Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 91-92)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا مما يأمر الله تعالى به وهو الوفاء بالعهود والمواثيق والمحافظة على الأيمان المؤكدة ، ولهذا قال : { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } ، ولا تعارض بين هذا وبين قوله : { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } [ البقرة : 224 ] الآية ، وبين قوله تعالى : { ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ } [ المائدة : 89 ] أي لا تتركوها بلا كفارة ، وبين قوله عليه السلام فيما ثبت عنه في " الصحيحين " أنه عليه الصلاة والسلام قال : " إني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " ، وفي رواية : " وكفرت عن يميني " لا تعارض بين هذا كله ولا بين الآية المذكورة هٰهنا وهي قوله : { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } ، لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق ، لا الأيمان التي هي واردة على حث أو منع ؛ ولهذا قال مجاهد في قوله : { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } يعني الحلف ، أي حلف الجاهلية . ويؤيده ما رواه الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية فإنه لا يزيده الإسلام إلاّ شدة " ، ومعناه أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه ، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه . وقال ابن جرير ، عن بريدة في قوله : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } قال : نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من أسلم بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فقال : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } هذه البيعة التي بايعتم على الإسلام ، { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } لا يحملنكم قلة محمد وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها , وقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً } . قال السدي : هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئاً نقضته بعد إبرامه ، وقال مجاهد وقتادة : هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده ، وهذا القول أرجح وأظهر ، سواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا ، وقوله : { أَنكَاثاً } أي أنقاضاً ، { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } أي خديعة ومكراً { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } أي تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم ، فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم ، فنهى الله عن ذلك لينبه بالأدنى على الأعلى ، قال ابن عباس : { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ } : أي أكثر ، وقال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز فنهوا عن ذلك ، وقوله : { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ } قال ابن جرير : أي بأمره إياكم بالوفاء بالعهد { وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فيجازي كل عامل بعمله من خير وشر .