Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 197-197)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل العربية في قوله تعالى : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } فقال بعضهم : تقديره الحج حج أشهر معلومات ، فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام فيما عداها ، وإن كان ذاك صحيحاً ، والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السنة مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد واحتج لهم بقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } [ البقرة : 189 ] وبأنه أحد النسكين فصحَّ الإحرام به في جميع السنة كالعمرة ، وذهب الشافعي إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره ، فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به ، وهل ينعقد عمرة ؟ فيه قولان عنه ، والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن ابن عباس وجابر ومجاهد رحمهم الله ، والدليل عليه قوله : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } وظاهره التقدير الآخر الذي ذهب إليه النحاة ، وهو أن وقت الحج أشهر معلومات ، فخصصه بها من بين سائر شهور السنة ، فدل على أنه لا يصح قبلها كميقات الصلاة . عن ابن عباس أنه قال : لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج ، من أجل قول الله تعالى : { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ، وعنه أنه قال : من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ، وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع عند الأكثرين ، ولا سيما قول ابن عباس تفسيراً للقرآن وهو ترجمانه . وقوله تعالى : { أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } ، قال البخاري : قال ابن عمر : هي ( شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) وهو مذهب الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، واختار هذا القول ابن جرير ، قال : وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب ، كما تقول العرب : رأيته العام ورأيته اليوم وإنما وقع ذلك في بعض العام واليوم ، وقال الإمام مالك والشافعي في القديم : هي شوّال وذو القعدة وذو الحجة بكماله ، وهو رواية عن ابن عمر أيضاً . وفائدة مذهب مالك أنه إلى آخر ذي الحجة بمعنى أنه مختص بالحج ، فيكره الاعتمار في بقية ذي الحجة ، لا أنه يصح الحج بعد ليلة النحر ، وقد ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما كانا يحبان الاعتمار في غير أشهر الحج وينهيان عن ذلك في أشهر الحج ، والله أعلم . وقوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } أي أوجب بإحرامه حجاً ، قال ابن جرير : أجمعوا على أن المراد من الفرض هٰهنا الإيجاب والإلزام ، وقال ابن عباس : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ } من أحرم بحج أو عمرة ، وقال عطاء : الفرض الإحرام ، وقوله : { فَلاَ رَفَثَ } أي من أحرم بالحج أو العمرة ، فليجتنب الرفث وهو الجماع كما قال تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } [ البقرة : 187 ] وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك ، وكذلك التكلم به بحضرة النساء . قال عبد الله بن عمر : الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم . وقال ابن عباس : إنما الرفث ما قيل عند النساء ، وقال طاووس : سألت ابن عباس عن قول الله عزّ وجلّ : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ } قال : الرفث التعريض بذكر الجماع وهي العرابة في كلام العرب وهو أدنى الرفث ، وقال عطاء : الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش ، وقال أبو العالية عن ابن عباس : الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز ، وأن تعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك . وقوله تعالى : { وَلاَ فُسُوقَ } ، عن ابن عباس : هي المعاصي ، وعن ابن عمر قال : الفسوق ما أصيب من معاصي الله صيداً أو غيره ، وقال آخرون : الفسوق هٰهنا السباب قاله ابن عباس ومجاهد والحسن ، وقد يتمسك لهؤلاء بما ثبت في الصحيح : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " ، وقال الضحّاك : الفسوق التنابز بالألقاب . والذين قالوا : هو جميع المعاصي الصواب معهم ، كما نهى تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم ، وإن كان في جميع السنة منهياً عنه ، إلا أنه في الأشهر الحرم آكد - ولهذا قال : { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [ التوبة : 36 ] - وقال في الحرم : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج : 25 ] ، واختار ابن جرير أن الفسوق هٰهنا هو ارتكاب ما نهي عنه في الإحرام من قتل الصيد ، وحلق الشعر ، وقلم الأظفار ، ونحو ذلك كما تقدم عن ابن عمر ، وما ذكرناه أولى ، وقد ثبت عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . وقوله تعالى : { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } فيه قولان : ( أحدهما ) : ولا مجادلة في وقت الحج في مناسكه ، وقد بيّنه الله أتم بيان ووضحه أكمل إيضاح ( والقول الثاني ) : أن المراد بالجدال هٰهنا المخاصمة . قال ابن جرير عن عبد الله بن مسعود في قوله : { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } قال : أن تماري صاحبك حتى تغضبه . وقال ابن عباس : { وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } المراء والملاحاة حتى تُغْضب أخاك وصاحبك . وعن نافع أن ابن عمر كان يقول : الجدال في الحج : السباب والمراء والخصومات . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه " . وقوله تعالى : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } : لما نهاهم عن إتيان القبيح قولاً وفعلاً ، حثهم على فعل الجميل وأخبرهم أنه عالم به وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة . وقوله : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } ، عن عكرمة أن أناساً كانوا يحجون بغير زاد فأنزل الله : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } ، وعن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فأنزل الله : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } . وقوله تعالى : { فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا ، فأرشدهم إلى زاد الآخرة وهواستصحاب التقوى إليها ، كما قال : { وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ } [ الأعراف : 26 ] ، لما ذكر اللباس الحسي ، نبه مرشداً إلى اللباس المعنوي ، وهو الخشوع والطاعة والتقوى ، وذكر أنه خير من هذا وأنفع . قال عطاء : يعني زاد الآخرة ، وقال مقاتل بن حيان : لما نزلت هذه الآية : { وَتَزَوَّدُواْ } قام رجل من فقراء المسلمين فقال : يا رسول الله ما نجد ما نتزوده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تزودْ ما تكفّ به وجهك عن الناس وخير ما تزودتم التقوى " وقوله : { وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ، يقول : واتقوا عقابي ونكالي وعذابي ، لمن خالفني ولم يأتمر بأمري ، يا ذوي العقول والأفهام .