Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-15)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا أيضاً تضمن محذوفاً ، تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو يحيى عليه السلام ، وأن الله علمه الكتاب وهو ( التوراة ) التي كانوا يتدارسونها بينهم ، وقد كان سنه إذ ذاك صغيراً ، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه وعلى والديه ، فقال { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } أي الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير والإكباب عليه والاجتهاد فيه ، وهو صغير حدث . قال عبد الله بن المبارك ، قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقنا . وقوله : { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا } قال ابن عباس : يقول ورحمة من عندنا . وزاد قتادة : رحم الله بها زكريا ، وقال مجاهد : { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا } وتعطفاً من ربه عليه ، وقال عكرمة : محبة عليه ، وقال عطاء بن أبي رباح : تعظيماً من لدنا ، والظاهر من السياق أن قوله { وَحَنَاناً } معطوف على قوله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } أي وآتيناه الحكم وحناناً ، وزكاة أي وجعلناه ذا حنان وزكاة ، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب : حنت الناقة على ولدها ، وحن الرجل إلى وطنه ، ومنه التعطف والرحمة ، وفي " المسند " للإمام أحمد ، عن أنَس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان " وقد يثنى كما قال طرفة : @ أبا منذر أفنيتَ فاستبق بعضَنا حنانيك بعضُ الشر أهون من بعض @@ وقوله تعالى : { وَزَكَاةً } معطوف على { وَحَنَاناً } فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب ، وقال قتادة : الزكاة : العمل الصالح ، وقال الضحّاك : العمل الصالح الزكي ، وقال ابن عباس { وَزَكَاةً } قال : بركة { وَكَانَ تَقِيّاً } طاهراً فلم يذنب ، وقوله { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } لما ذكر تعالى طاعته لربه ، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة ، وتقى ، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما ، ومجانبته عقوقهما قولاً وفعلاً ، أمراً ونهياً ، ولهذا قال : { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } ، ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد من ولد آدم إلاّ وقد أخطأ أو هم بخطيئة ، ليس يحيى بن زكريا ، وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " ، وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، أن الحسن قال : إن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا ، فقال له عيسى استغفر لي أنت خير مني ، فقال له الآخر : أنت خير مني ، فقال له عيسى : أنت خير مني سلمتُ على نفسي وسلّم الله عليك ، فعرف الله فضلهما .