Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 34-37)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لرسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه : ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى عليه السلام { قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } أي يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به ، ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبياً نزه نفسه المقدسة ، فقال : { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ } أي عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علواً كبيراً { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } ، أي إذا أراد شيئاً فإنما يأمر به . فيصير كما يشاء كما قال : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] ، وقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي ومما أمر به عيسى قومه وهو في مهده أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربه وربهم ، وأمرهم بعبادته فقال { فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم أي قويم من اتبعه رشد وهدي ومن خالفه ضل وغوى ، وقوله : { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } أي اختلف قول أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله ، وأنه عبده ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فصممت طائفة منهم وهم جمهور اليهود عليهم لعائن الله ، على أنه ولد زنية ، وقالوا : كلامه هذا سحر ، وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله ، وقال آخرون : بل هو ابن الله ، وقال آخرون : ثالث ثلاثة ، وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله ، وهذا هو قول الحق الذي أرشد الله إليه المؤمنين ، وقد روي نحو هذا عن ابن جريج وقتادة وغير واحد من السلف والخلف . وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن ( قسطنطين ) جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم ، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفاً ، فاختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام اختلافاً متبايناً جداً ، فقالت كل شرذمة فيه قولاً ، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه فمال إليهم الملك ، وكان فيلسوفاً ، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم ، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة ، ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعاً كثيرة ، وحرفوا دين المسيح وغيروه ، فابتنى لهم حينئذٍ الكنائس الكبار في مملكته كلها ، بلاد الشام والجزيرة والروم ، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسة ، وقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى ، وزعم أن له ولداً ، ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة ، وأجّلهم حلماً فإنه الذي لا يعجّل على من عصاه ، كما جاء في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم " وقد قال تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [ الحج : 48 ] ، وقال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] ، ولهذا قال هٰهنا { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي يوم القيامة . وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " .