Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-65)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبب قول موسى لفتاه وهو ( يوشع بن نون ) هذا الكلام ، أنه ذكر له أن عبداً من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى فأحب الرحيل إليه ، وقال لفتاه ذلك { لاۤ أَبْرَحُ } : أي لا أزال سائراً { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين ، قال قتادة وغير واحد : هما ( بحر فارس ) مما يلي المشرق و ( بحر الروم ) مما يلي المغرب ، وقال محمد بن كعب : مجمع البحرين عند طنجة ، يعني في أقصى بلاد المغرب ، فالله أعلم . وقوله : { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } أي ولو أني أسير حقباً من الزمان ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : الحقب ثمانون سنة ، وقال مجاهد : سبعون خريفاً ، وقال ابن عباس { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } قال : دهراً ، وقوله : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه وقيل له متى فقدت الحوت فهو ثمة ، فسارا حتى بلغا مجمع البحرين ، وكان من مكتل مع يوشع عليه السلام ، وطفر من المكتل إلى البحر ، فاستيقظ يوشع عليه السلام وسقط الحوت في البحر فجعل يسير في الماء والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده ، ولهذا قال تعالى : { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } أي مثل السرب في الأرض ، قال ابن عباس : صار أثره كأنه حجر ، وقال قتادة : سرب من البحر حتى أفضى إلى البحر ، ثم سلك فيه فجعل لا يسلك فيه طريقاً إلاّ صار ماء جامداً ، وقوله : { فَلَمَّا جَاوَزَا } : أي المكان الذي نسيا الحوت فيه ، { قَالَ } موسى { لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا } أي الذي جاوزا في المكان { نَصَباً } أي تعباً ، { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } ، ولهذا قال : { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } أي طريقه { فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } أي هذا هو الذي نطلب { فَٱرْتَدَّا } أي رجعا { عَلَىٰ آثَارِهِمَا } أي طريقهما { قَصَصاً } أي يقصان آثار مشيهما ، ويقفوان أثرهما { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } ، وهذا هو الخضر عليه السلام ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى البخاري ، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟ قال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك . قال موسى : يا رب كيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله بمكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم ، فأخذ حوتاً فجعله بمكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه السلام ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر ، فاتخذ سبيله في البحر سرباً ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق . فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : { آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } ، ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ، قال له فتاه : { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } ، قال فكان للحوت سرباً ، ولموسى وفتاه عجباً ، فقال : { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } قال ، فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب ، فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام ؟ فقال : أنا موسى ، فقال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ الكهف : 67 ] يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه . فقال موسى : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [ الكهف : 69 ] ، قال له الخضر : { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } [ الكهف : 70 ] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قد حملونا بغير نول فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ! لقد جئت شيئاً إمراً { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } [ الكهف : 72 - 73 ] . قال ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله - فكانت الأولى من موسى نسياناً ، قال ، وجاء عصفور ، فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين ، فقال له الخضر : ما علمي وعلمك في علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، ثم خرجا من السفينة فبينما هم يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه ، فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } [ الكهف : 74 - 75 ] ، قال وهذه أشد من الأولى ، { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً * فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } [ الكهف : 76 - 77 ] أي مائلاً فقال الخضر بيده { فَأَقَامَهُ } [ الكهف : 77 ] فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } [ الكهف : 77 - 78 ] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبير : كان ابن عباس يقرأ : { وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً } ، وكان يقرأ : { وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين } . وروى الزهري : عن ابن عباس : أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري ، في صاحب موسى ، فقال ابن عباس : هو خضر ، فمر بها أبي بن كعب فدعاه ابن عباس ، فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى ، الذي سأل السبيل إلى لقيه ، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل ، فقال : تعلم مكان رجل أعلم منك ؟ قال : لا ، فأوحى الله إلى موسى : بلى عبدنا خضر ، فسأل موسى السبيل إلى لقيه ، فجعل الله له الحوت آية ، وقيل له : إذا فقدت الحوت فارجع ، فإنك ستلقاه ، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر ، فقال فتى موسى لموسى أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ، قال موسى { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } فوجدا عبدنا خضراً ، فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه " .