Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 3-4)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى العالم العلوي ، شرع في ذكر قدرته وحكمته وإحكامه للعالم السفلي ، فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض ، وأرساها بجبال راسيات شامخات ، وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون ، ليسقى ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } اي من كل شكل صنفان { يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } أي جعل كلاً منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً ، فإذا ذهب هذا غشيه هذا ، وإذا انقضى هذا جاء الآخر فيتصرف أيضاً في الزمان كما يتصرف في المكان والسكان { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي في آلاء الله وحكمه ودلائله ، قوله : { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } أي أراض يجاور بعضها بعضاً ، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً ، ويدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض ، فهذه تربة حمراء ، وهذه بيضاء ، وهذه صفراء ، وهذه سوداء ، وهذه محجرة ، وهذه سهلة ، وهذه سميكة وهذه رقيقة ، والكل متجاورات ، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إلٰه إلا هو ، وقوله : { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ } يحتمل أن تكون عاطفة على جنات ، فيكون { وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ } مرفوعين ، ويحتمل أن يكون معطوفاً على أعناب فيكون مجروراً ، ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الأئمة ، وقوله : { صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } الصنوان هو الأصول المجتمعة في منبت واحد كالرمان والتين وبعض النخيل ونحو ذلك ، وغير الصنوان ما كان على أصل واحد كسائر الأشجار ، وفي " الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : " أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه " ، وقال سفيان الثوري عن البراء رضي الله عنه : الصنوان هي النخلات في أصل واحد ، وغير الصنوان المتفرقات ، وقوله : { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } قال الأعمش ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } قال : " الدقل والفارسي والحلو والحامض " ، أي هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها وأوراقها وأزهارها ، فهذا في غاية الحلاوة ، وهذا في غاية الحموضة ، وذا في غاية المرارة ، وذا عفص ، وهذا عذب ، وهذا أصفر ، وهذا أحمر ، وهذا أبيض ، وكذلك الزهورات مع أنها كانت تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء مع هذا الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط ، ففي ذلك آيات لمن كان واعياً ، وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء وخلقها على ما يريد ، ولهذا قال تعالى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .