Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 187-187)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين ، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك ، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة ، فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة ، والرفث هنا هو الجماع قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد . وقوله : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } قال ابن عباس : يعني هن سكن لكم وأنتم سكن لهن ، وقال الربيع : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن ، وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويماسه ويضاجعه ، فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان لئلا يشق ذلك عليهم ويحرجوا . وكان السبب في نزول هذه الآية ما روي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها ، وإن ( قيس بن صرمة ) الأنصاري كان صائماً وكان يومه ذلك يعمل في أرضه ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ولكنْ انطلق فأطلب لك ، فغلبته عينه فنام ، وجاءت امرأته فلما رأته نائماً قالت : خيبة لك أنمت ؟ فلما انتصف النهار ؟ غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } - إلى قوله - { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ } ففرحوا بها فرحاً شديداً ، ولفظ البخاري عن البراء قال : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ } . وعن ابن عباس قال : كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلُّوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثم إن أناساً من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ } الآية . وعن أبي هريرة في قول الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } قال : كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلُّوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا ، وإن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء ، وإن ( صرمة بن قيس ) الأنصاري غلبته عيناه بعد صلاة المغرب فنام ، ولم يشبع من الطعام ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فقام فأكل وشرب ، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأنزل الله عند ذلك : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } يعني بالرفث مجامعة النساء ، { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء ، { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ } يعني جامعوهن { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } يعني : الولد ، { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } فكان ذلك عفواً من الله ورحمة ، وقال ابن جرير : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد ، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت : إني قد نمت ، فقال : ما نمت ، ثم وقع بها . وصنع ( كعب بن مالك ) مثل ذلك ، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ } الآية . فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل رحمة ورخصة ورفقاً . وقوله تعالى : { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة : يعني الولد ، وقال عبد الرحمٰن بن زيد بن أسلم : { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } يعني الجماع ، وقال قتادة : ابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم ، يقول ما أحل الله لكم . واختار ابن جرير أن الآية أعم من هذا كله . قوله تعالى : { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } ، أباح تعالى الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع ، في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل ، وعبّر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود ورفع اللبس بقوله : { مِنَ ٱلْفَجْرِ } ، كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله بعدُ { مِنَ ٱلْفَجْرِ } فعلموا أنما يعني الليل والنهار . وعن عدي بن حاتم قال : لما نزلت هذه الآية : { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ } عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض ، قال : فجعلتهما تحت وسادتي ، قال : فجعلت أنظر إليهما فلما تبيَّن لي الأبيض من الأسود أمسكت فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال : " إن وسادك إذن لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل " وجاء في بعض الألفاظ : " إنك لعريض القفا " ففسره بعضهم بالبلادة ، ويفسره رواية البخاري أيضاً قال : " إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ، ثم قال : لا ، بل هو سواد الليل وبياض النهار " . فصل وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر ، دليل على استحباب السحور ، لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب ولهذا وردت السنّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السحور . ففي الصحيحين عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " ، وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السحور أكلة بركة فلا تَدَعوه ولو أن أحدكم تجرَّع جرعة ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " ويستحب تأخيره كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة ، فقال أنس قلت : لزيدٍ : كم كان بين الآذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور " . وحكى ابن جرير في تفسيره عن بعضهم أنه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها . ( قلت ) : وهذا القول ما أظن أحداً من أهل العلم يستقر له قدم عليه لمخالفته نص القرآن في قوله : { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } ، وقد ورد في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم فإنه ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض - لعمود الصبح - حتى يستطير " وعن عطاء : سمعت ابن عباس يقول : هما فجران فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئاً ولكن الفجر الذي يستنير على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب ، وقال عطاء : فأما إذا سطع سطوعاً في السماء سطوعه أن يذهب في السماء طولاً فإنه لا يحرم به شراب للصائم ولا صلاة ولا يفوت به الحج ، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال حرم الشراب للصيام وفات الحج ، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء ، وهكذا روي عن غير واحد من السلف رحمهم الله . مسألة ومن جعْله تعالى الفجرَ غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام ، يستدل على أنه من أصبح جنباً فليغتسل وليتم صومه ولا حرج عليه ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً ، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأُم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم ، وفي حديث ( أُم سلمة ) عندهما ثم لا يفطر ولا يقضي . وقوله تعالى : { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } يقتضي الإفطار عند غروب الشمس كما جاء في الصحيحين : " إذا أقبل الليل من هٰهنا وأدبر النهار من هٰهنا فقد أفطر الصائم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عزَّ وجلَّ : أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً " ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال ، وهو أن يصل يوماً بيوم آخر ولا يأكل بينهما شيئاً ، عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تواصلوا " ، قالوا : يا رسول الله ! إنك تواصل ، قال : " فإني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " قال فلم ينتهوا عن الوصال فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ، ثم رأوا الهلال فقال : " لو تأخر الهلال لزدتكم " كالمنكل لهم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم ، فقالوا : إنك تواصل ، قال : " إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني " ، فقد ثبت النهي عنه من غير وجه ، وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يقوى على ذلك ويعان ، والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان ( معنوياً ) لا ( حسياً ) وإلا فلا يكون مواصلاً مع الحسي ولكن كما قال الشاعر : @ لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد @@ وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك ، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر " . قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله ، قال : " إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعمٌ يطعمني وساقٍ يسقيني " " . وقوله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ } ، قال ابن عباس : هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان فحرّم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً أو نهاراً حتى يقضي اعتكافه ، وقال الضحّاك : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامَع إن شاء ، فقال الله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ } ، أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره . وهذا الذي حكاه هو الأمر المتفق عليه عند العلماء ، أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده ، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بُدّ له منها ، فلا يحل له أن يثبت فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك ، من قضاء الغائط أو الأكل ، وليس له أن يقبِّل امرأته ، ولا أن يضمها إليه ، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه ، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه مارّ في طريقه ، وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابها ، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء ومنها ما هو مختلف فيه . وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام ، إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام ، كما ثبت في السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله عزّ وجلّ ، ثم اعتكف أزواجه من بعده . وفي الصحيحين : أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد ، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها ، وكان ذلك ليلاً ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليمشي معها حتى تبلغ دارها ، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة ، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبيَّ صلى الله عليه وسلم أسرعا ( وفي رواية ) تواريا - أي حياءً من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه - فقال لهما صلى الله عليه وسلم : " " على رسلكما إنها صفية بنت حيي " ( أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي ) فقالا : سبحان الله يا رسول الله ! فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً " ، قال الشافعي رحمه الله : أراد عليه السلام أن يعلِّم أمته التبري من التهمة في محلها ، لئلا يقعا في محذور ، وهما كانا أتقى لله من أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً والله أعلم . ثم المراد ( بالمباشرة ) إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل ومعانقة ونحو ذلك ، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به ، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إليَّ رأسه فأرجّله وأنا حائض ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان . قالت عائشة : ولقد كان المريض يكون في البيت فما أسأل عنه إلا وأنا مارة . وقوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي هذا الذي بيّناه وفرضناه وحدّدناه من الصيام وأحكامه ، وما أبحنا فيه وما حرمنا وذكرنا غاياته ورخصه وعزائمه { حُدُودُ ٱللَّهِ } أي شرعها الله وبيَّنها بنفسه { فَلاَ تَقْرَبُوهَا } أي لا تجاوزوها وتتعدوها . وقيل في قوله : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } أي المباشرة في الاعتكاف ، { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ } أي كما بيَّن الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله ، كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي يعرفون كيف يهتدون وكيف يطيعون كما قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ الحديد : 9 ] .