Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 180-182)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين ، وقد كان ذلك واجباً قبل نزول آية المواريث ، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه ، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله ، يأخذها أهلوها حتماً من غير وصية ولا تحمل مِنَّة الموصي ، ولهذا جاء في الحديث : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " وعن ابن عباس في قوله : { ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } نسختها هذه الآية : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [ النساء : 7 ] . والعجب من الرازي كيف حكى عن أبي مسلم الأصفهاني أن هذه الآية غير منسوخة ، وإنما هي مفسرة بآية المواريث ، ومعناه : كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين من قوله : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } [ النساء : 11 ] ، قال : وهو قول أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء ، قال : ومنهم من قال إنها منسوخة فيمن يرث ، ثابتة فيمن لا يرث ، ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخاً في اصطلاحنا المتأخر ، لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية ، لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لا يرث ، فرفع حكم من يرث بما عين له وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى ، وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم : إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندباً حتى نسخت ، فأما من يقول : إنها كانت واجبة ، وهو الظاهر من سياق الآية ، فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث ، كما قاله أكثر المفسرين . فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع ، بل منهي عنه للحديث المتقدم : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم ، يستحب له أن يوصي لهم من الثلث ، استئناساً بآية الوصية وشمولها ، ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما حق امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " قال ابن عمر : ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي . { إِن تَرَكَ خَيْراً } أي مالاً ، قاله ابن عباس ومجاهد . ثم منهم من قال : الوصية مشروعة سواء قل المال أو كثر ، ومنهم من قال : إنما يوصي إذا ترك مالاً كثيراً . قيل لعلي رضي الله عنه : إن رجلاً من قريش قد مات وترك ثلثمائة دينار أو أربعمائة ولم يوص ، قال : ليس بشيء ، إنما قال الله { إِن تَرَكَ خَيْراً } إذا تركت شيئاً يسيراً فاتركه لولدك . وقال ابن عباس : من لم يترك ستين ديناراً لم يترك خيراً . وقال قتادة : كان يقال ألفاً فما فوقها ، وقوله : { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالرفق والإحسان ، والمراد بالمعروف أن يوصي لأقاربه وصيةً لا تجحف بورثته كما ثبت في الصحيحين " أن سعداً قال : يا رسول الله : إن لي مالاً ولا يرثني إلا ابنة لي أفأوصي بثلثي مالي ؟ قال : " لا " ، قال : فبالشطر ؟ قال : " لا " ، قال : فالثلث ؟ قال : " الثلث ، والثلث كثير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وفي صحيح البخاري أن ابن عباس قال : " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الثلث ، والثلث كثير " " . وقوله تعالى : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، يقول تعالى : فمن بدل الوصية وحرَّفها فغيَّر حكمها وزاد فيها أو نقص ، ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } ، قال ابن عباس : وقع أجر الميت على الله ، وتعلَّق الإثم بالذين بدلوا ذلك . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي قد اطلع على ما أوصى به الميت وهو عليم بذلك وبما بدله الموصَى إليهم . وقوله تعالى : { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً } قال ابن عباس : الجنف : الخطأ ، وهذا يشمل أنواع الخطأ كلها ، بأن زادوا وارثاً بواسطة أو وسيلة ، كما إذا أوصى لابن ابنته ليزيدها أو نحو ذلك من الوسائل ، إما مخطئاً غير عامد بل بطبعه وقوة شفقته من غير تبصر ، أو متعمداً آثماً في ذلك ، فللوصي والحالة هذه أن يصلح القضية ويعدل في الوصية على الوجه الشرعي ، ويعدل عن الذي أوصى به الميت ، إلى ما هو أقرب الأشياء إليه وأشبه الأمور به ، جمعاً بين مقصود الموصي والطريق الشرعي ، وهذا الإصلاح والتوفيق ليس من التبديل في شيء ، ولهذا عطف هذا فنبَّه على النهي عن ذلك ، ليعلم أن هذا ليس من ذلك بسبيل ، والله أعلم . وفي الحديث : " الجنف في الوصية من الكبائر " وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة " قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } [ البقرة : 229 ] الآية .