم إن كان إسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم ، واجعله في السعداء ، فقال : حسن ؛ ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر فسألته عن ذلك ، فقال : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [ الدخان : 3 ] الآيتين ، قال : يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو معصية ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب السعادة والشقاوة فهو ثابت لا يغير ، وقال الأعمش عن أبي وائل : إنه كان كثيراً يدعو بهذا الدعاء : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . وقال ابن جرير : عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي : اللهم إن كنت كتبت عليَّ شقوة أو ذنباً فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة . ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " وثبت في " الصحيح " أن صلة الرحم يزيد في العمر ، وفي حديث آخر : " إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض " وقال الكلبي : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه ، وقال العوفي عن ابن عباس : هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله وهو الذي يثبت . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } ، وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ وما يبدل وما يثبت كل ذلك في كتاب ، وقال مجاهد : قالت كفار قريش لما نزلت { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } : ما نرى محمداً يملك شيئاً وقد فرغ من الأمر ، فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، وتحدث في كل رمضان ، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم . وقال الحسن البصري { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } قال : من جاء أجله يذهب ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله ، وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير رحمه الله ، وقوله : { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } قال : الحلال والحرام ، وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله ، وقال ابن جريج عن ابن عباس : { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } قال : الذكر .