Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 94-99)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ ما بعثه وبإنفاذه والصدع به ، وهو مواجهة المشركين به ، كما قال ابن عباس في قوله : { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } : أي أمضه ؛ وفي رواية ( افعل ما تؤمر ) . وقال مجاهد : هو الجهر بالقرآن في الصلاة . وعن عبد الله بن مسعود : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت : { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } فخرج هو وأصحابه ، وقوله : { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } أي بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] ولا تخفهم ، فإن الله كافيك إياهم ، وحافظك منهم ، كقوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] . وعن أنَس مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم ، فجاء جبريل - أحسبه قال : فغمزهم - فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا . وقال محمد بن إسحاق : كان عظماء المستهزئين خمسة نفر ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ، من بني أسد بن عبد العزى ( أبو زمعة ) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه ، فقال : " اللهم أعم بصره وأثكله ولده " ، ومن بني زهرة ( الأسود بن عبد يغوث ) ، ومن بني مخزوم ( الوليد بن المغيرة ) ، ومن بني سهم ( العاص بن وائل ) ، ومن خزاعة ( الحارث بن الطلاطلة ) ، فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى : { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } إلى قوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُون } تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع الله معبوداً آخر . وقوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } أي وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض ، فلا يضيقنك ذلك ، ولا يثنينّك عن إبلاغك رسالة الله وتوكل عليه ، فإنه كافيك وناصرك عليهم ، فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة . ولهذا قال : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر صلى ، وقوله : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } ، قال البخاري عن سالم بن عبد الله { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } قال : الموت . والدليل على ذلك قوله تعالى إخباراً عن أهل النار أنهم قالوا : { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } [ المدثر : 46 - 47 ] . وفي " الصحيح " : " أما هو فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير " ويستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً فيصلي بحسب حاله ، كما ثبت في " صحيح البخاري " عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " ، ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم ، وهذا كفر وضلال وجهل ، فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا - هم وأصحابهم - أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع هذا أكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة ؛ وإنما المراد باليقين هٰهنا الموت ، كما قدمناه ، ولله الحمد والمنة .