Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 90-93)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن جرير عن ابن عباس : " إن عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، وأبا البختري ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أبي أمية ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء ، وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليهم عنتهم ، حتى جلس إليهم فقالوا : يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك ، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وشتمت الألهة ، وفرقت الجماعة ، فما بقي من قبيح إلاّ وقد جئته فيما بيننا وبينك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوَّدناك علينا ، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئياً تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك ، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل علي كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " . فقالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك ، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلاداً ، ولا أقل مالاً ، ولا أشد عيشاً منا ، فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به ، فليسيّر هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليفجّر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا ، منهم ( قصي بن كلاب ) فإنه كان شيخاً صدوقاً ، فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل ؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند الله ، وأنه بعثك رسولاً ، كما تقول . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بهذا بعثت ، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به ، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " . قالوا : فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك فسل ربك أن يبعث ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وتسأله فيجعل لك جنات وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم ! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً ، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " . قالوا : فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك ، فإنا لن نؤمن لك إلاّ أن تفعل . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك " ، فقالوا : يا محمد ! أما علم ربك أنا سنجلس معك ، ونسألك عما سألناك عنه ، ونطلب منك ما نطلب ، فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به ، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمٰن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمٰن أبداً ، فقد أعذرنا إليك يا محمد ، أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا . فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وهو ابن عمته عاتكة ابنة عبد المطلب ، فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك ، ثم سألوك أن تعجل لهم ما تخوفهم به من العذاب ، فوالله لا أومن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معي بصحيفة منشورة ، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك " . ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً ، لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه . ولو علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشاداً لأجيبوا إليه ، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفراً وعناداً ، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت أعطيناهم ما سألوا ، فإن كفروا عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ، فقال : " بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة " " . وقوله تعالى : { حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } الينبوع : العين الجارية ، سألوه أن يجري لهم عيناً معيناً في أرض الحجاز هٰهنا وهٰهنا ، وذلك سهل على الله تعالى يسير لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا ، ولكن علم أنهم لا يهتدون ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 96 - 97 ] . وقوله تعالى : { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ } أي أنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهي وتدلي أطرافها فعجّلْ ذلك في الدنيا ، وأسقطها كسفاً ، أي قطعاً ، كذلك سأل قوم شعيب فقالوا : { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 187 ] ، فعاقبهم الله بعذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ، وأما نبي الرحمة المبعوث رحمة للعالمين فسأل إنظارهم وتأجيلهم ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً ، وكذلك وقع ، فإن من هؤلاء الذين الذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه حتى ( عبد الله بن أبي أمية ) الذي تبع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قال . أسلم إسلاماً تاماً وأناب إلى الله عزَّ وجلَّ ، وقوله تعالى : { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } . قال ابن عباس ومجاهد : هو الذهب ، أي يكون لك بيت من ذهب ، { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي تصعد في سلم ، ونحن ننظر إليك ، { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } ، قال مجاهد : أي مكتوب فيه ، إلى كل واحد صحيفة ، هذا كتاب من الله لفلان بن فلان تصبح موضوعة عند رأسه ، وقوله تعالى : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } أي سبحانه وتعالى وتقدس ، أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ، بل هو الفعال لما يشاء ، وما أنا إلاّ رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي ، وأنصح لكم وأمركم فيما سألتم إلى الله عزَّ وجلَّ ، وعن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرض علي ربي عزَّ وجلّ ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً ، فقلت : لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً - أو نحو ذلك - فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " .