Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 22-23)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عما خاطب به إبليس أتباعه بعد ما قضى الله بين عباده فأدخل المؤمنين الجنات ، وأسكن الكافرين الدركات ، فقام فيهم إبليس لعنه الله يومئذ خطيباً ليزيدهم حزناً إلى حزنهم وغبناً إلى غبنهم وحسرة إلى حسرتهم فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } أي على ألسنة رسله ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة ، وكان وعداً حقاً وخبراً صادقاً وأما أنا فوعدتكم فأخلفتكم ، كما قال الله تعالى : { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [ النساء : 120 ] ثم قال : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه دليل ولا حجة فيما وعدتكم به ، { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } بمجرد ذلك ، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به ، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه { فَلاَ تَلُومُونِي } اليوم ، { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } فإن الذنب لكم لكونكم خالفتم الحجج ، واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل ، { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه ، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } أي بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال ، { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } قال قتادة ، أي بسبب ما أشركتموني من قبل قال ابن جرير : يقول إني جحدت أن أكون شريكاً لله عزّ وجلّ ، وهذا الذي قاله هو الراجح ، كما قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 - 6 ] ، وقال : { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] . وقوله : { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } أي في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل لهم عذاب أليم ، والظاهر من سياق الآية أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النار كما قدمنا ، قال الشعبي : يقوم خطيبان يوم القيامة على رؤوس الناس ، يقول تعالى لعيسى بن مريم : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] ؟ قال : ويقوم إبليس لعنه الله فيقول : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } الآية ، ثم لما ذكر تعالى مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنكال ، وإن خطيبهم إبليس عطف بمآل السعداء ، فقال { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } سارحة فيها حيث ساروا وأين ساروا ، { خَالِدِينَ فِيهَ } ماكثين أبداً لا يحولون ولا يزولون { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } ، كما قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ } [ الزمر : 73 ] ، وقال تعالى : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 - 24 ] ، وقال تعالى : { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } [ الفرقان : 75 ] ، وقال تعالى : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] .