Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 172-173)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم تعالى ، وأن يشكروه تعالى على ذلك إن كانوا عُبَّاده ، والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدعاء والعبادة ، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة ، كما جاء في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } . ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ، ومطعَمُه حرامٌ ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنّى يستجاب لذلك ؟ " ولما امتن تعالى عليهم برزقه وأرشدهم إلى الأكل من طِّيبه ، ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة ، وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية ، وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة أو عدا عليها السبع ، وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } [ المائدة : 96 ] ، وقوله عليه السلام في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، وسيأتي تقرير ذلك إن شاء الله في سورة المائدة . ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والاحتياج إليها عند فقد غيرها من الأطعمة فقال : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } أي في غير بغي ولا عدوان وهو مجاوزة الحد { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي في أكل ذلك . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قال مجاهد : { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } من خرج باغياً أو عادياً أو في معصية الله فلا رخصة له وإن اضطر إليه ، وقال مقاتل بن حيان : { غَيْرَ بَاغٍ } يعني غير مستحله ، وقال السُّدي : { غَيْرَ بَاغٍ } يبتغي فيه شهواته ، وعن ابن عباس : لا يشبع منها وعنه : { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } قال : { غَيْرَ بَاغٍ } في الميتة ، ولا عادٍ في أكله ، وقال قتادة : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } قال : غير باغ في الميتة أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام هو يجد عنه مندوحة ، وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } أي أكره على ذلك بغير اختياره . مسألة إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير ، بحيث لا قطع فيه ولا أذى ، فإنه لا يحل له أكل الميتة ، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف لحديث عباد بن شرحيل العنزي قال : أصابتنا عاماً مخمصةٌ فأتيت المدينة ، فأتيت حائطاً ، فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته وجعلت منه في كسائي ، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال للرجل : " ما أطعمته إذ كان جائعاً ولا ساعياً ، ولا علَّمته إذ كان جاهلاً " فأمره فرد إليه ثوبه ، وأمر له بوسق طعام أو نصف وسق . وقال مقاتل بن حيان : في قوله : { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فيما أكل من اضطرار ، وبلغنا - والله أعلم - أنه لا يزاد على ثلاث لقم ، وقال سعيد بن جبير : { غَفُورٌ } لما أكل من الحرام { رَّحِيمٌ } إذ أحل له الحرام في اضطرار ، وقال مسروق : من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار ، وهذا يقتضي أنّ أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة ، وهذا هو الصحيح كالإفطار للمريض .