Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 110-111)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { قُلِ } يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عزّ وجلّ ، المانعين من تسميته بالرحمٰن ، { ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } أي لا فرق بين دعائكم له باسم { ٱللَّهَ } أو باسم { ٱلرَّحْمَـٰنَ } فإنه ذو الأسماء الحسنى ، كما قال تعالى : { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الحشر : 24 ] الآية . وقد روى مكحول أن رجلاً من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده : " يا رحمن يا رحيم " ، فقال إنه يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين فأنزل الله هذه الآية ، وكذا روي عن ابن عباس رواهما ابن جرير ، وقوله : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة ، { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } قال : كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فلما سمع ذلك المشركين سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به ، قال فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ، { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } . وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر القرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه ، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي ، استرق السمع منهم دونهم فرقاً منهم . فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع ، فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً ، فأنزل الله { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } فيتفرقوا عنك { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } أي فلا يسمع من أراد أن يسمع فينتفع به ، { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } . قال ابن جرير ، عن محمد بن سيرين ، قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا ؟ قال : أناجي ربي عزّ وجلّ وقد علم حاجتي ، فقيل : أحسنت ، وقيل لعمر : لم تصنع هذا ؟ قال : أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ، قيل : أحسنت ، فلما نزلت : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } قيل لأبي بكر : ارفع شيئاً ، وقيل لعمر : اخفض شيئاً . وقال عكرمة ، عن ابن عباس : نزلت في الدعاء ، وقوله : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى نزه نفسه عن النقائص ، فقال : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } ، بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي ، أو وزير أو مشير ، بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له ، ومدبرها ومقدرها بمشيئته وحده لا شريك له ، قال مجاهد في قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } لم يحالف أحداً ، ولم يبتغ نصر أحد ، { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } أي عظمه وأجلّه عما يقول الظالمون المعتدون علواً كبيراً .