Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 68-69)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المراد بالوحي هنا ( الإلهام ) والهداية والإرشاد للنحل ، أن تتخذ من الجبال بيوتاً تأوي إليها ، ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم أذن لها تعالى إذناً قدرياً تسخيرياً أن تأكل من كل الثمرات ، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها أي مسهلة عليها حيث شاءت من هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة ، ثم تعود كل واحدة منها إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل ، فتبني الشمع من أجنحتها ، وتقيء العسل من فيها ، ثم تصبح إلى مراعيها . وقوله تعالى : { فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } أي فاسلكيها مذللة لك ، نص عليه مجاهد ، وقوله تعالى : { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } ما بين أبيض وأصفر وأحمر ، وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها ، وقوله : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } أي في العسل شفاء للناس ، أي من أدواء تعرض لهم . قال بعض من تكلم عن الطب النبوي : لو قال فيه الشفاء للناس لكن دواء كل داء ؛ ولكن قال : فيه شفاء للناس ، أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة ، فإنه حار ، والشيء يداوى بضده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه " أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي استطلق بطنه ، فقال : " اسقه عسلاً " فذهب فسقاه عسلاً ، ثم جاء فقال : يا رسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقاً . قال : " اذهب فاسقه عسلاً " ، فذهب فسقاه عسلاً ، ثم جاء فقال : يا رسول ما زاده إلا استطلاقاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله وكذب بطن أخيك ، اذهب فاسقه عسلاً " ، فذهب فسقاه عسلاً فبرئ " وقال بعض العلماء بالطب : كان هذا الرجل عنده فضلات ، فلما سقاه عسلاً وهو حار تحللت فأسرعت في الاندفاع ، فزاده إسهالاً ، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه ، ثم سقاه فازداد التحليل والدفع ، ثم سقاه فكذلك ، فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضدة بالبدن استمسك بطنه وصلح مزاجه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام . وفي " الصحيحين " " عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الحلواء والعسل " وفي " صحيح البخاري " عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنهى أمتي عن الكي " . وقال البخاري ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن كان في شيء من أدويتكم خير : ففي شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحب أن أكتوي " وفي الحديث : " عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " ، وعن علي بن أبي طالب أنه قال : " إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحفة ، وليغسلها بماء السماء ، وليأخذ من امرأته درهماً عن طيب نفس منها ، فليشتر به عسلاً فليشربه كذلك فإنه شفاء " ، أي من وجوه : قال الله تعالى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 82 ] ، وقال : { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً } [ ق : 9 ] وقال : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] ، وقال في العسل : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } ، وقوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في هذه المهامة والاجتناء من سائر الثمار ، ثم جمعها للشمع والعسل وهو أطيب الأشياء لآية لقوم يتفكرون في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها فيستدلون بذلك على أنه الفاعل القادر الحكيم العليم الكريم الرحيم .