Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 1-5)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم في أول التفسير ، أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة ، عند فواتح الأمور وخواتمها ، فإنه المحمود على كل حال ، وله الحمد في الأولى والآخرة ، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم ، محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض ، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور ، حيث جعله كتاباً مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا زيغ ، بل يهدي إلى صراط مستقيم ، واضحاً بيناً جلياً ، نذيراً للكافرين بشيراً للمؤمنين ، ولهذا قال : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } أي لم يجعل فيه اعوجاجاً ولا زيغاً ولا ميلاً ، بل جعله معتدلاً مستقيماً ، ولهذا قال : { قَيِّماً } أي مستقيماً ، { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْه } أي لمن خالفه وكذبه ، ولم يؤمن به ، ينذره بأساً شديداً عقوبة عاجلة في الدنيا ، وآجلة في الآخرة ، { مِّن لَّدُنْهُ } أي من عند الله { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي بهذا القرآن ، الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } أي مثوبة عند الله جميلة ، { مَّاكِثِينَ فِيهِ } في ثوابهم عند الله ، وهو الجنة ، خالدين فيه { أَبَداً } دائماً ، لا زوال له ولا انقضاء ، وقوله : { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } قال ابن إسحاق : وهم مشركوا العرب ، في قولهم نحن نعبد الملائكة ، وهم بنات الله { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } ، أي بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه ، { وَلاَ لآبَائِهِمْ } أي لأسلافهم ، { كَبُرَتْ كَلِمَةً } كبرت كلمتهم هذه ، وفي هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم . ولهذا قال : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي ليس لها مستند سوى قولهم ولا دليل لهم عليها إلاّ كذبهم وافتراؤهم ، ولهذا قال : { إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } . وقد ذكر محمد بن إسحاق في سبب نزول هذه السورة الكريمة عن ابن عباس قال : " بعثت قريش ( النضر بن الحارث ) و ( عقبة بن أبي معيط ) إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهم : سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى أتيا المدينة ، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره وبعض قوله وقالا : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا ، قال ، فقالوا لهم : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإلاّ فرجل متقول فتروا فيه رأيكم ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنهم قد كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف ، بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعون ، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم ، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش ، فقالا : يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور ؛ فأخبروهم بها ، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ! أخبرنا ، فسألوه عما أمروهم به ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبركم غداً عما سألتم عنه " ، ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً ، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه ، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة . ثم جاء جبرائيل عليه السلام من الله عزَّ وجلَّ بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من خبر الفتية والرجل الطواف " ، وقول الله عزَّ وجلَّ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ } [ الإسراء : 85 ] الآية .